هل مرّت بعض القبائل العربيّة بالسّودان قبل وصولها إلى تونس ؟ و هل من
صلة بين سكّان دار الريح أو كردفان وقبائلنا العربيّة بالجنوب التّونسيّ ؟
يطلق مسمى دار الريح على المنطقة التي تقع في الجزء الشمالي من ولاية
شمال كردفان الآن؛ و هي تشمل محافظتي بارا و سودري و يسكنها خليط من القبائل العربية
مع وجود بعض العناصر الأخرى في القطاع الجبلي الذي يفصل بين منطقتي دار حامد و الكبابيش.
و منذ وقت مبكر في القرن الرابع عشر الميلادي بدأت القبائل العربية البدوية
تنتشر من مصر و شمال أفريقيا عبر صحراء بيوضة و الصحراء الكبرى و دار فور إلى كردفان
و صاحب ذلك اختلاط كبير مع السكان الأصليين و مع بعض العناصر البربرية التي قدمت من
شمال أفريقيا و قد أدت الهجرة العربية في بعض الحالات إلى تحرك سكان المنطقة جنوبا
نحو الجبال و المنطق الداخلية الأخرى.و بمرور الزمن تحول الجزء الشمالي من كردفان إلى
منطقة عربية بالكامل و ذلك لأن طبيعة المنطقة توائم سكنى الإنسان العربي لكونها منطقة
صحراوية أو شبه صحراوية و استطاع العرب تربية أعداد كبيرة من الإبل و الأغنام مما ساعدهم
على بسط سيطرتهم إما بالتفوق الاقتصادي إن صح التعبير أو تميزهم الثقافي إذ كانوا قوما
أهل حضارة و دين. و من الأشياء التي أدت إلى انتشار العرب تقبل كثير من السكان الأصليين
للدين الإسلامي و بالتالي اللغة العربية و لذلك لم يعد العربي يشعر بأنه غريب في تلك
الديار. و معظم القبائل العربية في شمال كردفان و وسطها تدعي النسب إلى شخص يسمى عبد
الله الجهني و لكن لا أحد يعلم بالتحديد متى عاش هذا الرجل و ربما تكون قبيلة جهينة
العربية أو على الأقل فرع منها قد هاجر إلى المنطقة و أستقر فيها ضمن هجرات الهلاليين
أو في هجرة مستقلة. و عموما نستطيع القول إن مجموعات من العرب توطنت في دار الريح بشمال
كردفان و صارت لها ديار هناك دون أن يقوم لها كيان سياسي أو سلطان يوحدها و لذلك ظلت
ترتبط رباطا وثيقا بدارفور و من بعدها سنار. و قد وصل العرب إلى دار الريح من عدة منافذ
و طرق أهمها و أولها هو الطريق الشمالي من مصر عبر دنقلا و صحراء بيوضة بمحاذاة النيل
من الضفة الغربية، و الطريق الثاني هو المنفذ الغربي عبر شمال أفريقيا و خاصة تونس
و منها إلى الصحراء الكبرى و شمال دار فور وصولا إلى دار الريح. و بالتأكيد جاءت بعض
الهجرات عن الطريق الشرق من جنوب الجزيرة العربية و واصلت سيرها حتى عبرت النيل الأبيض
و من ثم انتشرت في كردفان و منها دار الريح. و نظرا لتشابه المناخ في هذه المنطقة مع
شبه جزيرة العرب و موائمته لحياة الإنسان العربي التي جبل عليها من حب الترحال و التنقل
فقد كان لذلك التشابه في دفع العرب نحو هذه المنطقة و استقرارهم بها و لذلك ظلت القبائل
في دار الريح إما بدوية أو شبه بدوية؛ و بعد اختلاطهم بالسكان الأصليين و البربر من
شمال إفريقيا أضطر بعض منهم للتخلي عن رعي الإبل و لجأوا لعمل بالزراعة و أحيانا رعي
الأبقار في جنوبي هذه المنطقة. و مع هذا كله تظل القبيلة هي الوحدة الاجتماعية الأولى
في بادية شمال كردفان نظرا لأن طبيعة المنطقة أغرت كثيرا من السكان و ألزمتهم البقاء
في أماكنهم التاريخية و لذلك ظل الكثيرون من أبناء القبائل يمارسون نفس الحرف التي
كان يقوم بها أجدادهم مثل الرعي و الزراعة المطرية المتنقلة. وقد أحدث الوجود العربي
_إن صح التعبير_ تحولا كبيرا في المنطقة من حيث التركيبة السكانية و سبل كسب العيش
و الآداب و الفنون . فقد أصبحت العربية لغة التخاطب بين كل المجموعات و نتج عن ذلك
أدب و فن مفرداته و أوزانه و مواضيعه عربية و إيقاعاته أفريقية أو قل سودانية مثل الجراري
و الدوبيت و الهسيس و التوية و الدهلي و الجالسة و غيرها من أشكال التراث. و أصبحت
كل القيم الاجتماعية عربية إسلامية و تركت بعض القبائل الناطقة بغير العربية لهجاتها
المحلية و صارت تتحدث باللسان العربي و مثال على ذلك زغاوة كجمر و النوبة في أبو حديد
و أم درق و كاجا و كتول و غيرها. و يجمع بين كل هذه المجموعات هو وحدة اللهجة العربية
و تشابه أنماط التراث بدرجة كبيرة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire