أعلان الهيدر

فراش العتمة

فراش العتمة

فراش العتمة
في طريقه إلى مركز البريد لا يدري كهل الستين كيف تسللت إلى ذاكرته حلقة الأطفال حول المؤدب في خلوة جامع القرية، مضى في طريقه فتسلّلت من وراء حجب السنين الغابرة حناجر الأطفال و جاءت لتقرع ذاكرته بترديدها لآيات القرآن الكريم في تداخل للأصوات و فوضى ملّة المؤدب للسور، في تلك اللحظة تخلى كهل الستين عن كهولته و ولج عالم الصّبا ببراءته.
و عبثه فتذكر رفاقه الأحياء منهم و الأموات كما تذكّر لهفة المؤدب وهو يلتقط كل خمسين دريهمات الأطفال فابتسم و تحسّر على زمن القناعة و الرّضا الذي ولى وفات و قال:
ـ كانت الحياة بسيطة و تكاليف العيش زهيدة عكس ما نعانيه اليوم من لهفة و إبحار في السّراب الخادع بحثا عن حياة كريمة ترفل في مباهج الرّفاهة و الثراء الباذخ...
لم ينه تداعياته حين ولج مركز البريد مقصده الأساسي، وقف أمام أحد الشبابيك و سحب مطبوعتين لحوالتين بريديتين، حبّر خانات الحوالة الأولى و خصّها بمبلغ قيمته مائة دينا ر وجهه لابنه الطالب بتونس العاصمة و منح الحوالة الثانية مبلغا مماثلا للأولى و وجهه لابنته الطالبة بمدينة سوسة،،، و لمّا خرج من مركز البريد اِتجه كهل الستين نحو السّوق بحثا عن صديق يقرضه مبلغا ماليّا لتدبير شؤونه في انتظار تخرج أحد أبنائه من الجامعة لتنهمر السيولة...!
و لمّا عاد إلى بيته بعد طواف يائس وجد كهل الستين الفريق التقني لشركة الكهرباء قد قطع التيّار عن المنزل نظرا لتراكم الفواتير المؤجلة فاِنهمرت الدّموع مدرارة من عينيه و عندما ولج إلى الدّاخل أسدل ستائر الأبواب و النـّوافذ وراء ه و تمدّد على فراش العتمة.

 مقال للكاتب رمضان لطيفي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.