أعلان الهيدر

الرئيسية مطماطه كما وصفها ليون برفنكيار في زيارتيه (1900-1908)

مطماطه كما وصفها ليون برفنكيار في زيارتيه (1900-1908)

مطماطه كما وصفها ليون برفنكيار في زيارتيه
مطماطه كما وصفها ليون برفنكيار في زيارتيه (1900-1908)
مازلت أذكر دائما تلك الأحاسيس التي شعرت بها و أنا أزور مطماطه لأوّل مرّة سنة 1900. فقد تناولت الطّعام في تمزرت تلك القرية المعلّقة بأعلى الجبل التي لا تختلف مساكنها المربّعة و واقعها عمّا رأيته بالسرج أو ببرقو. لقد أفادني مرافقي بعد أن تقدّمت بنا خيولنا في المسير بأنّنا قد وصلنا بعد إلى مطماطه، ولكنّني لم أكن أر غير ربى قطعتها عوامل التعرية في أرض حمراء ثمّ لاحت لي من بعيد بناية المسجد و مركز الشّؤون الأهلية. و تساءلت عن القرية، فقال لي دليلي "لقد وصلناها بعد" ثم أراني و قد حاد بحصانه قليلا عن الطّريق بئرا واسعة رأيت بأسفلها نساء و أطفالا يتحرّكون. وهناك المئات من هذه "الآبار": حفر وآكام على السّفح تخدعك لتتبيّن موقع عاصمة مطماطه أو هدّاج. يعيش السكّان في هذه الحفر لأنها أبرد صيفا و أدفأ شتاء.
في هذا الغرين الأحمر البليوسيني أو الرّباعي اللّيّن الذي يعطي الخصب حول كامل المجاري بجبال البلاد التّونسيّة و اللّيبيّة، يسهل الحفر وتستطيع جنباته أن تستقيم عموديّا، فيحفر فيه مطماطه بئرا مربّعة الشّكل تبلغ حوالي 10 امتار من العرض و بين 5 إلى 10 م عمقا. و يمثّل قعر البئر فناء المنزل (1) وهو أكثر ارتفاعا مما حوله من الهضبة التي حفر فيها المنزل و يخترق سفح هذه الهضبة نفق مقوّس في الغالب يسمح بالدّخول للفناء وهو في ذات الحين رواق المنزل و مربط الحيوان. و يغلق المدخل باب خشبيّ ذو قفل فريد من نوعه: فالمفتاح (الذي لا يقلّ طوله عن 40 أو 50صم) ليس غير قطعة خشبيّة ثبّتت عليها مسامير أو أوتاد يشكّل ترتيبها سرّ المفتاح الذي يقابله قفل خشبيّ وضع بحكمة بالغة.
و تفتح على الفناء غرف يختلف عددها و هيأتها بحسب وضع الأسرة وسعة حالها. و قد نحتت كلّ الغرف في طبقة الغرين في شكل قباب مقوّسة وهو ما يعطيها الصّلابة. و يرى من فوقها طابق من الغرف التي يمكن الوصول إليها عبر أحجار أو أوتاد دقّت في الغرين، وقليلا ما تكون المدارج محفورة. و تصلح غرف الطّابق العلويّ للخزن، كما يمكن أن تكون كذلك بعض الغرف السّفلى. كما تبقى بعض المحاصيل في الفناء حيث تُرى جرار كبيرة (خابية) للزّيت أو قفاف عظيمة (رونيّة) للحبوب. يجد النّاس مساكنهم مناسبة ورائقة ولكنّها من الجانب الأمنيّ دون ما هي عليه القصور. فأهل مطماطه مطمئنّون إلى مناعة جبالهم و حمايتها لهم…
…من المعروف أنّ تركيبة السكّان الأصليّين للبلاد التّونسيّة تتكوّن من البربر من نوع التّيبار(النوميديّين) و من نوع اللّوبيّين تضاف إليه بدرجات متفاوتة و بحسب المواقع عناصر من العرب. وقد انصهرت هذه القبائل انصهارا شبه كامل إلى درجة أنّ القليل منها فقط لا تحمل سماتها
و تنقسم قبائل الجنوب التّونسيّ حاليا إلى قسمين أساسيّين: قبيلة مطماطه وكنفدرالية ورغمّه. أمّا مطماطه فهم بربر خلّص تقريبا، و قد انقسموا بدورهم بعد هجرات متوالية و طويلة في شمال إفريقيا إلى قسمين: بقي أحدهما بالمغرب بينما استقرّ الثّاني على جبال تحمل اسم القبيله جنوبيّ قابس إلى ما بعد حدود توجان بقليل. ويبلغ عدد سكان مطماطه اليوم بين 9000 و10.000 نسمة وهم مستقرّون تقريبا، و قد نجحوا بفضل مثابرتهم و شدّة بأسهم في غراسة الزّياتين وفي زراعة الحبوب على مساحات من السّدود على مجاري الأودية و الشّعاب.
الضاوي موسى
****
(1) يوجد هذا النوع من السّكن في جبل غريان بليبيا.

المصدر: الجنوب التونسي لليون برفنكيار . ترجمة ( مخطوط) الضاوي موسى
مطماطه كما وصفها ليون برفنكيار في زيارتيه

مطماطه كما وصفها ليون برفنكيار في زيارتيه

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.