أعلان الهيدر

الرئيسية مظاهر المنزع العقليّ في كتابة الجاحظ و أسلوبه

مظاهر المنزع العقليّ في كتابة الجاحظ و أسلوبه


مظاهر المنزع العقليّ في كتابة الجاحظ و أسلوبه
مظاهر المنزع العقليّ في كتابة الجاحظ و أسلوبه
المنزع العقلي:
للجاحظ مكانة متميزة في تاريخ الفكر العربي باعتباره مثل قطيعة معرفية مع الفكر التسليمي الإنطباعي وعدّ مؤسّسا للمعرفة العقليّة.ولقد كان الجاحظ إستجابة حضارية طبيعية لظرف معرفي مخصوص تميزبحضورمكثف للعقل ودليل ذلك أن السلطة في عصر الجاحظ كانت إعتزالية.وتميز هذا الظرف بكثرة الجدل و الإختلاف بين الفرق الإسلامية كما تميز باكتمال مرحلة التدوين وما أفرزته من تداخل بين الحقائق .
وميزة الجاحظ انه خاص بالعقل في ميادين لم يخض فيها العقل مسبقا و قد نظر في عالمين اثنين متقابلين و لكنه تمكن من الربط بينهما هما عالم المحسوسات من خلال دراسة الحيوان و قد أسس أثناء ذلك منهجا يقوم على السماع و الشك و التجربة وعالم الغيب والماورائيات و قد استند فى ذلك الى الاستدلال و الحجاج.
و قد استفاد الجاحظ فى نشأته فى البصرة التى كانت قطبا فلسفيا و فكريا و قد ازدهرت فيها التيارات العقلية و نشطت فيها حركة الترجمة مما مكن الجاحظ من الاستفادة بالتراث اليوناني و لا سيما تلراث أرسطو.
- أسس الجاحظ منهجا لأدراك اليقين يقوم على أسس ثلاثة أولها السماع اذ أخذ الجاحظ فى الحيوان من مصادر مختلفة منها ما هو مكتوب و مأخوذ من التراث اليونانى و كتاب "الحيوان" لأرسطو و منها ما هو عربي شفوي كمساءلة أصحاب الخبرة من الحرازين و الحوائين و الصيادين و منها ما هو شعرى كبعض الأبيات التى قيلت عن الحيوان.
- كثرة المصادر فى كتاب الحيوان يعود الى ايمان الجاحظ أن معرفة الفرد محددة و لا سبيل لنماء علمه الا بالاطلاع على معارف السابقين يقول الجاحظ:"الانسان لا يعلم حتى يكثر سماعه" لكنه لم يسلم بما يسمع و لم يطمئن الى العلماء مهما كان مقدار علمهم لأن التقليد و الحفظ قاصرانعلى ادراك الحقيقة يقول الجاحظ:"ان مستعمل الحفظ لا يكون الا مقلدا و الاستنباط هو الذى يفضي بصاحبه برد اليقين."
 - الشك: لما كانت غاية الجاحظ معرفة الحقيقة فانه لا مناص له من استعمال العلم للظفر باليقين و الشك جلاء عملي و ترجمة فعلية للعقل . و الشك عند الجاحظ منهج لا غاية فى ذاته لهذا السبب يدعو الى معرفة الحالات الموجبة له لمعرفة الحالات الموجبة لليقين وهو بذلك يتجاوز شك الريبيين الذين جعلوا الشك منطلقا و غاية. الشك في الأخبار أساسي عند الجاحظ لأن البشر ميالون بطبعهم إلى التحريف والإنسان ليس معصوما من الخطأ مهما كان لذلك دعا إلى اعتماد الشك في الخبر مهما كان مصدره حتى و إن روي عن علماء ثقات لأن ثقة السند ليست دليلا على صحة المتن يقول:" لا ترسلوا إلى كبير من العلماء فإذا عليمهم يقول بغير رواية و على غير أساس". فعلاقة الجاحظ بالتراث إذن تقوم على جدل الاتصال و الانفصال.
 و بما أن الشك طريق إلى اليقين و العقل سبيله فان الحس و التسليم و التقليد عائق لإدراك لذلك يدعو إلى المعرفة العقلية. يقول الجاحظ :لا تذهب إلى ما يريك العقل و العقل هو الحجة." إن ازدهار المعارف في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة نتيجة المثاقفة و ظهور علم الكلام و تحول التصوف الاسلامى من مجال الممارسة الزهدية إلى نظرية في المعرفة و البحث في حقائق الوجود والكون نقل الفكر العربي من مرحلة المنقول و التسليم إلى مرحلة المعقول فلم تعد المرحلة قائمة على النقل و لم تعد تقوم على حرفية النص بل أصبحت عملا تاوليا يقوم أساسا على العقل و كل ذلك نقل المنزع العقلي من دائرة الأخلاق و السلوك عند ابن المقفع مثلا إلى دائرة الحقيقة المعرفية و كان ذلك مع الجاحظ.و ليس فضل الجاحظ أنه بني نظرية معرفية بقدر ما يكمن فضله في تأسيس منهج قوامه السماع أولا و الشك ثانيا و التجربة ثالثا و قد بدا ذلك جليا في كتابه الحيوان إذ الجاحظ أجرى بعض التجارب ليتأكد من صحة الأخبار و خطئها ولم يقتصر في ذلك على تجاربه الشخصية بل تعداها إلى الاستفادة من تجارب غيره لاعتقاده أن معرفة العالم لا تنمو إلا بسماعه يقول الجاحظ:"لو جئنا إلى قدر قوتنا و منتهى تجاربنا لقلت المعرفة ".
و لقد كان الجاحظ في تجاربه ملاحظا مستقرئا دقيقا يعرض تجربة و يصفها ساعيا إلى إدراك الحقيقة و لم يكن متعصبا أبدا و مما يؤكد ذلك اعتماده على تجارب غيره حتى بدا كتاب الحيوان مزيجا من الجهد الذاتي و الجهد الموضوعي و مزيجا متناسقا من المصادر المكتوبة و المسموعة.
 و تجارب الجاحظ على الكلب تؤكد انتباهه و مشاركته بلوغ بعض النظريات الحديثة و حدسه بها ذلك إن ظاهرة الانتباه الغريزي في الكلب لا تختلف كثيرا في جوهرها عن نظرية الانعكاس الشرطي"لباقلوف" فقد استطاع أن يثبت بعض السلوك الحيواني الذي يتنزل حديثا ضمن ما يعرف بعلم النفس السلوكي و لم يتسن ذلك للجاحظ لولا المنهج التجريبي و عماده و ملاحظة السلوك و مراقبته و تنويع التجربة بتغيير الظرف الزمني أو المنبه(السماع, الشم,الافتراض)و لكن إذا سلمنا بتوفر الأسس المنهجية الضرورية للبحث العلمي التجريدي عند الجاحظ فإننا نتساءل لماذا لم تثمر هذه التجارب نظريات علمية دقيقة. مفهوم الحقيقة عند الجاحظ ليس مفهوما علميا ذلك إن أصلي الحقائق ما اتصل بالدين و ما الحقيقة العلمية إلا أداة لإثبات الحقائق الدينية و هذا المزج بين الدين و العلم أعاق عقل الجاحظ و جعله عاجزا عن التسليم. بل يمكن القول أن الجاحظ لم يرم ذلك لأنه جعل من عالم الحيوان و عجائبه شاهدا على الحكمة الالاهية في إطار دلالة الشاهد على الغائب.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.