مدير برج الحوت
إن وجود أمثال هذا الرجل على رأس الأعمال
أمر نادر الحدوث . و لا غرابة فهو يفضل الانطلاق على سجيته في حقول أخرى كالكتابة
و التجارة الحرة و الفنون الخلاقة و التمثيل و الكهنوت
و التصوف , حتى مجرد الأسفار . و مع ذلك يبدو ناجحا جدا في دور مدير
علاقات عامة أو أعلام أو شبكة تلفزيون , حيث يتسنى له نشر أفكاره العظيمة
المستوحاة من خياله اللامحدود . لكنه يختلف عن مواليد الأبراج الأخرى الذين يشغلون
مناصب مماثلة إذ يأبى على نفسه المجاهرة بالواقع دون تورية , لا لأنه كاذب أو
مخادع بطبعه بل ليقينه أن الحقيقة مرة يصعب على المجتمع تقبلها بالشجاعة اللازمة
.
في وسع هذا الإنسان أن يبرز كمدير لمسرح
أو شركة سينمائية أو معهد للرقص أو كمخرج أفلام . و تخوله مواهبه الخارقة أن
يكون من ألمع الباحثين و المحققين و مدراء الفرق الموسيقية و شركات
السفر و الجمعيات الخيرية و النوادي الاجتماعية والفنادق . و بكلام
آخر أن طبيعته الحساسة المعطاءة تهيئه لدور راعي الإنسانية و مرشدها
أكثر مما تهيئه لقطف ثمار الأمجاد و الثروة .
وهو بطبعه يكره الفائدة المادية البحتة
كرهه للمسؤوليات العديدة ذات الطابع المحدود . مهما يكن الدور الذي
يمارسه يظل الرجل الحوت إنسانا عديم الأذى و العداء حتى وهو فاقد أعصابه
و اتزانه . إذ يكتفي عادة بإطلاق بعض العبارات اللاذعة و يعود بعدها إلى
هدوئه و تهذيبه الأصليين . و هو يتخذ في العمل مواقف معتدلة تقع في
منتصف الطريق بين التحرر التام و التقـليدية ذات الآفاق الضيقة . عندما يضجره
العمل سواء بسيره أو بالقائمين عليه ينطلق ذهنه بعيدا و لا يعود حاضرا سوى
جسمه .
و عندما يحدث العكس
يصغي بكل جوارحه مبديا الاستعداد التام لتبني الأفكار والمشاريع التي تعرض
عليه . هذا ولا يحب السفر في الأحلام و حسب بل في الواقع أيضا ,
و لهذا السبب يحتفظ بحقيبة جاهزة بصورة تامة . يمر الرئيس
المولود في برج الحوت بأزمات نفسية حادة لا يدرك أحد كنهها , لكنها سرعان ما تتلاشى
دون أثر يذكر , مع أن أفضل علاج لها هو تركه لشأنه و عدم الإثقال عليه
بالكلام أو حتى مجرد الظهور أمامه . أما في الأوقات العادية فإنه يسعى – على العكس
للاحتكاك بجميع العاملين معه مقدرا بوجه
خاص أصحاب الخيال الخصب و الأفكار المبتكرة .
ولا يعني هذا أنه يتخلى عن سواهم , فهو يدرك
بالسليقة أن توازن الأعمال يقتضي وجود أشخاص واقعيين إلى جانب ذوي الخيال
. هذا الإنسان كريم اليد إلى درجة الشعور بالحرج أمام المطالب . فهو لا
يستطيع رفض منح العلاوات و المكافآت مهما تكن ظروف العمل , و يسعى بالتالي
إلى وضع هذه المسؤولية على عاتق موظف آخر أقدر منه على المحافظة على مصالح المؤسسة
المادية . بقي القول أنه لا يتوانى عن إظهار إعجابه بالجنس اللطيف على الرغم من
تقديره و وفائه لزوجته , كما أنه لا يتردد في كتم مواهبه الخارقة كي لا يضطر
أحد من العاملين معه إلى الهزء بها أو التشكيك في أمرها .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire