أعلان الهيدر

المواطنة والانتماء


المواطنة والانتماء
المواطنة والانتماء
المواطنة في مهدها الأول في صدر الحضارة الرومانية كانت ترتكز في المقام الأول على دعامة واجبات والتزامات المواطنين، ومع التطور وظهور الحركات السياسية والحقوقية وتغير المنظومة السياسية العالمية وظهور نظم الديموقراطية الليبرالية التي سعت إلى توسيع نظرية المواطنة بتوفير الدعامة الثانية للمواطنة وهي المواطنة الحقوقية والتي قسمت حقوق المواطنة إلى ثلاثة مكونات: أول تلك المكونات هي المواطنة المدنية، والتي تعد أحدى أهم نتائج القرن الثامن عشر، والتي أقر، من خلالها، بعض الحقوق المدنية مثل: حرية التعبير والفكر والحريات الدينية، وكذلك إقرار لمبدأ المساواة أمام القانون. ويأتي المكون الثاني وهوالمواطنة السياسية، والذي ظهر مع القرن التاسع عشر، وتأكد فيه على الحقوق الخاصة بالمشاركة في إدارة الشأن العام للبلاد والمشاركة السياسية مثل الحق في التصويت والترشيح للوظائف العامة. ومع القرن العشرين ظهر المكون الثالث وهو المواطنة الاجتماعية، وهوالمكون الذي يعتني بضمان حد أدنى من الأمن الاقتصادي للمواطن لحمايته من قوى السوق خاصة بعد أن ظهر على السطح عيوب الممارسات الرأسمالية وهوما كان يعني بالضرورة تدخل الدولة لضمان حدود دنيا من الأمن المادي والاقتصادي لرعاياها .
وباتت المواطنة رابطاً اجتماعياً وقانونياً بين الأفراد والمجتمع السياسي الديموقراطي. وهو ما يعني أن المواطنة تستلزم إلى جانب الحقوق والحريات مسئوليات والتزامات، وبدونهما يفشل المشروع الديموقراطي.
المواطنة والانتماء:
هناك فارق كبير بين المواطنة والانتماء‏,‏ فالمواطن هو الذي يحصل علي جنسية دولة ما‏,‏ بصورة قانونية‏,‏ ولأسباب يحددها هو‏,‏ ولمصالح يسعي الي تحقيقها من وراء حصوله علي جنسية هذه الدولة‏,‏ أما الانتماء فمصدره الارتباط بهذا البلد الذي يحمل جنسيته‏,‏ فهو يرتبط بهذا البلد بوجدان وتاريخ وماض وحاضر ومستقبل‏.‏
فالحصول علي جنسية دولة ما هو إلا إجراء قانوني‏,‏ يتطلب من الراغب في التجنس ان يستوفي متطلبات محددة منها‏:‏ الزواج ممن يحمل جنسية هذه الدولة‏,‏ أو الإقامة لفترة محددة‏,‏ أو أن يكون قد ولد في هذا البلد حتي ولو كان والداه لا يحملان جنسية هذا البلد‏,‏ أو أن يكون قد استثمر في هذا البلد مبلغا مشروطا من المال‏,‏ أو ان يكون ابنا لأم تحمل جنسية هذه الدولة‏,‏ وغيرها من الاشتراطات القانونية التي تؤهل هذا الشخص للحصول علي جنسية دولة ما‏,‏ وفي هذا الاطار فإننا نجد الكثير من المفارقات الغريبة التي تقطع بأن الحصول علي جنسية دولة ما‏,‏ تحمل صفة الاختيار‏:‏ فالقادر في هذه الأيام يمكنه ان يحصل لابنه علي جنسية الولايات المتحدة الأمريكية اذا ما أرسل زوجته لتضع طفلها في أحد مستشفياتها ليؤمن له مستقبلا مضمونا كمواطن امريكي‏,‏ والمقامر يدرج اسمه في يانصيب أو لوتارية الجنسية الأمريكية التي تمنح فيها الولايات الأمريكية الجنسية لعدد محدد من الأفراد كل عام يختارون علي أساس عشوائي من مجمل الأسماء المتقدمة للحصول علي الجنسية‏,‏ والمتميز علميا أو أكاديميا أو في التخصصات الخاصة أو النادرة تستقطبه الدول الكبري ـ وتحديدا الغربية ـ للاستفادة منه بالحصول علي منتج بشري متميز وجاهز لمجرد منحه الجنسية ـ وهو ما يطلق عليه استنزاف العقول‏Brain Drain ‏ ـ وهي عملية تقطف فيها الدول المتقدمة العقول والكفاءات من الدول النامية‏..‏مجمل القول ان الحصول علي الجنسية هي آلية قانونية لها أهداف محددة ومرام ذاتية سواء من الأفراد أو الدول‏.‏ والمهاجر‏,‏ يرتبط بدولة المهجر برباط الانتماء‏:‏ فهناك عقد سياسي واجتماعي يربطه بموطنه الجديد.
أما الانتماء فهو إحساس يولد مع الإنسان‏,‏ ويكبر معه‏,‏ يتفرع في شرايينه‏,‏ ويعيش في وجدانه. والانتماد يتولد عن المصالح‏,‏ وارتباط المواطن ببلده يعتمد في الأساس علي ما تقدمه اليه بلده‏,‏ أو بمنطوق أكثر وضوحا بالمنافع المتبادلة بين المواطن ووطنه‏.‏ الانتماء قدر ولا يقايض‏,‏ وأنظمة الحكم وقتية والوطن ثابت‏,‏ واهتزاز معيار المواطنة لا يعني المساومة علي الانتماء‏,‏ والشعب المصري علي امتداد تاريخه لا يقبل الا بالانتماء لمصر مهما عاني من الفقر أو حتي القهر‏.
وهنا نتساءل: لماذا لانري في مصر سمة المواطنة الحقة في هذه المرحلة من تاريخنا المعاصر؟
إن المواطن المصري قد فقد إلي حد كبير سمة المواطنة فهو لايحترم القانون بل يخاف من الأمن‏,‏ وهو لايري أن له دورا يؤديه كمواطن‏,‏ بل هو مهمش عن المشاركة في حل المشاكل التي يمر بها وطنه‏,‏ والتي تمسه نارها وتمس حياته بصورة مباشرة ومن ثم فقد نأي بنفسه عن المشاركة السياسية كمواطن‏,‏ بعد أن شعر أنه يعاني من غربة في وطنه‏؛ فالحياة السياسية مقصورة علي حزب أوحد‏,‏ والاوضاع الاقتصادية تلتهم حياته‏,‏ والتمايز الطبقي جعله يشعر بعدم الانتماء ـ حتي في حدوده الدنيا ـ خاصة بعد أن وصل التمييز بين المواطنين إلي مرحلة شراء القادرين وذوي المراكز والمناصب لامتحانات الثانوية العامة المؤهلة لدخول بعض الجامعات الحكومية والتي كانت تتميز دوما بالتكافؤ والعدالة والشرف‏,‏ مما كان له الفضل في اتاحة الفرصة أمام غير القادرين ماديا‏,‏ أن يتفوقوا علميا ويكونوا فئة من العلماء والمتخصصين والأطباء والمهندسين والمهنيين المتخرجين من كليات القمة‏,‏ الذين ينتمون للطبقة المتوسطة ودون المتوسطة‏.‏

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.