أعلان الهيدر

الرئيسية فن نجيب بلخوجة بين تجريد ونقاء

فن نجيب بلخوجة بين تجريد ونقاء

فن نجيب بلخوجة بين تجريد ونقاء
فن نجيب بلخوجة بين تجريد ونقاء
على رغم دور الرسام نجيب بلخوجة في تحديث المفردة التشكيلية في تونس، لم يقم معرضاً شاملاً للوحاته منذ فترة بعيدة، لذا شكل المعرض الذي افتتح الجمعة في 13 حزيران يونيو الجاري في "دار الفنون" في العاصمة تونس حدثاً ثقافياً كونه منح الفرصة للنقاد والجمهور الثقافي لرصد تطور التجربة التشكيلية للرسام الذي كان أول من سلك طريق التجريد بين التونسيين. إلا أن تجريدية بلخوجة ليست مقطوعة عن البيئة والسياق الزمني، فهو أيضا رسام المدينة الذي هام بأقواسها واستثمر إشكالها الهندسية ودوائرها وانحناءاتها ليخط مشهده المتفرد.
ولا يحتاج المرء إلى أن يكون ناقداً كي يدرك من نظرة بعيدة أن هذه اللوحة أو تلك لبلخوجة... فـ"مدينته" و إشكالها المتراكبة و تلويناتها المتقاطعة أفقيا وعمودياً باتت مشهورة، لا بل غدت مدرسة يحاكيها الرسامون الشباب.
يحذق حامل مفاتيح المدينة في لعبة التخلص من المشهد المباشر والمألوف ليهمس به على طريقة الشعر الذي كان يصفه الناقد محمد مندور بـ"الشعر المهموس".
وتعتمد لوحة بلخوجة على وحدة الرؤية وترابط العمارة انطلاقاً من تجذره في بيئته الثقافية التي اخذ منها بهاء الخط العربي وتعرجات العمارة الأندلسية  المغربية وألوان السجاد التونسي، لكنه ممتد أيضا في المدرسة التشكيلية التونسية، فهو سليل الأجيال التي تعلمت الرسم على التشكيليين الأوروبيين ثم ثارت عليهم وطلقت الرؤية العجائبية والمشهد الفولكلوري لتؤسس "مدرسة تونس" بأعلامها المعروفين أمثال عمار فرحات ويحيى التركي وعبد العزيز القرجي.
ينتمي بلخوجة إلى الجيل الذي أتى بعدهم، إلا انه اخذ منهم وصاغ منهجه الخاص الذي يركز على تجريد المشهد الواقعي من لزوم ما لا يلزم وتشذيب نتوءاته، "فبفعل هذه التقنية أو التعرية" - يقول بلخوجة "التي تؤدي إلى انتزاع الزوائد والمحافظة على الهيكل، تمكنت من إيجاد مقاطع حروف لا بل ومقاطع كلمات أيضا".
هكذا يعيد الرسام إلى العناصر لحمتها والى النسيج وحدته بعدما يفتت منظر الإشكال ويعاود تركيبه. انه مسار التقنية الشكلية الذي يدلف منه الرسام إلى كونية اللغة البصرية، فلوحة بلخوجة تعتمد على تحليل الشكل إلى مربعات ومستطيلات وأنصاف دوائر وزوايا، مع تقاطع العمودي والأفقي، فتتوحد خطوط المتاهة في شبكة اللوحة كما في الحل التشكيلي الذي أرساه الفن العربي الإسلامي، لكنه يتواصل جمالياً مع الفن المعاصر أيضا من خلال لمسته التجريدية.

مع ذلك لا يبدو بلخوجة سعيداً في ثوب الرسام التجريدي، المشذب للأشكال، المساير لعينه الهندسية، فهو يعتقد انه لو كتب لمساره أن يعود إلى البدء لكان نحاتاً "من دون شك". لكن بين الرسام الذي وضع قدماً ثابتة في الفن التشكيلي التونسي، ومشروع النحات الذي ما زال مؤجلاً يعتقد الناقد خليل قويعة أن فن بلخوجة أتى في ظل التحولات التي يشهدها الشكل الفني في أعماله، إحدى العلامات الذكية في مواجهة القراءات السطحية التي تعالج في أطرها إبداعات الرسام التونسي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.