أعلان الهيدر

الرئيسية دلالة العولمة، دلالة الخصوصية و الكونية

دلالة العولمة، دلالة الخصوصية و الكونية

دلالة الخصوصية و الكونية
دلالة العولمة:
العولمة تعبير مستحدث أخذ يجري على الألسنة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وتبلور نظام عالمي جديد، أحاديّ القطبية، تقوده أمريكا، ومن ورائها دول عديدة تسعى في نفس المضمار، ولا يحدث بينها – غالبا - خلاف في قرار، فشاع استعمال "لفظ العولمة" للدلالة على اكتساح الرؤية الغربية في السياسة الدولية لوجه الأرض، فلا يخرج عن هذه السياسة الدولية التي تضع أسسها الولايات المتحدة، وتبرزها وتخرجها الأمم المتحدة إلا قليل من الدول، التي يؤدبها الحصار الاقتصادي (ليبيا) أو العداء السياسي والانقطاع الدبلوماسي (إيران) أو العدوان المسلح (السودان وأفغانستان).
 ولم يقف تعبير (العولمة) عند المجال السياسي وحده، بل تعداه إلى مجالات أخرى عديدة حتى صار يعني: خضوع الشعوب لمجموعة النظم والأفكار والعادات والتقاليد السائدة في (الغرب) في المجالات الاجتماعية والسلوكية والاقتصادية بجميع مظاهرها وعللها، ما صلح منها وما فسد على السواء إلى جانب المجال السياسي بالطبع، وهذا ما أعلنه الرئيس كلينتون في خطابه في الأمم المتحدة في دورة انعقادها الثامنة والأربعين، حين بيّن سياسة بلاده الخارجية التي تقوم على الأسس الأربعة الآتية:
 1- تقوية وتوحيد المجتمعات الديمقراطية الصناعية.
 2- التبشير بالديمقراطية والعمل على نشرها في العالم.
 3- التبشير باقتصاديات السوق (الخصخصة) والعمل على تطبيقها في العالم.
 4- حصر وتطويق الدول غير الديمقراطية. (قضايا دولية العدد 198 ص16).
دلالة الخصوصية و الكونية
يبدو أنّ ما يسم الواقع الإنساني من تعدد وتنوع واختلاف، وما يميّز الإنساني من نزوع نحو الكوني من ناحية وما يمثل القاسم المشترك في الفضاء الإنساني من ناحية أخرى بما هو مؤشر على الوحدة، أو الوجود النوعي للإنسان من ناحية أخرى ما يشرّع النظر في مثل هذه المسألة، علاوة على ما اقترن به واقع الاختلاف من صراع أو صدام وعنف مورس تحت شعارات مختلفة، فحرب الآلهة أو الحرب باسم الدفاع عن حقوق الإنسان أو من أجل نشر قيم الحق أو دفاعا عن الكرامة الإنسانية أو باسم مقاومة الإرهاب، مقابل ظهور أقليات تدافع عن حقّها في الاختلاف والاعتراف بها بما هي وجود أو كيان مستقل، له هويته المميزة، ما يفيد أنّنا نعيش اختراق ثقافات لخصوصية ثقافات أخرى باسم الكوني، مقابل انغلاق ثقافات معينة على نفسها دفاعا عن الخصوصية ورفضا للكونية، وما تثيره هذه وتلك من جدل يعكس عند البعض أزمة هوية ويعكس عند البعض الآخر أزمة فائض هويات. كيف يمكن للخصوصية أن تنفتح على الكونية دون أن تفقد خصوصيتها؟ ألا يمكن النظر إلى الكونية بما هي الحفاظ على الخصوصية؟ أم هل علينا أن نختار ما بين الخصوصية والكونية؟ ألا يمكن للكونية أن تكون أفق الخصوصية؟ وإذا اعتبرنا أنّ الكوني قيمة نوعية فهل علينا اليوم أن ننقذ الكوني من مخاطر الفراغ الأنطولوجي الذي قد تولده الدعوات المدافعة عن الخصوصيات أم علينا أن ننقذ أنفسنا من كوني لا يفيد إلا صورة مجرّدة للعدم؟ ألا ينبغي أن نميّز بين كوني ينبغي إنقاذه وبين كوني ينبغي أن ننقذ أنفسنا منه؟ وبأي معنى يمكن أن ندافع عن الخصوصية ونعيشها دون القطع مع الكونية؟
تفترض معالجة جملة هذه الإشكالات النظر في العلاقات الممكنة بين الخصوصية والكونية [ علاقات تناظر- تشارط- تكامل –تقابل...] وما تثيره من مفارقات، إذ يمكن مبدئيا القول بأنّ الخصوصية تستدعي الكثرة والتنوّع والفوضى، في حين تحيل الكونية على الوحدة والنظام. فهل يعني ذلك أنّه ليس بالإمكان التفكير في هذه المسألة إلاّ وفق ما تسمح به هذه الثنائيات، أي الفردي في مقابل الكلّي والوحدة في مقابل الكثرة والفوضى في مقابل النظام؟ ألا تترجم هذه الثنائيات عن رؤية اختزالية، تنتهي عادة إلى الانتصار لقطب والتضحية بالآخر؟ تتحوّل هذه الثنائيات على مستوى التجربة البشرية إلى مفارقات تتلخصّ في تمزّق الإنسان بين إنشداده إلى الخصوصية والتفرّد وتوقه إلى الكونية.
يقتضي التفكير في إشكاليات العلاقة بين الخصوصية والكونية منهجيا التساؤل عن دلالة الخصوصية ومقوّماتها.

تحيل الخصوصية على معنى الهوية، على ما هو جوهري وثابت وأصيل ومميز لمجتمع ما أو لأمة أو للنحن الثقافي، لكن هل ينبغي النظر إلى الهوية من جهة اعتبارها مقولة منطقية[منطق الهو الهو، أو الهو عينه] أم من جهة اعتبارها ما يتحقق تاريخيا وما تقتضيه التاريخية من حركة و تغاير وتحول و كسب؟ سؤال الثابت والمتحوّل يحيلنا على سؤال الهوية من جديد من جهة الحق ومن جهة الواقع، أعني هل هي كيان بسيط أم كيان مركب؟ بلغة أخرى هل ترد جذور الهوية إلى ثقافة واحدة منغلقة على ذاتها متأصلة في عمقها أم أنّ جذورها متعددة وأصالتها تستمد من أصالة انفتاحها وقدرتها على التأثر بالتاريخ والتأثير فيه من ناحية ومن قدرتها على الإبداع والتجديد من ناحية أخرى؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.