أعلان الهيدر

الرئيسية الحـكام والظـاهرة الصـوفية في تونس ، من كتاب الحامة تاريخ و حضارة للأستاذ الهادي بن وناس زريبي

الحـكام والظـاهرة الصـوفية في تونس ، من كتاب الحامة تاريخ و حضارة للأستاذ الهادي بن وناس زريبي

الحـكام والظـاهرة الصـوفية  في تونس
من كتاب الحامة تاريخ و حضارة للأستاذ الهادي بن وناس زريبي

الظـاهرة الصـوفية  في تونس

        لقد شجّع الحكام والسلاطين هذه الظاهرة، وأقاموا علاقة طيبة مع أقطابها، وموّلوا أنشطتهم  وأغدقوا عليهم العطايا، وأوقفوا عليهم العقّارات والأراضي الشاسعة، حتى أصبح عملهم هذا مجالا للسخرية من قبل الفقهاء الذين لا يمكن لهم الإعتراض عليه .
ومن هذه النوادر التي بقيت متداولة بين الخاصة والعامة ما منحه الصادق الباي لسيدي مهذّب الذي طلب منه مساحة صغيرة بجهة الصخيرة ليرعى فيها حماره، فمنحه أرضا تقدر بعشرات إن لم نقل بمئات من الكيلومترات تحدّدها المقولة التالية التي بقيت موروثة إلى اليوم" من السمار للسّمارة، ومن الكوع للبوعي لدّوارة، إلى عمقين في البحر.
كذلك مكّن الباي عبد الله بن خود من أراضي شاسعة في القيروان والحامة بل سهل له امتلاكها.
كلّ ذلك من أجل إرضاء هؤلاء الصوفيين الذين كانت لهم سلطة روحية على عامة الناس، وبخاصة القبائل البدوية المتناحرة التي كثر شغبها وتعدّد تمرّدها على السلطة الحاكمة.
أما الأسباب التي ساعدت على إنتشار هذه الظاهرة في كامل البلاد التونسية ففي مقدمتها العناصر التالية
1-  الجهل الذي عّم البلاد.
2-  الظلم المتسلط على العباد الذين لم يجدوا ملجآ يحميهم منه عندما تحلّ بهم كارثة طبيعيةّ أو بشريّة سوى أضرحة  هؤلاء الأولياء، أومشايخ الطرق الصوفية الذين يرتاحون إليهم نفسانيا .
3-    حاجة بعض القبائل والأسر إلى ما يجمع بينهما ويقوّي وحدتها، ويرّسخ أقدامها في المواطن التي إستقّرت بها، بحيث أصبحت الزاوية أو الضريح مقراّ لإجتماعاتهم وجدّا يفاخرون به أمام القبائل الأخرى. كما أقام الصوفيون في البوادي زوايا لإستقطاب الأتباع ونشر طرقهم. ثم تطوّرت بعض الزوايا فأصبحت مدارس للعلم وكتاتيب لحفظ القرآن ، وملاجئ لسكنى الطلبة وإستراحات لعابري السبيل من الحجاج والتّجار ونحوهم. وكانت لهذه الزوايا مهابة وقداسة لا من العامة فقط وإنما حتى من السلط العليا أيضا. وبالتالي فهي تمنح أتباعها إحتراما و مهابة وتقديرا. وقد بالغ الحكّام المراديون والحسينيون ثمّ الفرنسيون في إحترام هذه الزوايا ومنحوا أحفاد هؤلاء إمتيازات خاصة فأعفوهم من الضرائب ومن التجنيد. فكان أبناء نصر الشايبي وعلي النهيدي مثلا معفون من الجندية ومن آداء بعض الضرائب.
لا ينجيك إلا الزّاوية أو الدبوس
        هذا مثل شعبي يتردّد في منطقة الجنوب الشرقي عامة، وبين بني يزيد خاصة مع إختلاف بسيط في الرّواية. وبالتحديد فالمثل يقول -بركة وإلا دبّوس- أي لا يحميك إلا الدّبوس أي القوّة، أو البركة أي الوليّ الصالح الذي تنتسب إليه. وهكذا إقتصرت عوامل النجاة في هاتين الوسيلتين بحيث لم يعد لسلطة الدولة أي تأثير لحفظ الأمن.
ربما قيل هذا المثل الشعبي في أواخر الدولة الحفصية لمّا ضعفت وتقلّصت سلطتها خاصة في المناطق النائية حيث تمتّعت نواح عديدة بشيء من الإستقلال، ولكنّه إستقلال رجع على الضعفاء وعلى أهل القرى والمدن بالوبال فتمرّدت القبائل القوية وأصبح إعتداءاتها على من حولها أمرا عاديا، إذ لا سلطة رادعة، ولا قانونا يحترم إلا قانون الغاب والقوّة والخوف من أولياء الله الصالحين الذين أصبح نفوذهم أقوى من نفوذ الدولة.
وهكذا يتبن لنا أنّ الأمثال الشعبية هي تعبير عن واقع، وتجسيد لحوادث لها أهميتها مرّ بها الشعب فلخّصها في مقولات مختصرة لها من البلاغة والإيحاء الشيء الكثير.   

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.