الموظف العقرب
هل التقيت يوما موظفا أو عاملا ينم مظهره
عن الهدوء التام , أو حتى الجمود , و عن الثقة بالنفس و معرفة الذات
و وضوح الرؤية ؟ إذا فاعلم أنه و لا ريب مولود في برج العقرب . حاول
التعرف إليه أكثر تجد أن لديه دائما برنامج أعمال واضحا ومفصلا
و أهدافا معينة و أعذارا قليلة بل نادرة سواء من أجل تغيب أو مرض
أو غير ذلك , و أنه متكتم إلى أقصى حد فيما يتعلق بحياته الخاصة ,
و متحكم في نفسه و صادق معها و مع الآخرين , و قادر على تعرية
الحقائق أينما وجدت .
يستطيع من كانت له مثل هذه الصفات أن يبني
حياته أو يدمرها بالسهولة نفسها و على النحو الذي يريد . جرأته العظيمة تتخطى
التدخل في شؤونه إلى سواه إذا ما دعت الحاجة , فهو يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة
دائما , و إذا كان هناك شيء يجهله فهو مركب النقص إلا إذا كانت قد طرأت
على طفولته أو شبابه المبكر حوادث قاسية أجبرته على التحول إلى ضب جبان معقـد .
حتى بعد هذا التحول يرفض السكوت على الضيم و يقبع في الزوايا متحينا فرصة
العودة إلى صفوف العقارب السامة أو النسور الكاسرة .
يتوقف تصرف هذا الموظف مع رؤسائه على مدى
حاجته إليهم و على نوع تلك الحاجة . من الجائز أن يرد على كل إساءة بأكثر
منها أو باللامبالاة أو بالاحترام التام و السكوت المطبق . إنه يعرف من أين
تؤكل الكتف عند الحاجة , كما يعرف أن للنجاح ثمنا عليه أن يؤديه كاملا ,
و مع ذلك تتسم فلسفته بطابع الشرف و الاستقامة إذ يقول لسان حاله : من
يدفع الثمن ينل الفائدة , و من يرد رفض دفع الثمن عليه أن يرفض الفائدة من
البداية . هذا الأسلوب سواء في التـفكير أو التنفيذ لا يمنعه من منح رؤسائه ثقته و وفاءه
الكاملين و غير المشروطين إذا وجد أنهم يستحقون ذلك فعلا .
موظف برج العقرب صبور مثابر و ذو
ذاكرة حادة لا تخطيء أبدا مما يتيح له اختيار ساعة الانتقام و طريقته .
و لكنه مقابل ذلك جاد متعمق في عمله لا يحيد عن أهدافه قيد شعرة ولا يتردد
أمام الصعاب و العقبات . يتمتع بطاقة حيوية عظيمة تجعله يواصل العمل دون أدنى
تعب أو كلل . من الأعمال التي ينجح فيها أكثر من سواه الجراحة و علم النفس
و الصحافة والاستكشاف و الجاسوسية و الأبحاث و الشرطة السرية
.
مهما يكن حقله فهو من
النوع الذي يتزود بالعلم و المعرفة دوما فلا يمر يوم دون أن يحصل فيه على
فائدة ما تجعله في وضع أفضل من السابق . وهو أيضا من النوع الذي ينجذب بشدة نحو
الألغاز و الأحاجي و كل ما هو غامض غير مفهوم .
يمضي هذا الرجل حياته الخاصة وفـقا لمبادئ
و أنظمة من صنعه , و يرفض تطويرها إلا حين يشاء , و بالصورة التي
يريد . عندما يشعر أن رؤساءه أو زملاءه ينوون التدخل في أموره يقف موقفا متصلبا أو
يترك عمله نهائيا على الرغم من كل المكاسب التي يكون قد حصل عليها . أليس في ذلك
منتهى الصدق على الأقل مع نفسه ؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire