أعلان الهيدر

الرئيسية هذا الفصل القصير من رواية "اعتقال الأزرق "1991 رواية غُبنت لعدة أسباب...

هذا الفصل القصير من رواية "اعتقال الأزرق "1991 رواية غُبنت لعدة أسباب...

هذا الفصل القصير من رواية "اعتقال الأزرق "1991 رواية غُبنت لعدة أسباب...
كانت مداولات المجلس التأسيسي تتسرّب لعامة الناس وكان المناضلون والمقاومون يتابعون ما يحدث داخل المجلس عبر الإذاعة الوطنية والصّحف اليومية وكان ابتهاجهم كبيرا عندما تم اقتراح أن تونس دولة عربية دينها الإسلام ولغتها العربية في مسودة الدستور... ولمّا طرح المجلس على جدول أعماله مسألة الأحوال الشخصية تسرّب الخبر حول إمكانية منع تعدد الزوجات أحدث هذا التسريب بلبلة لدى الرّجال وابتهاج لدى النساء الواعيات كان وراء هذه البلبلة أئمة وشيوخ معمّمين فتحركت الزيجات بسرعة غريبة في كامل تراب الجمهورية الفتيّة
اجتمع رفاق السّلاح بالأمس للنقاش حول هذا التسريب مع مجموعة من المناضلين في نادي الشعبة وبعد النقاش فيهم من كذب الخبر قائلا: لا يمكن أن يصدر قانون يمنع تعدّد الزوجات في بلد إسلامي... وفيهم من بارك هذه الخطوة الجريئة قائلا: لا يصدر مثل هذا المقترح إلا من المجاهد الأكبر" أما منصور الفلاق كان قلقا أثناء النقاش مشتت الأفكار ولمّا خرج من النادي بدأ في صراع داخلي:
ـ أمامي أشهر معدودة ويصدر القانون الجديد يمنع التعدد. مادام الخبر قد تسرّب بقوة من أعضاء المجلس سيتحوّل هذا التسريب إلى قانون وعندها تسقط كل الأحلام والرّغبات في الماء...لن تمر فرصة الأشهر المتبقية دون الظفر بالزوجة الثانية...والدي كان متزوجا من
ثلاثة وقبله جدي تزوج امرأتين... ما معني أنا أبقى مرتبطا بأم الأولاد فقط ! مازلتُ في ريعان الشباب... خمسة وأربعون سنة... النبوة اختارها الله لرسولنا محمد وسنّه في الأربعين ،والقرآن الكريم لم يحرّم تعد الزوجات...باستطاعتي الإنفاق على ثلاث زوجات، المال موجود والأملاك على بساطتها كافية لإعالة الأطفال القادمون..." مهرية" بنت الكيال مُهرة جامحة شابة في عنفوانها ركوبها يجدد الشباب وتعوّضني حرمان سنوات الجبل.. مهرية.أول من وقع عليه نظري عندما رجعتُ من الجبل، كنت أمشي في الشارع في طريقي لتسليم السّلاح بادرتني بالتحية والابتسامة من لحضتها سكنت قلبي وبقيتُ أأجّل طلب يدها من والدها ، رُب ضارة نافعة هذا التسريب القادم لقريتنا من باردو يُحتـّم علي الإسراع في طلب يدها من والدها... عندما سألت عنها قيل لي مهرية نسّاجة ماهرة وابنة فلاح صغير متعوّدة على" الدّبكْ" والتعب غدا سأتقدّم للكيال لخطبتها ...لا أعتقد أن الكيّال يرفض مجاهدا عائدا من الجبل قدّم روحه من أجل أن ينعم الشّعب بالحرّية، البلاد لنا نحن الدساترة...لكن الحريّة تصبح مشكوكا في أمرها عندما يصدر قرار منع تعد الزوجات...
استحم منصور الفلاق صباحا وارتدى أفخر ملابسه ثم قصد مقهى التحرير أين دلوه على مكان الشاذلي الكيال...جلس ينتظر قدومه ولمّا حل الشاذلي بالمقهى وقبل أن يلتحق بكرسيّه المعتاد وطاولته وقف منصور الفلاق مصافحا الرّجل ثم طلب من نادل المقهى قهوتين ،جلسا وجها لوجه...وهو يعدّل مكان كرسيه سأل الشاذلي الكيال منصور:
ـ كيف حلك يا منصور لم أعد أراك في المقهى أو السّوق كما كنت قبل اندلاع الثورة، أصبحت مشغولا أنت وصالح الأحمر والطاهر بوطبة كل الوقت ،ترابطون في دار الخلافة أو في نادي الشعبة لفض مشاكل أهل القرية...
فقال منصور الفلاق :
نحن في خدمة أبناء الوطن ، قريتنا في حاجة لرجال..."البلاد ما يخدمُوها كان أولادها"
مرت لحظات صمت بين الرّجلين ثم تكلم منصور:
ـ يا سي الشاذلي أملاكي كثيرة وأرزاقي مُهملة والزّوجة كبرت لم تعد تقوم بواجباتها نحوي ونحو أملاكي...فأنا في حاجة لامرأة تحفظ هذه الأملاك وتعيش معي مرفّهة...قيل لي أن من بين أبنائك شابة تدعى مهرية في عمر الزواج جئتك اليوم خاطبا راغبا في الاقتران بها...
تدفقت في مخيلة الشاذلي الكيال صورَ ابنته مقارنا عمرها بعمر منصور الفلاق...ثم قال في خاطره:" مهرية بلغت ثلاثين سنة وخطابها كـُثر إلا أن أمها ترفض في كل مرة من يتقدم لخطبتها وكان عائق الفقر هو سبب الرّفض...ثم تذكر تسريبات مداولات المجلس التأسيسي حول إمكانية إصدار قانون لمنع تعدد الزوجات وتصوّر أن القانون عند صدوره سيحدث أزمة في تزويج البنات وتدخل ابنته مرحلة العنوسة ثم اليأس إلى جانب الفقر المنتشر في القرية...
تكلم منصور:
ـ هل سمعتني يا سي الشاذلي واستوعبت طلبي؟
أومأ برأسه ثم تكلم: "ـ سمعتك يا منصور ...ولا أهرب من طلبك إلا أن إمكانياتي لا تسمح الآن، فظروفي المادية قاهرة وتزويج البنت أصبح مكلفا يتطلب تحضيرات عديدة...
قاطعه منصور: "ـ إذا حصلتْ الموافقة المَهرُ ستكون قيمته مرتفعة وتكاليف تجهيز العروس سأتكفل به من ألفه إلى يائه، أنت لن تدفع شيئا من جيبك...المهم الموافقة...
عاد الكيال لصمته مقارنا ظروفه المادية بما يتمتع به منصور من جاه ووقار ثم قال:
ـ أنا موافق من حيث المبدأ لكني سأحاول إقناع أمها لأنها امرأة عنيدة رفضت في السّابق كل من تقدم لخطبة مهرية...
سحب منصور الفلاق ورقة نقدية من صنف خمسة آلاف فرنك وسلمها إلى الشاذلي قائلا:
ـ هذه خارج الحساب ،سترى يا كيال عندما تصبح صهرا لمنصور الفلاق ستخرج من دائرة الفقر، الأيام بيننا...
مسك الشاذلي الكيال الورقة المالية وودّع منصور قاصدا بيته لطرح مشروع المصاهرة على عائلته.
عاد منصور الفلاق من المقهى متفائلا وقد تحصل على موافقة مبدئية من الشاذلي الكيال لمصاهرته،اشترى الخضر والغلال وفخذ خروف دفعة واحدة ، دخل فوجد زوجته في طرف المنزل الشاسع تعد " المردومة " لصباغة شعرها فأمرها أن تتخلى عن إعداد " المردومة " وتأجيل إعدادها لفترة أخرى قائلا :
ـ أنا راض بك من غير أن تتزيني ،شعرك الذي غزاه الشيب أمر عادي لامرأة أنجبت لي ثلاثة من خيرة الشبان ،أتركي سواد المردومة، أمامك لحم الخروف والخضر أعدي لنا أكلة لذيذة إني رائق ونشوان هذا اليوم...لقد أتعبتك شؤون المنزل وأتعبك اصطحابي إلى البادية أثناء الحرث والحصاد ،آن الأوان كي ترتاحي...
فقالت ومن يقوم بذلك هل اترك رزقنا مهملا يضيع بين يدي ثم باشرت الزّوجة بعد غسل يديها تقشير حبات البطاطا وتقطيع الجزر واللفت جالسة حذو زوجها ثم سألها عن الأولاد فأفادته أنهم ذهبوا للغابة لجلب العلف للدواب...
كان منصور يُمهّد لإعلامها بخبر إقدامه على الاقتران بمهرية بنت الشاذلي الكيال لكنّ العبارات ظلت عاجزة عن الخروج من الحلق وبعد لحظة صمت قال :
ـ هل تعلمين أن الزعيم يريد إصدار قانون يمنع تعدّد الزوجات وهذا خطأ من الزّعيم لا أدري من الذي أشار عليه من المستشارين...وقبل صدور هذا القانون أردت أن أخفف عنك أتعاب شؤون هذا البيت الشاسع الواسع الذي يبدو للغريب كأنه ثكنة عسكرية ، حتى كنسه يجلب لك التعب فما بالك بشؤونه... رأفة بك عشيرة عمري أردتُ أن أتزوج امرأة أخرى تريحك من أتعاب...
بهتت المرأة وبقيت فاغرة الفم تسمع لمنصور غير مُصدّقة ما يقول وأضاف :
لقد اتفقتُ مع الشاذلي الكيال أن يكون عقد القران والعرس بابنته مهرية في ظرف أسبوع قبل أن يباغتنا القانون الجديد...
ألقت الزّوجة السّكين وتركت اللحم عاريا ينهشه الذباب والخضر مبعثرة ...وضعت رداءها على ذراعها وقصدت السقيفة في انفعال شديد "ـ جايبلي ضرة يا منصور يا غدار" لو كانت لديك ذرة من الرّجولة لما سلمت سعيد المظلوم أنت وجماعتك للبهذلة والحبس... هذه خاتمة العشرة !
ـ تعلي يا أمرآة...تعالي...
لكن الزوجة أصرّت على الخروج قاصدة بيت أهلها صفقت الباب وراءها بقوة وانصرفت
وقف منصور الفلاق وسط المنزل وحيدا وبدأ يتحرّك ذهابا وإيابا يفكر في حل للمأزق الذي وضع فيه:

للكاتب رمضان لطيفي   

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.