أعلان الهيدر

الرئيسية المنزع العقلي عند التوحيدي

المنزع العقلي عند التوحيدي


المنزع العقلي عند التوحيدي
المنزع العقلي عند التوحيدي
إن دراسة مؤلفات التوحيدي تبين أن العقل في أدبه نوعان:
1-    عقل مفكّر في مشاغل الخاصة الفكرية و الفلسفية و اللغوية و الأدبية و المساهمة في تدارس القضايا الثقافية العامة المطروحة في الأوساط الفكرية في عصره.
2-    عقل ناقد متفحّص لحياة الناس بمختلف وجوهها السياسية و الاجتماعية و العقائدية...و هو عقل يحلل الموجود و يشير إلى مواضع الخلل مقترحا أوجه إصلاحه.
بهذا يكون العقل في الإمتاع و المؤانسة ضربان : عقل مفكّر و منظّر وعقل ناقد مصلح .
منزلة العقل عند التوحيدي:
يعتبر التوحيدي أن للعقل منزلة متميزة متفرّدة و ذلك من خلال القرائن التالية:
1-    العقل بما هو هبة إلهية :
 يرى التوحيدي أن العقل هبة ربانية و قوّة تميّز الإنسان عن سائر المخلوقات. يقول:" وهب الإنسان الفطرة, و أعين بالفكرة و رفد بالعقل..."و يقول أيضا "العقل قوة إلهية و هو خليفة الله "
2-    العقل بما هو أساس التفاضل بين الناس :
 اعتبر التوحيدي أن الناس لا يتفاضلون بالمال أو الجاه أو بالانتماء العرقي و إنما بالعقل لا غير. يقول :"فهو الذي يتفاضل به المتفاضلون والمدار عليه ".
3-    العقل بما هو أساس الغنى الحقيقي : يقرر التوحيدي أن الغنى الحقيقي هو الغنى العقلي و أن الفقر الحقيقي هو الفقر من العقل و العلم . يقول :" من حرمه فهو أنقص من كل فقير".
4-    العقل هو مصدر الحقيقة : التوحيدي أن الحكمة و العلم و الحقيقة مصدرها العقل لا غير . يقول:" العقل ينبوع العلم" و يقول :" صواب بديهة الفكرة من سلامة العقل " و يقول :" من قلّ نصيبه من العقل كثر نصيبه من الحمق ".
5-    العقل بما هو أفضل من المال : يؤكد التوحيدي أن العلم أفضل من المال و أن جوهر التفضيل للعلم على المال أرجعه إلى أفضليّة النفس العاقلة على النفس الشّهويّة يقول :" حظّ الإنسان من المال إنما هو من قبيل النّفس الشّهويّة....و حظّه من العلم إنما هو من قبيل النفس العاقلة".
و ينتهي التوحيدي إلى اعتبار أنّ ضياع المال يورث مالكه الضياع و الحسرة بينما صاحب العلم لا خشية عليه حيث يقول :" لا ترى عالما سرق علمه و ترك فقيرا.. و قد رأيت جماعة سرقت أموالهم و نهبت و بقي أصحابها محتاجين لا حيلة لهم ".
1.    أسلوب التوحيدي و لغته :
 أسلوب التوحيدي: تجلّى احتفاء التوحيدي بالعقل في مستوى الأسلوب من خلال القرائن التالية :
 كثافة حضور الاستفهام و الأسئلة مثال (ما الحلم ؟ ما الحسد ؟ ما الشجاعة ؟ ماالرّغبة ....) و هو أسلوب ساهم في تأسيس ليالي الإمتاع و المؤانسة والمقابسات. يقول زكريا إبراهيم :" التوحيدي فيلسوف التساؤل , لأنّ لديه روحا تساؤلية تعشق الجدل و لا تكاد تكفّ عن إثارة السؤال تلو السؤال "
 حرص التوحيدي على التوسّع و الإطناب و التّنقيب و الاستقصاء و الشّرح المستفيض و التّفصيل للفكرة أو المسالة الواحدة (حديث أبي حيّان عن النفس (
 التدقيق في بعض المسائل لنزع الشبهة و ضمان الدّقة : مثال لما سأله الوزير ابن سعدان عن الفرق بين تفعال ( التاء مكسورة ) و تفعال (التاء مفتوحة ) فقال له التوحيدي " المصادر كلها على تفعال بفتح التّاء و انّما تجيء تفعال ( التاء مكسورة في الأسماء (
 تواتر أسلوب التعليل : فكثيرا ما يقدم التوحيدي الفكرة ثمّ يفصّل النظر فيها تفصيلا تعليليا.
مثال لما سأله الوزير " ما الفرق بين الإرادة و الحياة " قال أبو حيّان :" كلّ مراد مختار و ليس كلّ مختار مراد
استعمال مفاهيم علمية و مصطلحات فلسفية و عبارات تجريدية .مثال : الرّوح- الحقيقة –الهيولي -الصّورة..
أسلوب التّوليد السّقراطي و ذلك من خلال الانتقال من البسيط البديهي إلى المعقّد المركّب و من خلال الانطلاق من معنى رئيسي ثمّ الشرح التفصيلي ,تسلسل الأفكار , توالد الأفكار...
تقريب المعنى بضرب الأمثال .
الأسلوب التعليمي
لقد خضعت مسامرات الإمتاع والمؤانسة والمقابسات في عديد الأحيان إلى جدلية السّؤال والجواب. و هي جدلية تذكرنا ببنية الحكاية المثالية في كتاب "كليلة و دمنة " أين نجد الملك دبلشيم يسأل و بيديا الفيلسوف يجيب و هذا ما أضفى على بعض المسامرات والمقابسات الطابع التعليمي و من العلامات ا لدّالة على ذلك:
·        توظيف الحكايات و الأمثلة لاستخلاص العبرة منها.
-   تفرّد التوحيدي بالإجابة مما يجعل كلامه مستفيضا طويلا ( عكس الحوار السّجالي ) و في ذلك إشارة إلى أن التوحيدي هو صاحب رسالة عليه أن يؤديها ( الإصلاح – الإرشاد (
-أسلوب التضمين وهو أسلوب متواتر في نصوصه و ذلك لإيصال موقف أو رأي مع تجنّب المواجهة والصّدام مع محاوره .
- توظيف الحجج المتنوّعة لحمل الطرف الآخر على التراجع عن موقفه.
- تحوّل موقف ابن سعدان و حالته من الجهل إلى العلم و ذلك في نهاية أغلب المسامرات .
يقول :" فقال (أي الوزير " ): ما كان عندي هذا كلّه".
-تواتر الأساليب الإنشائية ( الأمر-النهي-الاستفهام –التعجّب...) التي تضفي على النصّ طابعا تعليميا( النصح – التحذير-التوجيه (
"أما تعلم أن الرعية وديعة الله عند السلطان".
- الأسلوب السّردي : لقد جاء كثير من المسامرات شكلا من أشكال الكتابة النثرية المقصودة القائمة على الأسلوب السردي . فقد هيّأ التوحيدي شروط النوع السردي فلم تكن المسامرات بعيدة الصلة عن تقاليد السرد القصصي في التراث السابق عليه. ذلك أنّ التوحيدي بدا متجاوبا مع (ألف ليلة و ليلة ) و مع (كليلة ودمنة ) من زاوية وجود الحكاية الإطار التي تتولد من داخلها حكايات اقتضت بدورها تقسيم الليالي و ترتيبها. و قد تبين لنا كيف كانت عملية استرجاع التوحيدي لما دار بينه و بين ابن سعدان قائمة على السرد حتى أصبح هذا السرد بدوره إطارا خارجيا للمحاورة أو بعبارة أخرى تولدت المحاورات في داخل السرد ثمّ تولّدت المحاورة بعد ذلك من داخل المحاورة .
لقد تجاوب التوحيدي مع تقاليد القصّ السّابقة من خلال توظيفه لبنية الخبر و ما يتأسس عليه من سند و متن على شاكلة أخبار الجاحظ و التي تتوفّر فيها مقومات السّرد من أطر وشخصيات و أحداث و تداخل في أنماط الكتابة (خبر ابن يوسف و خبر المعتضد مع ابن سليمان( وننبه إلى أسلوب السرد لا يخرج عن النزعة العقلية التي توخاها التوحيدي في كتابة الإمتاع والمؤانسة فهذه الأخبار والحكايات هي بمثابة حجج واقعية تاريخية لأطروحات ضمنية . مثال : خبر ابن يوسف يمكن أن يكون هذا الخبر حجة تدعم أطروحة ضمنية هي فساد العلاقة بين الحاكم والحاشية في بلاط السلطة.
-الأسلوب الوصفي التسجيلي : يمكن اعتبار مسامرات الإمتاع و المؤانسة وصفا تسجيليا لأحوال مجتمع القرن الرابع للهجرة . يقول أحد النقاد :" و أيّا ما كان ,فالكتاب يلقي نورا كثيرا على العراق في النّصف الثاني من القرن الرّابع أعني في العصر البويهي".
فرسم الكتاب أحوال المجتمع وجعل من صاحبه منخرطا في الواقع تصويرا و رسما . فالمؤانسة في كتاب الإمتاع و المؤانسة ليست مؤانسة ممتعة فقط و إنما هي مؤانسة جادة . يقول زكريا إبراهيم :" تحدّدت شخصية أبي حيّان التوحيدي بثورته على أخلاق المجتمع الذي كان يعيش فيه و نقده لسائر الناس الذين كان يحيا معهم , و تمرّده على العصر الذي كان ينتسب إليه".
على أننا لا يجب أن نعتبر العديد من المسامرات وثائق تاريخية ( قصّة الفتنة ) بل هي عمل أدبيّ بالأساس لذلك يجب تخليص هذه المسامرات وكتاب الإمتاع و المؤانسة من وهم التاريخ والتعامل مع ما جاء فيها بإسقاط البعد التاريخي لأنّ التّوحيدي أديب و ليس مؤرخا و إن كانت مادة أدبه متصلة بالتاريخ و ذلك لعدة أسباب :
-موسوعية ثقافة التوحيدي الملّمة بالكثير من المسائل و منها التاريخية.
-التوحيدي لا يسعى إلى تأريخ الأحداث بقدر ما يسعى إلى النقد السياسي و الاجتماعي بطريقة أدبية, و الذي يؤكد هذا المنحى الأدبي عدّة قرائن :
**** خلو الكتاب من الأرقام و النسب و الموضوعيّة
****عدم البحث العميق في الأسباب و النتائج.
****مزج السرد التاريخي بالوصف الانطباعي و الحوار مما يخرج الحديث عن طابعه التاريخي و يضفي عليه طابع المباشرة .
ب -لغة التوحيدي :
ترتبط لغة التوحيدي ارتباطا وثيقا بشخصيته المتميّزة . فكما تميزت شخصية هذا المفكر شاع في أسلوبه الازدواج . فكتاب الإمتاع و المؤانسة تمرّد على أسلوبه الازدواج و التناقض. فكتاب الإمتاع و المؤانسة تمرّد على أسلوب السّجع و حافظ على توازن الجملة . يقول " الإنسان ذو قوّة متقاصرة و موانع معترضة ,و إنّه مع هذه الأحوال منتبه بالحسّ عالم بالعقل, عاشق للشاهد , ذاهل عن الغائب ...".
و قد استطاع التّوحيدي أن يتحرّر من تعسّف أساليب الفلاسفة و وضع أسلوبا متوازنا لم يجعل اللّفظ القصير فتسحر به عن المعنى العريض, فإنّ اللّفظ للعامة و المعنى للخاصة"
و هذا لا يعني أنّه يستهين بدلالة الألفاظ بل إنه يحذّر في الاغترار باللّفظ الذي سيطر على لغة أدباء عصره و العصور القريبة منه.
لقد تحرّر التوحيدي من قيد السّجع (المقامات-الرّسائل...) و عوّضه بالتوازن بين الفقرات و هو ما أسماه النقاد القدامى بالسّجع المعطّل حيث يقسّم الفقرات إلى جمل قصيرة أشبه ما تكون بالأساليب الشعرية الحديثة يراعي في ذلك التنغيم اللّفظي . و هذا ما جعل لغته جسرا بين الشعر و النثر . يقول " أحسن الكلام ما رقّ لفظه و لطف معناه و قامت صورته بين نظم كأنه نثر و نثر كأنّه نظم ".
ج – المسارات الحجاجيّة :
تنوّعت المسارات الحجاجيّة التي اعتمدها التّوحيدي في و يمكن ذكر المسارات الحجاجيّة التالية:
أ -المسارالحجاجي البرهاني : و هو ضرب من الحجاج يقوم على البرهنة وفق أنساق متعددة وهما النسق الاستنباطي( الانطلاق من العام إلى الخاص ) و النسق الاستقرائي (الانطلاق من الخاص إلى العام(.
****مثال للحجاج البرهاني الاستنباطي: انطلاق التوحيدي من فكرة الخلق الإلاهي عامّة ثم تدرّج إلى تمييزالله للإنسان بالعقل لينتهي إلى المقارنة بين الإنسان و الحيوان . فيرى أنّ الإنسان مفضّل على الحيوان بالعقل لأنه يختار أفعاله بينما الحيوان ملهم غريزي .
****مثال للحجاج البرهاني الاستقرائي: انطلاق التوحيدي من ظاهرة الاختلاف بين المذاهب ليتدرّج منها إلى مظاهر أخرى في الاختلاف (الاختلاف في تفضيل الأمم و الرّجال و المال ...) ليخلص إلى قاعدة عامة جوهرها أنّ الاختلاف ظاهرة ملازمة للإنسان و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تزول .
ب – المسار الحجاجيّ القائم على العرض: و هو ضرب في الحجاج يقوم على عرض أطروحة ما فتحليلهاو التوسّع فيها. و من أمثلة ذلك :
****أطروحة شروط صلاح الدنيا ( نصّ متى تطيب الدنيا) : عرض التوحيدي أطروحة ديوجانس التي تقرّ بانّ صلاح الدنيا لا يتحقق إلا بالتلازم بين الفلسفة و السلطة , ثمّ توسّع بالاستدلال عليها بعرض مجموعة من الحجج تدعم أطروحة ديوجانس و تؤكد حاجة السائس إلى الاستنارة بآراء العقلاء.
ج – المسار الحجاجي الحواريّ : و هو ضرب من الحجاج يقوم على عرض الرّأي و نقيضه و يتجلّى هذا النوع من الحجاج في المناظرات و المساجلات من ذلك:
المناظرة بين كتابة البلاغة و الإنشاء من جهة و بين كتابة الحساب من جهة أخرى فهذه المناظرة أطرافها صاحب البلاغة ( التوحيدي) و صاحب الحساب (ابن عبيد الكاتب ) و هي مناظرة انتهت بالانتصار للبلاغة و تفضيل الكتابة على الحساب .
المناظرة بين النثر و الشعر : هذه المناظرة أطرافها راو مناصر للنثر و التوحيدي ضمنيا و راو مناصر للشعر من جهة أخرى و التي انتهت بتفضيل النثر.
المناظرة بين النّحو و المنطق و التي جرت بين مناصر النّحو أبي سعيد السّيرافي و مناصر المنطق متّى بن يونس و التي انتهت إلى تفضيل النحو على المنطق في إشارة إلى أفضلية الثقافة العربية على الثقافة اليونانية.
إن تنوّع مضامين الحجاج و مساراته من شأنه أن يولّد منطقيا تعدد الحجج و من أهمها نذكر:
 -الحجّة الواقعية
 -الحجّة التاريخية
 -حجّة المشابهة
 -حجّة الشاهد القوليّ
 -الحجّة العقليّة ....
و أمثلة هذه الحجج تزخر بها نصوص الإمتاع و المؤانسة.( أنظر النصوص المشروحة في حصص شرح النص( .
ملاحظة : أنواع الحجج على قدر كبير من التنوّع والتعدّد..

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.