أعلان الهيدر

الرئيسية رحبة النّعمة في الحامة

رحبة النّعمة في الحامة

رحبة النّعمة في الحامة في ستينات القرن 20
هي ساحة فسيحة لم أشاهد ساحة مثلها تنوعا في المدن والقرى التي زرتها، والرّحبة هي عبارة عن سوق دائم كامل أيام الأسبوع لأن الأسواق الأسبوعية بمدينة الحامة وقراها تعد الآن حديثة العهد مقارنة بما كان في سالف الزمن ، ونظرا لأهميتها وغرابتها كانت مُبرمجة كمعلمٍ سياحي تتوقف عنده الحافلات السياحية في قوافل تمر يوميا في طريقها إلى المدن الصحراوية، ولمّا فقدت الرّحبة رونقها غاب عنها زوارها من السّياح فتدهور مردود ها الاقتصادي ... معروضات الرّحبة حبوب وتمور وأعشاب إلى جانب البهارات والأسماك الجافة بأنواعها، وهناك مقسم آخر للصناعات التقليدية مختلفة المصادر، ونظرا لطول الرّحبة وعرضها الممتدين اقتطعت منها البلدية أواخر الخمسينات سوقا للخضر » المرشي «  وشيّدت الدّولة المدرسة الابتدائية المختلطة عوّضت هذه المدرسة "مكتب دار خضر" الذي تحوّل إلى صبغة تجارية...
رحبة النّعمة في الحامة

تتحوّل هذه الرّحبة من حين إلى آخر إلى مسرح للهواء الطلق لاحتضان العروض الفنية وسينما كتابة الدولة للأخبار والإرشاد ثم كتابة الدّولة للشؤون الثقافية وتارة أخرى تتحوّل الرّحبة إلى منتدى سياسي لإلقاء الخطب من طرف الزّعماء الذين مروا من البلاد مع بشائر الاستقلال ثم مرحلة التعاضد، وفي أغلب الأحيان يتحول
جانب من الرّحبة إلى ساحة ينشطها باعة الأعشاب الطبية وزهم النعام وقالع الأضراس وبائع الكتب الصفراء وصور أبطال التاريخ والأساطير مثل صورة السيد علي كرم الله وجهه ورأس الغول، النبي سليمان ،سيدي عبد القادر الجيلاني . وعقاقير السّحر والشعوذة...كان الباعة يبهرون الناس بعرضهم السّحري لبضاعتهم فتتها طل الطلبات على المعروضات رغم مظاهر البؤس والفاقة ... كانت الرّحبة تشهد من حين لآخر عرضا يرتجله أحد الظرفاء ومن بينهم.
  بن هـويدي: وهو فارس بدون جواد ويُكنى أيضا ولد العزوزْ
هذا الرّجل مسكون بالفروسية والمعارك والبطولات، هادئ الطباع جميل المظهر،نظيف الملابس، عندما عرفته في الرّحبة كان في عقده الخامس تقريبا، يطوف ( ولد العزوز) أغلب الأحيان في حالة صمت كأنه يناجي أهل الخفاء...ومن حين لآخر يخرج ما بين أكواخ باعة الحبوب وينطلق عدوا وكأنه يمتطي جوادا مسلحا ببندقية وهمية تعوّضها بكيته مصقولة يُسندها إلى كتفه يغمض عين ويفتح الأخرى ويصوّب عصاه نحو هدف وهمي...وفي منتصف المضمار يطلق طلقتين كاذبتين يمينا وشمالا محدثا صوت انفجار بحنجرته،اثر ذلك يُستمع للتصفيق من الحاضرين وتتعالى الضحكات في عفوية وتلقائية تبعث البهجة في مهجة" ولد العزوز" ثم يختفي عن الأنظار في ازدحام السّوق.
وفي بعض الأحيان يتصدّر المشهد في الرّحبة ( بلقاسم جموعة) مرتديا معطفه العسكري محملا بأدواته الغريبة التي يسميها( بكتاخ) يُمسك غليونه الغريب ينظر في تحفّـز وعندما يتوسط الرّحبة يسحب شبّابته من ( البكتاج) المحمول على ظهره ويأخذ وضع الانبطاح فتتحوّل الشبّابة الكبيرة إلى بندقية يسترجع عن طريقها في تلك اللحظات ذكرياته وأهوال حرب الهند الصّينية التي شارك فيها وعاد منها مختل المدارك العقلية مثل الكثيرين من أبناء البلدة...

يجسد (بلقاسم جموعة) الواقعية السّحرية بمفهومها الأدبي: لقد صنع حقيبة مقاتل من الأسلاك المعدنية لازمته لعدة سنوات يحملها على ظهره حتى عندما انضم مع رفاقه  إلى الإقامة في التكية " القزرنة" كانت الحقيبة تحتوي على إناء يملأه الخمر المحلي وخرطوم رقيق يمتد من الوعاء إلى الفم وعن طريقه يشفط (جموعة) سائله المسكر فتحمر عيناه وتجحظ، وكنا نحن الأطفال نضايقه ونستفزّه ونتتبع خطواته في كل المواقع إلى أن تصدر منه كلماتِ وجمل " سريالية متضاربة تغرقنا في الضحك 
تدوينه للكاتب رمضان لطيفي 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.