أعلان الهيدر

الرئيسية الأمطار الطّوفانيّة بتطاوين كما عاشها برفنكيار 1902 و 1905

الأمطار الطّوفانيّة بتطاوين كما عاشها برفنكيار 1902 و 1905

الأمطار الطّوفانيّة بتطاوين كما عاشها برفنكيار

في تطاوين نزلت بين 24 و 26 أكتوبر 1902 كمية 41 مم من المياه ... و في يوم 16 ديسمبر نزلت 40 مم من الأمطار، و قد كنت أقول أن تطاوين لم تحظ خلال العام 1902 بغير 100 مم. وبالتالي فإنّ 8/10 الكميات قد تهاطلت في أربعة أيام فقط. فتحوّل الأودية التي تكون في العادة جافّة إلى سيل جارف. و قد عشت أصداء هذه الزّوابع سنة 1902 حيث نزل وادي تطاوين "فسّي" لمدّة ثلاثة أيام بغزارة كبيرة، هذا الوادي الذي يمرّ على بعد بعض مئات الأمتار من الثّكنة عند أسفل جبل تلالت لا يمثّل في الحقيقة غير ممرّ جافّ مليء بالحجارة المستديرة تشقّه راجلا. و قد تحوّل هذه الأيام إلى سيل جارف عرضه أكثر من 100 م عند خروجه من المضيق ثمّ ينتشر مكوّنا طبقة في السّهل. و يشير لون المياه الأصفر إلى ما تحمله من غرين كما ينبئ الصّوت المدوّي الذي تحدثه ارتطامات الحجارة ببعضها عن سرعة وقوّة هذا السيل الجارف.
و قد حمل وادي تطاوين سنة 1905 حينما كنت بالجنوب و لكنّني لم أتمكّن من معاينة المشهد الرّائع للسّيلان الذي ينحدر من الجبل كالرّعد في دويّه يخترق الواحة محطّما مقتلعا ما يعترض سبيله، قاذفا بمياهه الغرينيّة عبر "الفم". وقد أمكن لي دراسة هذه الظّاهرة في واد آخر أقلّ قيمة وهو وادي الفطناسيّة. فقد كنت ذات ليلة مخيّما عند بئر الفطناسيّة حين فاجأتنا عاصفة مرعبة وهي التي كانت سببا في سيلان وادي تطاوين. فلم تغمض لي عين مخافة أن تقتلع السيول الجارفة خيمتي. ولكن صوت الرّعد ما فتئ أن ترك مكانه لهدير هائل سرعان ما عرفت أنه هدير سيلان مياه منحدرة. ولست أدري إن كنت معرّضا للسّيول، و الهدير يقترب شيئا فشيئا، ثمّ ما لبث الهدير أن تجاوزنا منعطفا مع الوادي من الغرب إلى الشرق ناحية الجنوب، و كم كانت سعادتي وقتها كبيرة فلم يعد هناك من خوف على أمتعتنا و لا خيولنا. وما أن طلع النّهار حتّى خرجت لاستكشاف الوضع: فإذا بي أجد على بعد 150 م من مخيّمنا واديا أقدّر عرضه بين 40 و 50 م وكان يسيل بقوّة يعتبر قطعه معها ضربا من الجنون. لقد كان قبل ليلة فقط خاليا من أية قطرة ماء. و اليوم عند منتصف النّهار نقص اندفاعه إلى النّصف حتّى إننا تمكنّا من قطعه على خيولنا دون بلل. و في المساء لم يبق منه غير مجرى. و قد علمنا بعد يوم أو يومين أن رجلين اثنين و معهما عشرون بعيرا فوجئا في مجرى الوادي و أنهم غرقوا جميعا. و لا شكّ أنّ حالنا سيكون أسوأ لو تواصل نزول الأمطار لأننا ضربنا خيامنا عند منخفض، في بحيرة الشّيخ سعيد بن عمر، وهي عبارة عن سهل كثير الرمال و المنقولات دائم الجفاف و لكنّه يمكن أن يتحوّل إلى بحيرة أو مستنقع شاسع نتيجة لما يمكن أن تحمله له شعابه الكثيرة من مياه.
ليس من الغريب، مع هذه الأمطار الطّوفانيّة، أن يكون لمياه السّيلان دور مهمّ على الأقل بين الحين و الآخر، فسفوح الجبال كثيرة الأخاديد. و حين نرى قوّة السّيلان فسوف لن نستغرب ممّا تجرفه المياه من حجارة و قطع كبيرة مثلّمة كما نشاهده في وادي تطاوين و في امتداده في وادي فسّي و في غيره من الأودية.
المصدر: برفنكيار (ليون): الجنوب التّونسي. ترجمة (مخطوط) الضاوي موسى.
الأمطار الطّوفانيّة بتطاوين كما عاشها برفنكيار


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.