في يسر الإسلام وسماحته يقول
تعالي " وما جعل عليكم في الدين من حرج " الحج / 78 " يريد الله أن يُخَفِّف عنكم وخُلق الانسان ضعيفاً " النساء / 28. وفي الحديث "إن الدين
يُسر " صحيح البخاري كتاب الإيمان. باب:
الدين يسر. ولأمر ما وسط آيات الصيام قال تعالي
" يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "البقرة : 185. واليسر من السهولة ومنه اليسار للغِنى ويُقال لليد اليسرى يُسرى تفاؤلاً لأنه يسهل الأمر لصاحبها بِمُعاونتها لليُمنى
. ومظاهر اليسر كثيرة منها :
1- أنه تعالي جعل الصوم أياماً محدودة معدودة قال تعالي " أياماً معدودات
" البقرة : 184 . أي مُقدَّرة بعدد معلوم
قال تعالي : " دراهم معدودة " يوسف : 20 . أي قليلة وفي ذلك كما قال القفال رحمه الله تعالى فيه (تنبيه
لسعة فضله ورحمته).ومن هذه المظاهر.
2- أنه تعالي نهى عن الوصال فيه حيث جعله إلى
غروب الشمس قال تعالي " ثُمَّ أتموا الصيام
إلى الليل "البقرة: 187. قالت عائشة
- رَضِيَ الله عنها - : الليل غاية الصوم
. وفي الصحيح "إذا أقبل الليل وأدبر النهار،
وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم".أخرجه أحمد في المسند وأورده مسلم في صحيحه كتاب
الصيام. باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار.
وفي هذا نهي عن الوصال ؛ لأنه يضعف الجسد ويميت النفس، ويضعف عن العبادة.
3- التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة، كقوله تعالى: "علم أن لن تحصوه فتاب
عليكم" [المزمل: 20] يعني خفف عنكم. وقوله عقيب القتل الخطأ: "فمن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين توبة من الله" [النساء: 92] يعني تخفيفا، لأن القاتل خطأ
لم يفعل شيئا عامدا قاصدا تلزمه التوبة منه
حيث لم يتعمد هدم بنيان الله تعالى ولا إزهاق روح أبدعها الله تعالى ، وقال تعالى:
"لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة"
[التوبة: 117] ولم يكن من النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - ما يوجب
التوبة منه. فالتوبة في كل هذه الآيات بمعني التخفيف وقد تأتي التوبة بمعنى الإباحة
والرخصة ، وعلى هذا المعنى قد أحلَّ الله تعالى للصائم في ليله الرفث إلى نسائه وقد كان ذلك من قبل حراماً بحيث إذا أدرك الصائم
النوم قبل إصابته ما يريد من أهله فقد
حرم عليه ذلك إلى اليوم التالي والرفث : كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة قال تعالي " أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى
نسائكم" البقرة: 187. روى البخاري في صحيحه كتاب الصوم. باب: قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث
إلى نسائكم من حديث البراء رَضِيَ الله عنه قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون
النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل اللّه تعالى: "علم اللّه أنكم
كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم" البقرة: 187.يقال: خان واختان بمعنى
من الخيانة، أي تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي الصوم. ومن عصى اللّه فقد خان نفسه
إذ جلب إليها العقاب. وقال القتبي: أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة
فيه. وسماه خائنا لنفسه في قوله تعالى (تختانون أنفسكم ) البقرة: 187.من حيث كان ضرره
عائدا عليه، وذكر الطبري: أن عمر رضي اللّه تعالى عنه رجع من عند النبي - صَلَّى الله
عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - وقد سمر عنده ليلة فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت له:
قد نمت، فقال لها: ما نمت، فوقع بها. وصنع كعب بن مالك - رَضِيَ الله عنه - مثله، فغدا عمر - رَضِيَ الله عنه - على النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم
- فقال: أعتذر إلى اللّه وإليك، فإن نفسي زينت لي فواقعت أهلي، فهل تجد لي من رخصة؟
فقال لي: (لم تكن حقيقا يا عمر) فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن.
وذكره النحاس ومكي، وأن عمر نام ثم وقع بامرأته، وأنه أتى النبي - صَلَّى الله عَلَيْه
وَآَلِه وَسَلَّم - فأخبره بذلك فنزلت: "علم اللّه أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب
عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن" البقرة: 187
"4- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه تعالي أسقط الصوم عمن يجدون
مشقة في القيام به ( وهذا على رأي البعض) ممن يرون سقوطه بالكلية على فهم لقوله تعالى
(ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) البقرة 286 .قال الله تعالى قد فعلت. كما في صحيح
مسلم من حديث ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما -
قال: لما نزلت "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"
قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء. فقال النبي -صَلَّى الله عَلَيْه
وَآلِه وَسَلَّم- "قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا" قال، فألقى الله الإيمان
في قلوبهم. فأنزل الله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا (قال: قد فعلت) ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته
على الذين من قبلنا (قال: قد فعلت) واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا (قال: قد فعلت) البقرة/
آية-286]. أخرجه مسلم كتاب الإيمان. باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق.
5- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه تعالي عدل بأصحاب الأعذار المؤقتة
إلى حين زوال هذه الأعذار قال تعالى " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدَّة
من أيام أُخر " . البقرة: 184.وقد قبل تعالى ذلك منهم قضاء كما قبله من غيرهم
أداء.
6- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه عدل بأصحاب الأعذار الدائمة
إلى البدل وهو الفدية قال تعالى " وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين
". البقرة: 184. مثل الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة والحامل والمرضع إذا تتابع
حملهما وإرضاعهما والمسافر سفرا دائما كالسائق والمريض مرضا مُزمنا. روي عن أبي هريرة
رَضِيَ الله عنه قال: من أدركه الكبر فلم يستطع أن يصوم فعليه لكل يوم مد من قمح. وروي
عن أنس بن مالك رَضِيَ الله عنه أنه ضعف عن الصوم عاما فصنع جفنة من طعام ثم دعا بثلاثين
مسكينا فأشبعهم.
7- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه في القضاء للصائم له أن يُتابع وله أن يُفرِّق بين أيام
القضاء قال أبو عبيدة رضي الله عنه
( لم يُرخص لكم في الفطر وهو يريد أن يُشق عليكم في القضاء إن شئت فواتر وإن شئت ففرِّق
) وعلى استحباب التتابع جمهور الفقهاء. وإن فرقه أجزأه، وبذلك قال مالك والشافعي رَضِيَ الله عنهما. والدليل
على صحة هذا قوله تعالى : "فعدة من أيام أخر" البقرة: 184. هكذا بإطلاق ولم
يخص أو يحدد متفرقة من متتابعة، وإذا أتى بها متفرقة فقد صام عدة من أيام أخر، فوجب
أن يجزيه". قال ابن العربي: إنما وجب التتابع في الشهر لكونه معينا،( قلت لقوله تعالى " فمن شهد منكم الشهر فليصمه
" البقرة: 185 .وقد عدم التعيين في القضاء فجاز التفريق. لما قال تعالى:
"فعدة من أيام أخر" البقرة: 184.دل ذلك على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان،
لأن اللف مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض
8- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أنه في البلاد القطبية التي يكون
فيها الليل نصف سنة في القطب الشمالي بينما يكون في القطب الجنوبي على العكس من ذلك
تماما أباح لهم الشرع يُسراً منه تعالى ولرحمته الواسعة
أن يقْدروا لزمن الصوم نهاراً وليلاً نهارا وليلاً وهكذا مُدَّة تُساوى مُدَّة
شهر رمضان والتقدير يكون على البلاد المُعتدلة
الأقرب إليهم ، أو البلاد التي وقع التشريع فيها كمكة والمدينة . وذلك أمارة يُسر الإسلام .وذلك قياسا على الصلاة أيام فتنة الدجال فعندما
أخبر النبي - صَلَّى الله عَلَيْه و آلِه وَسَلَّم – عن لبثه في الأرض قال - صَلَّى
الله عَلَيْه و آلِه وَسَلَّم -: "أَرْبَعُونَ يَوْماً، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ
كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ". قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ
يَوْمٍ؟ قَالَ: "لاَ، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ".. قلت وكذا الصوم يُقدر للنهار
قدره فيصام ولليل قدره فيفطر فيه والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
9- ومن مظاهر يسر الإسلام في تشريع الصوم أن القضاء للأيام التي أفطرها المسلم لمرض أو لسفر على التراخي وليس على الفور ففي الصحيحين
من حديث عائشة رضي اللّه عنها قالت: يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه
إلا في شعبان، الشغل من رسول اللّه، أو برسول اللّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه
وَسَلَّم -. في رواية: وذلك لمكان رسول اللّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم
-. وهذا نص وزيادة بيان للآية. وذلك يرد على داود قوله: إنه يجب عليه قضاؤه ثاني شوال.
ومن لم يصمه ثم مات فهو آثم عنده، وقال بعض الأصوليين: إذا مات بعد مضي اليوم الثاني
من شوال لا يعصي على شرط العزم. والصحيح أنه غير آثم ولا مفرط، وهو قول الجمهور، غير
أنه يستحب له تعجيل القضاء لئلا تدركه المنية فيبقى عليه الفرض. هذا وقد كان ذلك منها
- رَضِيَ الله عنها - للرخصة والتوسعة على
عباد الله تعالى رحمة منه عز وجل بهم وقد كان ذلك بمحضر ومشهد من رسول الله -صَلَّى
الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم- فضلا عن أنه -صَلَّى الله عَلَيْه وَآلِه وَسَلَّم-
كان يصوم معظم شعبان فلا حاجة له فيهن - رَضِيَ الله عنهن - في النهار وثالثة هي أنه إذا جاء شعبان يضيق وقت
القضاء فإنه لا يجوز تأخيره عنه وفيه كذلك إشارة إلى أن حقوق الزوج من حسن العشرة وتمام
الخدمة يقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضا محصورا في الوقت. وهذا أيضا وجه من أوجه
اليسر في الإسلام. فحقوق العباد تقوم على المشاحة بينما حقوق الله تعالى تقوم على المسامحة.
10-ومن مظاهر اليسر في الإسلام في تشريع الصوم أنه شرع الكفارة جبرا للخلل
الذي وقع ممن أفسد صومه بمجامعة أهله نهارا عامدا بله شرع له أن يُطعم عياله من كفارته
التي أقطعه إياها ففي صحيح البخاري كِتَاب
الصَّوْمِ. / باب: متى تجب الكفَّارة على الغني والفقير. من حديث أبي هريرة رَضِيَ الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى
الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - فقال: هلكت. قال: (ما شأنك). قال: وقعت على امرأتي
في رمضان، قال: (تستطيع أن تعتق رقبة). قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين).
قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً). قال: لا. قال: (اجلس). فجلس، فأتي
النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - بعرق فيه تمر - والعرق المكتل الضخم
- قال: (خذ هذا فتصدق به). قال: أعلى أفقر منا؟ فضحك النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه
وَسَلَّم - حتى بدت نواجذه، قال: (أطعمه عيالك).
11- ومن مظاهر اليسر عدم مشروعية الوصال للحديث الصحيح: " لو مُدَّ
بي الشهر، لواصلت وصالاً يدع المتعمِّقون تعمُّقهم"). أخرجه البخاري في صحيحه
كتاب التمنِّي. باب: ما يجوز من اللَّو. وأخرجه
مسلم في صحيحه كتاب الصيام. باب النهي عن الوصال في الصوم. ولهذا النص أولى بالمسلم
أن يستمسك بالكِتَاب وَالسُّنَّةِ. ويقف حيث أوقفه رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه
وَآلِه وَسَلَّم- وذلك لمَا يُكْرَهُ في الشرع
الحنيف مِنْ التَّعَمُّقِ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ.. وقال - صَلَّى الله عَلَيْه
وَآَلِه وَسَلَّم -: (إياكم والوصال إياكم والوصال) تأكيدا في المنع لهم منه، أخرجه
البخاري كتاب الصوم. باب: التنكيل لمن أكثر الوصال..
وعلى كراهية الوصال - لما ذكرنا ولما فيه من ضعف القوى وإنهاك الأبدان
- جمهور العلماء. وقد حرمه بعضهم لما فيه من مخالفة الظاهر والتشبه بأهل الكتاب، قال
- صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم -: (إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب
أكلة السحر). أخرجه مسلم كتاب الصيام. باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره
وتعجيل الفطر. وأبو داود. في سننه كتاب الصيام. باب في توكيد السحور والمعنى أن السحور
هو الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب لأن الله تعالى أباحه لنا إلى الصبح بعد ما
كان حراماً علينا أيضاً في بدء الإسلام وحرمه عليهم بعد أن يناموا أو مطلقاً ومخالفتنا
إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة وفيه اعلام بأن هذا الدين يسر ولا عسر فيه، وفي صحيح
البخاري كِتَاب الصَّوْمِ. باب الْوِصَالِ وَمَنْ قَالَ لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ.
من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ الله عنه -
أنه سمع رسول اللّه - صَلَّى الله عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم - يقول: (لا تواصلوا
فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) قالوا: فإنك تواصل يا رسول اللّه؟ قال: (لست
كهيئتكم إني أبيت لي مطعم وساق يسقيني). قالوا: وهذا إباحة لتأخير الفطر إلى السحر،
وهو الغاية في الوصال لمن أراده، ومنع من اتصال يوم بيوم، وبه قال أحمد وإسحاق وابن
وهب صاحب مالك.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire