أعلان الهيدر

الاستخلاف

1-      مفهوم الاستخلاف: 
اصطلاحا : إنّ الله سبحانه وتعالى شرّف الإنسان بالخلافة على الأرض، فأصبح الكائن الوحيد المتميّز بهذا الشرف من بين كلّ كائنات الكون، لذا استحقّ الإنسان أن تسجد له الملائكة، وتدين له بالطاعة كلّ قوى الكون المنظور وغير المنظور.
والخلافة الّتي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾1، ليست استخلافاً لشخص آدم عليه السلام بل للجنس البشريّ كلّه, لأنّ من يُفسد في الأرض ويسفك الدماء - وفقاً لمخاوف
الملائكة - ليس آدم بالذّات بل الآدميّة والإنسانيّة على امتدادها التأريخيّ.
فالخلافة إذاً، قد أُعطيت للإنسانيّة ككلّ على الأرض كما قال تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾2 وما نبيّ الله آدم عليه السلام سوى المثل الأوّل بوصفه الإنسان الأوّل الّذي تسلّم هذه الخلافة، وحظي بهذا الشرف الربّانيّ فسجدت له الملائكة ودانت له قوى الأرض.
وكما تحدّث القرآن الكريم عن عمليّة الاستخلاف من جانب الله تعالى، كذلك تحدّث عن تحمّل الإنسان لأعباء هذه الخلافة بوصفها أمانة عظيمة ينوء الكون كلّه بحملها؛ قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز:﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾3 .
 
2-      مؤهلات الخلافة  للانسان الخليفة :
ما كان الله ليستخلف الإنسان ويقيمه مقامه في عمل ناءت بحمله الجبال والسماوات والأرض، إلا لما زوّد به هذا الإنسان من خصائص ومميّزات رفعته عن مستوى يكون فيه "مجرّد مسرح للإبداع" إلى مستوى يجعله "منتِجا للإبداع"، ومن "مَظهَر لدقيق الصنع" إلى "مُظهِر لدقيق الصنع"، تجلّت في عقل "مطلق الإدراك" عبر رحلة التجدد الدائمة، وفي إرادة مطلقة التصرّف من خلال حتميات طبيعية راسخة، وفي "عمل" مطلق الإمكان متراكم الثمرات بمرور الزمان، وفي مقومات متنوعة هي جسور بين الإنسان ومحيطه، تتشكل مع الأيام أشكالا كثيرة، فكل حي من الأحياء المحسوسة والغيبية له استعداد محدود، وعلم إلهامي محدود، وعمل محدود، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون خليفة عن الذي لا حد لعلمه و إرادته… وأما الإنسان، فقد خلقه الله ضعيفا، ولكنه مع ضعفه يتصرف في الأقوياء، ومع جهله في نشأته يعلم جميع الأسماء، فالإنسان بهذه القوة غير محدود الاستعداد و لا الرغائب، ولا محدود العلم ولا محدود العمل

3-      لماذا خلق الله الانسان في الارض
-         وقد خلق الله الانسان من أجل العبادة والسجود والتسبيح والحمد والتقديس له: وهو من أحد الاسباب الرئيسية في خلق الانسان، وآيات كثيرة حول تسبيح ما في السموات والأرض لله وحده، (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم) الجمعة، 1
-         وقد خلق الله الانسان لكي يؤمن به إيمانًا مطلقًا وأن لا يُشرك به شيئًا: قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا) النساء، 136
-         وقد خلق الله الانسان ليكون خليفته في الأرض بعد الجن، وأن يعمروا الأرض ويقيموا العدالة فيها:وقد يكون من أحد الأسباب المهمة أيضًا في خلق الانسان، قال الله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة) البقرة، 30
-         وقد خلقه الله الانسان لأجل تجلى صفات وأسماء الله الحسنى، وتكاثر النسل البشري على الأرض:توحيد صفات الله وتجليه على الانسان، يجعله أن يكون لائقًا لهذه الصفات، وأن لا يتبع الصفات الشيطانية التي ابتلا الله العباد بها.
-         وقد خلق الله الانسان لأجل الفلاح من الابتلاءات، وأن يعرفوا الجنة ونعيمها، ليست بسلعة رخيصة: قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه، 124
-         وقد خلق الله الانسان لأجل معرفة العبد عن سبب خلقه ووظائفه وواجباته تجاه الخالق: لقد رأينا اختلاف العلماء حول الغرض الأسمى والرئيسى من خلق البشر فى هذا الكون

4-      أهداف الخلافة بين الإسلام والجاهليّة:
حينما وضع الإسلامُ مبدأ خلافة الإنسان على الأرض لم يضعها مجرّدة من أهدافها الصالحة، بل وضع تصوّراً وقيماً لهذه الأهداف، بحيث أدّت إلى انقلاب عظيم على التصوّرات والمفاهيم حول ملكيّة الإنسان للثروة في عصر الجاهليّة، الأمر الّذي ترتّب عليه انقلاب شامل لكلّ الوسائل والأساليب في تملّك الثروة والسيطرة عليها فضلاً عن استثمارها وتنميتها.
وبعبارة أخرى: إنّ المجتمعات الجاهليّة لا تنظر إلى الحياة إلّا من خلال شوطها القصير الّذي ينتهي بالموت، ولا تُدرك ذاتَها ومتَعَها إلّا من خلال إشباع ما لدى الإنسان من غرائز وشهوات، وهي على هذا الأساس تجد في المال بوصفه مالاً، وفي تجميعه وادّخاره والتنافس فيه الهدف الطبيعيّ الّذي يضمن للإنسان القدرة على امتصاص أكبر قدر ممكن من إمكانات الحياة المادّيّة والخلود (النسبيّ) فيها.
ولإزالة هذا التصوّر والمفهوم الجاهليّ - بثوبيه القديم والحديث - واستئصال جذوره النفسيّة من الإنسان، قام الإسلام بشجب المال وتجميعه، وادّخاره والتكاثر فيه كهدف، ونفي أيّ دور له في تخليد الإنسان أو منحه وجوداً حقيقيّاً أكبر.
يُقدّم لنا القرآن الكريم صوراً عديدة ضمن عدد من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى:
ـ ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾.
ـ ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ *حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ...﴾.

ـ ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.