أعلان الهيدر

الرئيسية في الحديث عن مأزق التحديث،

في الحديث عن مأزق التحديث،

في الحديث عن مأزق التحديث
الأستاذ :عمار العربي الزّمزمي
هذا النص قدم به الأستاذ : رواتي انتبه أشغال التي صدرت منذ سنوات

في الحديث عن مأزق التحديث


هذا هو النص السّردي الثالث الذي يرى النّور من نصوص رمضان لطيفي بعد روايتيه "بحر شط الجريد" و"خرج النصراني".لقد قضى عشرين عاما في درج صاحبه ونشره بعد مرور كل هذا الوقت على كتابته، قد يبعث على الاعتقاد بأنه فقد راهنيته خصوصا إذا أخذنا بالنظرة التبسيطية التي تعتبر الأدب تصويرا صادقا للواقع وانعكاسا له.لكن رواية انتبه أشغال.. ! من النصوص التي لا يؤثر التأخر في نشرها على كيفية تفاعل المتلقي معها. فهي لا تسرد وقائع وأحداثا تتنزّل في زمن كتابتها سنة 1993 وإنما تسرد حكاية تدور وقائعها بين أواسط الخمسينات ـ زمن خروج الاستعمار الفرنسي ـ وأواخر الستينات تاريخ التّخلي عن تجربة التعاضد. لا تنتظر أيها القارئ أن تجد في هذه الرّواية حكاية ذات بنية كلاسيكية قائمة على الخطية الزمنية والتحولات المثيرة. إنها عبارة عن فصول ستة في شكل لوحات أو مشاهد جزئية تتقاطع وتتكامل لترسم مشهدا عاما للحامة، ولئن خرج الكاتب عن منطق الرواية الكلاسيكية فإنه لم يغرق في متاهات " التجديد التي قد تتحوّل إلى ضرب من التجريب المجاني المقصود لذاته. يدعونا الكاتب إلى أن نلج معه " هذا العالم العفوي" وما ذاك إلا مراوغة فنية لأن العفوية المُعلنة تخفي بنية سردية صارمة، فالسارد الذي يتلبس بشخص الكاتب في البداية ليعلن عن حضوره المباشر في عالم النص سرعان ما يفسح المجال أمام" الشارد" ليتداول معه على السرد،اسم على مسمى إذ كانت مسيرته كشخصية روائية وكسارد شُرودا متواصلا. يتولى السّارد الأول سرد وقائع حكاية من أبطالها الشارد وحسن الأعمش والحبيب المصدي وزنينة الكرارطي ومنصور ولد أم الشر ومصطفى كاتورز وغيرهم.وكلهم لافتون للانتباه حتى بأسمائهم التي تعلقت بها كنيات مثلما جرت العادة بذلك في الأوساط الشعبية وخصوصا في القرى والأرياف، ويتجه خط الأحداث من أوساط الستينات وصولا إلى أواخرها، ويتحوّل الشارد إلى بطل يحكي حكايته بل يتعرّى أمام القارئ حسا ومعنى (عاريا يقف الشارد وسط العين) ويعود بنا إلى ماض أسبق هو أواسط الخمسينات ليصل في النهاية إلى نفس النقطة الزّمنية التي انتهى إليها السّارد الأول...ويدخل على الخط بطل آخر هو حسن الأعمش الذي له أيضا حكايته، ومثلما تتقاطع حكاية الشارد مع ما يحكيه السّارد الأول تتقاطع أيضا مع حكاية حسن الأعمش،فهما يتكاملان وان اختلفا( أنهى الشارد كلامه وقفز في الماء ثم غطس بكامله وبعد لحظات خرج وانحاز إلى اليسار...سبح حسن في اتجاه معاكس وانحاز إلى اليمين...) ويصحّح أحدهما أقوال الآخر أو يستعين به في تذكر ما نُسي من أحداث فنُطل من زوايا مختلفة وبأصوات متعددة على حكايات هي في النهاية حكاية واحدة،إنها حكاية الشباب الباحث عن هوية وأفق بعد خروج الاستعمار، شباب الجهات الداخلية المُهمّشة الذي يدفعه الشعور بالغبن إلى النزوح عن مناطقه بحثا عن الشغل والحياة الكريمة( هذه القرية قدمت خيرة شبابها للمساهمة في مقاومة المستعمر وبعد حصول البلاد على الاستقلال لم تحظ بالرعاية مثل بقية الجهات) فالشارد الذي انقطع عن الدراسة مبكرا يفرّ من المحيط الأسري بعد أن عنّفه والده عقابا له على سرقة كيس من التمر باعه" بأبخس الأثمان لباعة الفول المتجولين عبر مسالك الواحة في الخريف) وقد صمّم على أن لا يعود إلى الغابة التي أهين فيها إلا وقد أصبح رجلا، اختبأ داخل شاحنة لا يعرف وجهتها وعند توقفها في أول محطة نزل فوجد نسه في مدينة المحرس حيث انظم إلى العمّال الموسميين الذين أتوا مع أسرهم من المناطق الداخلية لجني الزيتون "بخيامهم وكلابهم ودجاجهم وحميرهم" وهناك تفتّح قلب الشارد لحب فتاة تحمل اسما قريبا من اسمه،إنها شرّادة التي قرّب بينه وبينها العمل على "صرافة" واحدة، لكنه شرد عندما تفطنت أمها إلى إمكانية هروبهما معا وهدّدته فركب القطار إلى تونس العاصمة ورتّب السّارد صدفة لقائه بنازح آخر هو خليفة شكارة المناضل الوطني القديم الذي عرف السّجن والنقابي الذي يعمل بميناء حلق الوادي على عادة الحوامية وقد احتضنه فترة قبل أن ينصحه بالعودة إلى مسقط رأسه("هذه المدينة مغرية كامرأة لعوب إذا كُنتَ تملك مالا وفيرا زحفت على ركبتيها لتقبل حذاءك وإذا كنت فقيرا معدما أشهرت في وجهك نعلها وأطردتك") عاد الشارد في الحافلة بصفة تلقائية وقدّم تصريحا بالولادة يوم 15 أكتوبر الموافق لعيد الجلاء واللقاء بين بورقيبة وعبد الناصر إنها ولادته الجدية وإعلان هويته كقروي صدمه النزوح إلى العاصمة ورضيَ بوضعه في منطقته الأصلية. أما حسن الأعمش فقرّر النزوح إلى العاصمة"طواعية" تاركا الحامة التي يقول عنها (مللتُ التسكع في طرقاتها وحمّاماتها) اختبأ على سطح حافلة بين حقائب اليهود العائدين من زيارة"المعرابي" الذي اعتادوا زيارته كل سنة هؤلاء اليهود الذين يُشعرون أمثاله بوجود حياة مختلفة عن حياتهم، كانت وجهته تحديدا الملاسين الحي القصديري الذي يؤوي النازحين، نزل عند عمّته التي أضعفت لديها ظروف العيش الصعبة الروابط العائلية فلم تحتمله أكثر من شهر( أنا أم لعشرة أطفال...ودخل زوجي لا يفي بحاجياتنا وأنت لا تلزمني في بيتي،اِبحث عن عمل لتعيل نفسك") وجد نفسه مشرّدا يواجه الجوع والبرد والعراء( أكلتُ من المزابل ومن بقيا الخضر نمتُ تحت قناطر الطرقات") أوقفَ في حملة مداهمة للنازحين وتم ترحيله لأنه لا يحمل هوية محدّدة فكانت رحلة العودة القسريّة في سيارة أمن. عرفتْ إذن مغامرة الشارد وحسن الأعمش نفس المآل وان اختلفت التفاصيل فقبلا بالأمر الواقع وانتهيا عاملين في التعاضدية الفلاحية بأجر زهيد بعد وصول التعاضد إلى الجنوب متأخرا نسبيا(أصبحت ملكا للتعاضدية !!! )لكن سرعان ما وقع حل التعاضدية رغم أجرها الزّهيد وكنتُ أطمئن النفس بتحسين الأجور عندما تدخل التعاضدية مرحلة الضمان الاجتماعي الذي وُعدنا بالانخراط فيه في الموسم القادم لكن الآن كل شيء تبخر وذهب مع الرياح) ومثلما أفلح الكاتب في توظيف الزمان عبر تقنية التقاطع وتداعي الخواطر أفلح في استغلال المكان حيث جعل أحداث الحكاية التي يرويها السارد الأول تدور في مكان واحد وهو الحمامات التي لا نبرحها إلا إلى أماكن مجاورة كبطحاء السوق ولا يعود هذا الاختيار إلى المكانة المركزية التي كان يحتلها الحمام ـ كمؤسسة اجتماعية في حياة أهل الحامة فحسب وإنما يعود أيضا إلى مقتضيات الإبداع الفني.ولئن اتسم المكان بالمحدودية فإنه ليس في الواقع كذلك ، فهو ليس مكانا مغلقا وإنما هو فضاء مفتوح يقع في العراء إذ هو عيون وسواقٍ جارية لا تحدّها أسوار ولا تحجبها سقوف ثم هو مكان منفتح على العالم الخارجي فإليه يأتي المستحمون من مناطق مختلفة من البلاد وإليه يأتي السياح الأجانب الذين هم صورة مصغرة للعالم وقريبا منه ساحة عُرض بها شريط "صلاح الدين الأيوبي" ليوسف شاهين فنجد أنفسنا إزاء قضية فلسطين والخلاف بين بورقيبة وعبد الناصر،فتغدو الحامة البلدة المُهمشة لا مكانا مغلقا على ذاته وإنما فضاء مفتوحا على العالم الخارجي بمستوياته الوطنية والقومية والعالمية،وثمة انسجام بين طبيعة الأمكنة وسير الأحداث.فمثلما ينساب ماء العيون الجاري ينساب السّرد ويتدفق ومثلما يقع الانتقال من حمّام إلى آخر تتقاطع الأحداث ويتم التداول على سردها،ومثلما يتعرى الشارد وسائر الشخوص ماديا يتعرون معنويا فيتخذ السّرد على ألسنتهم طابع البوح والاعترافات فيتحدثون بصراحة مذهلة في وسط محافظ فهذا حسن الأعمش يعترف بأن" المروكي" حاول الاعتداء عليه جنسيا...وهذا الشارد يتحدث عن اكتشافه في العاصمة"للمرأة عارية...تعرض جسدها للعموم في نهج ضيق موبوء" وهذا منصور ولد أم الشر يحمل في جيبه كتاب الإيضاح في علم النكاح تأليف الشيخ النفزاوي ويحتفظ بين صفحاته بصور نساء عاريات مقطوعة من مجلات أجنبية ويجاهر بذلك. غير أن هؤلاء الشبان الذين يشربون اللاقمي فيسكرون وربما يتقيؤون من فرط السكر ليسوا شياطين ولا ملائكة فهم شبان مُهمشون مكبوتون حظهم من التعليم يسيرا إذ غادروا الكتاب والمدرسة مبكرا،وهم يبحثون عن الضحكة وترضيهم متع الحياة البسيطة العابرة ويستجيبون للتنويم المغنطيسي إذ قبلوا الخضوع لإرادة المنوم المغنطيسي قومار الذي اشتهر بتونس في الستينات.ولئن انقطعوا مبكرا عن الدراسة وحصل خلط في أذهان بعضهم بين الزعماء النقابيين ورجال السياسة أو اعتبروا الطب العام أكثر إلماما من طب الاختصاص فإنهم يفهمون اللغة العربية الفصحى طالما لم تحتو على مفاهيم غامضة مثل الكبت الجنسي والعاطفي ويهتمون بالشأن العام ويتابعون السينما والسياسة علاوة على أخبار كرة القدم ونجومها مثل نور الدين ديوة والملاكمة وأبطالها مثل الصادق عمران والأهم من هذا أنهم يُقبلون على العمل مهما كان بسيطا كلما توفرت الفرصة ويتحرك فيهم الوازع الأخلاقي والتقيد بقيم الجماعة كلما دعت الظروف لذلك،ألم يهرع الشارد وحسن الأعمش والحبيب المصدي وغيرهم لنجدة النساء اللاتي انهار عليهن جدار الحمام مُلجمين غرائزهم المتيقظة؟(شاهد حسن امرأة وقد خرجت لتوها من الماء عارية فأغمض عينيه للحظات ثم تحسّس برجله قطعة قماش فأخذها ولف بها جسم المرأة العاري وقادها بعيدا عن مجرى الماء وكومة الحجارة) وظلوا رغم كل شيء يحبون بلدتهم(أحب هذه القرية وأتغزل بمفاتنها ولكنها من حين لآخر تصفعني وتُحيلني إلى الهامش) فكأنما ماء الحمّام الجاري لا يشفي الأمراض ويطهّر الأجساد فقط وإنما يُطهّر أيضا الأرواح من نوازع الشر ويُعيد إليها صفاءها الأول. وبالتوازي مع مسيرة الشخصيات يرسم الكاتب مسيرة البلدة، فقد تزامن تركيز التعاضدية التجارية مع ما أعتبر أشغال تهذيب الحامة وترميم حماماتها وتعصيرها،فتكدست مواد البناء وحضرت الآلات العصرية ( فوجئ الجميع بوجود جرّافات تمسح الطرقات وتقتلع الأشجار والعمال يُرصّفون الحجارة...مجموعة أخرى من العمال تقتلع النخيل المنتشر في فوضى على ضفاف الساقية) وجاء على لسان المهندس الذي يُعد أحد رموز الحداثة والمعاصرة" الحكومة تريد تعصير الحمامات التي بدأت جدرانها تتداعى للانهيار والقضاء على المظاهر المزرية التي لا تليق بقرية مناضلة" ومثلما فشل التحديث في المجال الاقتصادي والاجتماعي بالتخلي عن تجربة التعاضد سيفشل في المجال المعماري 'الحضاري باختيار نموذج تدميري، تطالعنا علامة انتبه أشغال... ! التي هي عنوان أحد فصول الرواية والرواية بأكملها والدعوة للانتباه غير موجهة ع إلى المارة العاديين لتفادي الأشغال أو لعدم تعطيلها وإنما هي صرخة يطلقها الكاتب في اتجاه العقلاء الذين يرفضون أن يمحو ماض تاريخي وتطمس معالم أثرية هي ارث ثقافي يصنع الخصوصية باسم حداثة مبتورة مشوّهة.انه رفض تحويل الحامة كجزء من بلاد بأكملها إلى مكان بلا ملامح ولا ذاكرة.فالصورة المرسومة للأشغال تبدو قاتمة منفرة.(جرار رمادي يجر صهريجا يرش بواسطته الحصى بالإسفلت القطراني اللون فيفرز رائحة كريهة تزكم الأنوف) وأول ما أزالته الجرافة كان نخلة فارعة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء وهي صورة لأصالة الجهة وخصوصياتها ورمز بارز من رموز الحياة فيها. وبالتوازي مع هذا الشكل المُدمر من أشكال التحديث والتعصير يطالعنا شكل آخر يتمثل في تعويض اللباس التقليدي بلباس عصري مصنوع من أكياس الدقيق الأمريكية التي لم يُفلح الجفال الذي غسلت به في محو ما كتب عليها(" هدية من الشعب الأمريكي،ليس للبيع أو المبادلة")وتنغلق الرواية على مشهد الاستحمام في عين الشفاء أي عين سيدي عبد القادر الأجواء فيها مختلفة عما ألفناه في الحمامات الأخرى،فهذه العين مغطاة والدخول إليها يتطلب دفع معلوم التذكرة(فقد أنهى التعصير مجانية دامت قرونا') والأطفال المشاكسون مصدر الابتسام والذين مثلوا جمهور المستمعين لحكايات الشارد وحسن الأعمش مُغيّبون( حسب اليافطة المعلقة في المدخل " ممنوع استعمال الصابون ودخول الأطفال) وقد حضر مستحمون من آفاق مختلفة "كسيح مصاب بالبرد كان عاملا بالمناجم عجز الأطباء عن مداواته فجاء يطلب الشفاء في الحمام ورجل أعرج وكثير من المعوقين والمصابين بالأمراض الجلدية جاؤوا يتطهرون بالماء ويطلبون الشفاء للخروج من الإعاقات المزمنة التي حفرتها الأيام على أجسامهم ) مشهد قد يوحي بالقتامة وانسداد الأفق لكن السارد يضفي عليه نبرة تفاؤلية من خلال تأكيده على أن" العين كفيلة وجديرة بشفائهم لأن كل الملل التي وطئت أرض تونس استعملت العين وتطهرت بمائها" وذكـّر السارد بكل الأقوام التي مرت من هنا عبر التاريخ وسجّل المؤرخون والرّحالة مرورهم،وهذه من المرات القليلة التي علق فيها السارد تعليقا مباشرا.فقد نأى في الغالب عن التعبير المباشر وأوكل ذلك إلى الشخصيات نفسها.والنص لا يخلو من إشارات خفية وتلميحات جاءت في أسلوب ساخر كالحديث عن فقدان قوارير الجفال من المجمعات التجارية نتيجة استعمال هذه المادة في تنظيف أكياس الدقيق الأمريكية التي تحولت إلى ملابس وتشبيه رخامة الحمام الملساء برخامة الحجر الأساس للنزل السياحي الذي تبخر( بعد التخلي عن تجربة التعاضد) وتحول تلك الرخامة إلى شاهد لقبر.وقد ترد بعض تعليقات الشخصيات صريحة.فقد نقد حسن الأعمش التصفيق لتركيز التعاضد...واليوم نفس الأشخاص يصفقون لفشل تجربة التعاضد") وعلق شاب على اقتياد مقدم شريط الناصر صلاح الدين إلى مركز الشرطة متهما باليوسفية والانتماء إلى تنظيم سري يعمل في العاصمة ويدعو للاشتراكية والوحدة العربية...
وقد حضرت قضية فلسطين بكثافة من خلال الحديث عن عرض شريط يوسف شاهين كما تم التعرض إلى الأنشطة المشبوهة التي تقوم بها المجموعات الصهيونية داخل يهود تونس بمناسبة زيارتهم للمعرابي واستمعنا إلى بوادر وعي من خلال وجود تلميذ يعرف ما لا يعرفه الآخرون (أعضاء الكوميتة يجمعون التبرعات بسخاء"للكدس" أتعرفون ما معنى كلمة كوميتة؟أتعرفون ما معنى كلمة كدس؟...إذن المقصود من كلمة" الكدس" هو بيت المقدس...اليهود يجمعون المال من جميع أنحاء العالم لتدعيم دولتهم التي قامت منذ سنوات على رقاب العرب !!!")
لقد بات اليوم معروفا أن قيمة النص الأدبي بما في ذلك الرّوايةـ لا تتحدّد بمدى قدرة كاتبه على الالتصاق بالواقع لأنه ليس من شأن الكاتب الروائي أن يكون مؤرخا أو عالم اجتماع ومع ذلك قد تكون للأثر الأدبي ـ وخصوصا الروايةـ قيمة وثائقية على نحو ما. وهذا ما ينطبق على رواية" انتبه أشغال... !فهي ذاكرة جماعية إذ جعل رمضان لطيفي الإطار المكاني لحكايته معالم اندثرت اليوم وخاصة الحمامات التي كم نحن بحاجة إلى النبش في الذاكرة لاستعادة صورتها كما سجّل عادات وتقاليد اندثرت أو كادت تندثر مثل ما يحصل في حفلات الزواج والمآتم ويوم عاشوراء ودوّن أغاني كان يردّدها الصغار والكبار...واللافت للانتباه أن رمضان لطيفي تحدث بحميمية كبيرة عن الأشخاص والأماكن والأشياء ولعل ذلك يعود إلى أمرين الأول حنينه الجارف إلى عالم ولىّ في الواقع كله مازال قائما في وجدانه عالم قضى فيه طفولته وشبابه الباكر والثاني كتابته للنص وهو بعيد عن الحامة ومن شأن البعد أن يذكي الشعور بالفقد ويُجمّل صور من نفارق.

إن رواية رمضان لطيفي وثيقة نادرة على تاريخ الحامة الاجتماعي والثقافي وان كانت قيمتها الأكبر في ما انطوت عليه من إبداع فني.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.