إن التعرف إلى رجل برج الدلو في إطار
العمل مسألة سهلة لا تحتاج إلا إلى دقة الملاحظة . فلو استطعنا مثلا مراقبة
مجموعة من الموظفين و وجدنا أن أحدهم يبدو ضعيف الذاكرة مشتت الأفكار قليل
الاهتمام بزميلات العمل و محاطا بعشرات الأصدقاء أمكننا الجزم بأنه مولود برج
الدلو . ولو سألنا رأي الآخرين فيه لقالوا أن العمل معه مثير لكونه الوحيد بينهم
الذي يستبق الزمن و يحلق في أجواء المستقبل و يعود إلى الحاضر من وقت
إلى آخر وفي جعبته أفكار مذهلة جدا .
إن تأثير هذا الموظف في
زميلات العمل قوي جدا و إن كان غير مقصود . فاللامبالاة التي أورثه إياها
الكوكب أورانوس تشكل تحديا سافرا لأنوثة المرأة فتضطر إلى الدخول معه في معركة
عاطفية تعيد إليها كرامتها المسلوبة . أما هو فقد يعيش معها جنبا إلى جنب الأسابيع
و الأشهر دون أن يبدو شاعرا بوجودها , ثم فجأة يصارحها بالإعجاب بأسلوب فذ
يتركها شبه مذهولة . هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى حبذا لو يستمع رب العمل إلى
أفكار هذا الموظف على الرغم من طابعها الوهمي والخرافي , فربما عادت عليه بالفائدة
في يوم من الأيام .
لا شك في أن هذا الموظف إنسان هادئ متزن ,
و مع ذلك يرفض الارتباط بعمل واحد ولا يستبعد أن يجمع بين وظيفته الأساسية
و أعمال أخرى متنوعة كالرقص و التلحين و الغناء و التصوير و الكتابة
و الرياضة , حتى علم الجيولوجيا , كل ذلك بغية اكتشاف نفسه كما يقول . فإذا
ما تم له ذلك اكتفى بالشيء الوحيد الذي يلائمه و داوم عليه بقية عمره
. لا يمكن القول إن هذا الرجل عاطفي بطبعه . فهو يقـف من الحياة
و الناس موقفا علميا بحتا . و إذا بدر منه انفعال ما , كان السبب دون
ريب حالة نفسية طارئة لم يعتد مثلها من قبل . بالرغم عن ذلك لا يمكن أن تخلو حياته
يوما من الأصدقاء . ولكنه سريع التبديل يفشل في ملازمة صديق فترة طويلة كما يفشل
في التركيز على صديق واحد , و لهذا يقال إنه يعطي من الصداقة و الود
أكثر كثيرا مما ينال . هناك نموذجان لرجل برج الدلو في الوظيفة . الأول
هادئ متزن يبدو كالفيلسوف أو المدرس , و يدخن الغليون غالبا , و يعيش في
بيت فخم , و يحيط نفسه بتحف غريبة جمعها من أنحاء العالم . و الثاني
عالم مخترع غريب الأطوار يقيم في مسكن وضيع تسوده الفوضى و ينتشر في أرجائه
الغبار , و يحيط نفسه بأدوات و أجهزة عجيبة من صنعه .
و كلا النموذجين طيب ذكي ضعيف
الذاكرة مرهف الحس ينضح بالمعرفة , ويحيط نفسه بعشرات الأصدقاء من مختلف الأعمار
و المستويات و يهرب من الزواج , و يمارس بعض العادات الطريفة
. و سواء انتمى الموظف إلى هذه الفئة أو تلك فإنه جدير بثقة
رؤسائه و محبة زملائه . يحافظ على مصالح الشركة التي يعمل فيها و على
أسرارها دون أن يسعى للفائدة المادية التي تعتبر في نظره مسألة ثانوية تماما
كالزوجة . ومع أنه قليل الطموح إلا أنه يتمتع بأرجح عقل إذا ما قورن بموظفي الأبراج
الأخرى , و لهذا يستحق أن يصبح يوما شريكا لرب العمل أو على الأقل نائبا له .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire