أعلان الهيدر

الرئيسية الحكمة من مشروعية الصيام

الحكمة من مشروعية الصيام

الحكمة من مشروعية الصيام:
الحكمة من مشروعية الصيام

شرع الله تعالى صيام شهر رمضان لحِكمة عظيمة، هي: تحقيق التقوى؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وتقوى الله - تعالى - تكون باتِّباع شرعه وعبادته وطاعته بفعل ما أمر به وترك ما نَهى عنه؛ وذلك أن الصيام تربية على ترك بعض المُباحات فترة محدَّدة استجابة لأمر الله - تعالى - فإذا استجاب المسلم لترك ما هو مُباح في الأصل، فلَأَنْ يمتنع عما حرَّمه الله - تعالى - في كل وقت وحينٍ أَولى.
فالصيام مدرسة يتربى فيها المسلم على طاعة الله - تعالى - فمن لم يتربَّ في هذه المدرسة فهو كالطالب يدخل المدرسة ويخرج منها ولم يتعلَّم القراءة والكتابة، فلا بد أن يتميَّز المسلم في صيامه بتقوى الله - جل وعلا - فيترك ما اعتاده من التقصير في الواجبات؛ مثل: ترْك صلاةِ الفجر، وترك الصلاة مع الجماعة، كما أنه يَحرِص على ترْك ما اعتاده من المنكرات، مثل: عقوق الوالدين، وشرب الدُّخَان، وحَلقِ اللحية، ومتابعة الأفلام الهابطة، والقنوات الفاسدة، ومُشاهَدة صور النساء بأي طريق، وليعزم على التوبة، والاستمرار على ما اكتسبه في رمضان من عمل الصالِحات وترك المُنكَرات.
ثبَت في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن لم يدَعْ قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدَع طعامه وشرابه))[1]، وهذا الحديث أصل عظيم في بيان الحكمة من مشروعية الصيام؛ فقد بيَّن فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله - تعالى - لم يشرَع الصيام لأجل الامتناع عن الطعام والشراب ونحوهما من المباحات في الأصل، وإنما شرَع الصيام لحكمة عظيمة هي في حقيقتها ما ذكره الله - تعالى - في كتابه الكريم وهي تقوى الله - جل وعلا - فـ: ((قول الزور)): الكذب وقول الباطل، ((والعمل به)): يعني العمل بالباطل، ((والجهل)): السَّفه، سواء أكان سفهًا على النفس أو على الآخَرين.

ويدخل في الجَهْل جميع المعاصي؛ لأنها من الجهل بالله وعظيم قدرِه وشرعِه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 17]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: مَن عمل السوء فهو جاهل؛ من جهالته عمل السوء[2]، وقال أبو العالية: إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو بجَهالة[3]، وقال قتادة: اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأوا أن كل شيء عُصي [الله] به فهو جَهالة، عمدًا كان أو غيره[4].
وقد دلَّ الحديث السابق على أمرَين:
الأول: أنه يتأكَّد على الصائم ترك الذنوب والمعاصي أكثر من غيره، وإلا لم يكن لصيامه معنى.
الثاني: أن الذنوب والمعاصي تؤثِّر في الصوم فتَجرحه وتُضعِف ثوابَه، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذِّكر في هذا الحديث معنى.
ورُوي عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أنه قال: إذا صُمتَ فليَصُم سمعُك وبصرك ولسانك عن الكذب والمَحارم، ودعْ أذى الخادِم[5]، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامِك، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواءً[6].  
____________________________________________
[1] رواه البخاري في كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: ﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30] (5: 2251) (5710)، وفي كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمَل به في الصوم (1804).
[2] رواه الطبري في تفسيره 4: 298، تفسير سورة النساء آية 17.
[3] رواه الطبري في تفسيره 4: 298، تفسير سورة النساء آية 17.
[4] رواه الطبري في تفسيره 4: 298، تفسير سورة النساء آية 17.
[5] هكذا هو في جميع الروايات التي وقفتُ عليها ((الخادم))، وبعض مَن ينقله يقول: ((الجار))، ولم أَقِف عليه بهذا اللفظ، فالظاهر أنه تصحيف.

[6] رواه ابن المبارك في الزهد (ص: 461) (1308) وابن أبي شيبة في مصنفه 2: 271 (8880)، والبيهقي في شعب الإيمان 3: 317 (3646)، وفي إسناده انقطاع كما بيَّنه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص: 20).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.