أعلان الهيدر

الرئيسية بحث حول الوطن القبلي-ولاية نابل

بحث حول الوطن القبلي-ولاية نابل


الوطن القبلي
الفهرس
مدينة الهوارية من ولاية نابل
المعالم الاسلامية في مدينة نابل بالبلاد التونسية
الحصون والأبراج في نابل التونسية
عين طبرنق في نابل بتونس
المقابر البونية بولاية نابل تونس
كركوان في مدينة نابل التونسية
معالم من كل العصور في ولاية نابل
نيابوليس ، عاصمة تمليح السّمك بنابل


الوطن القبلي أو النفق بين إيطاليا وتونس هو مشروع إنجاز نفق تحت البحر بين مقاطعة تراباني بصقلية (إيطاليا) والوطن القبلي (تونس) بتكلفة إجمالية قد تصل إلى 20 مليار دولار أمريكي، ويبلغ طوله 60 كم.  ستكون مدة إنجازه حوالي 10 سنوات.
انطلق هذا المشروع من فكرة أعدتها مجموعة من رجال الأعمال الإيطاليين، تزعمها رجل الأعمال المعروف أنطونينو غالوني، وقدمها أثناء ندوة دولية في مدينة كيدريش الألمانية في 15 سبتمبر 2007. ويستهدف النفق ربط وسط أوروبا بقلب شمال أفريقيا‏،‏ ويضم النفق شبكات هاتفية بين البلدين وشبكة كهربائية، فضلاً عن أنابيب الغاز الطبيعي الجزائري،‏ ومن المتوقع أن يشهد النفق مرور نحو ‏30.000‏ سيارة يوميًا في الاتجاهين بما يحقق دَخْلاً لا يقل عن ‏5‏ مليارات يورو سنويًا‏، إذ سيبلغ معلوم استخلاص عبور النفق 100 يورو في البداية.‏
مدينة الهوارية من ولاية نابل
بححث حول الوطن القبلي

 مدينة الهوارية التي يؤكّد علماء الآثار أنّها ربّما كانت مدينة يونانيّة تسمّى “هرميا” هي الموقع المثالي الذي اتّخذه الغزاة موطئ قدم لاحتلال الرّأس الطيب وباقي البلاد، أطلق عليها الرومانيون اسم “ماركوريان” لأنّها كانت تحتضن معبدا للإله هرمس / مركور (عطارد).
وأهمّ ما عثر عليه في هذه المدينة محاجرها الكبيرة التي تعكس مدى عبقريّة سكّان ذلك العصر في استنباط طرق هندسية لاستخراج الحجارة والرخام من باطن الأرض. وتنقل تلك الحجارة العملاقة بحرا لتشييد بيوتات ومعابد قرطاجة والمدن المجاورة مثل كركوان و قليبية، وقد أطلق عليها القدماء اسم “لاتومي” أي السجون وتسمّى لحدّ اليوم “الغار الكبير” وقد صمّمت على شكل آبار تفضي إلى مغاور تفتح أحد جنباتها على البحر، وكل غار يأخذ شكل إبريق قاعدته تبلغ 27 مترا طولا و 15 مترا عرضا وتستخرج منها الحجارة أفقيا عبر فوهة البئر وهي حجارة صلبة رخامية أو ما يسمّيه المعماريّون بالحث وهو حجر رملي أو صلصال رملي صلب على شكل أعمدة مستطيلة مربّعة الجوانب  وقد واصلت تلك المحاجر طوال العصور القديمة مدّ كل المنطقة بحجارتها الصّلبة.
ولمّا غزا البيزنطيّون المنطقة استغلّوا تلك المغاور كثكنات تحمي جيوشهم لأنّ تلك الجبال عرفت بتضاريسها الوعرة، ولعلّ إطلاق بعض المؤرّخين القدامى اسم السّجون على هذه المعالم يعود إلى عصر “أغاتوكل طاغية صرقوسته الذي غزا المنطقة سنة 310 ق. م. لتشابه شكلها مع السّجون عندهم.
وفي أحد المغارات صخرة على شكل جمل جاثم  تثير انتباه كل زائر، وكم نسجت حولها من خرافات محلية وتبارك بها بعض البسطاء.
المعالم الاسلامية في مدينة نابل بالبلاد التونسية
بححث حول الوطن القبلي

كان الوطن القبلي في أحدى حقب التاريخ يحتضن عاصمة البلاد وهي مدينة باشو التي لم يبق منها إلاّ مسجد، كما كان يطلق على الوطن القبلي اسم جزيرة أبو شريك، ولكن المعالم الإسلامية الكبرى  اندثرت كالقصور وبيوت “العسّة” التي اتخذها المتصوفون خلوة ومكانا لمراقبة الغزاة، ولئن بقيت في بعض المناطق آثار إسلامية كالمسجد الذي شيّد وراء المعبد الرّوماني بمدينة عين طبرنق فإن المعالم الإسلامية تمثّلت في المنارات والصّوامع وخاصّة في المدن العتيقة كمدينة الحمامات التي احتفظت بمخطّطها نسبيّا ومدينة نابل العتيقة التي لم تحافظ على أسوارها.
ويصف لنا الرحالة تلك المدن ويؤكّدون على دقّة تخطيطها و تعود أهمّ المعالم الإسلامية في الوطن القبلي إلى فترة استيطان الأندلسيين بالمنطقة الذين أحيوا أراضيها وجلبوا لها أنواعا جديدة من الغراسة والأساليب العمرانية   .
  وتبدو المدينة الإسلامية ذات تخطيط متميّز إذ يتوسّطها الجامع الكبير كما هو الأمر بالنسبة للحمامات و نابل و سليمان ومن المسجد الجامع تنطلق الشوارع نحو الجهات الأربع تتخلّلها الأحياء والأسواق والورشات وتحيط بها أسوار كالتي مازالت  قائمة إلى حدّ اليوم في حين أن نابل فقدت أسوارها كما سبق، نتيجة المدّ العمراني.
من أجمل المعالم صومعتان أندلسيتان في مدينة سليمان الأولى تعتبر سنّيه إذ أنها مربعة القاعدة والأخرى مثمّنة وهي من طراز المنارات الحنفية.
إذا كانت صومعة الجامع الكبير بالحمامات قد رمّمت حديثا فإنّها
ترجع إلى العهد الحفصي وتنتصب  بعض الصّوامع الفريدة في معمارها شاهدا على تطوّر المعمار الإسلامي مثل صومعة مسجد النّورية بنابل.
ومن الطّريف أنّ برج قليبية الذي هو في الأصل معلم  بوني تتالت عليه الحضارات ذات الدّيانات غير الإسلامية يحتوي على مفردات عمرانية ذات  طابع إسلامي ترجع إلى العصر الصّنهاجي وعهد الحفصيّين.
الحصون والأبراج في نابل التونسية
بحث حول الوطن القبلي

تؤكـّد النّصوص القديمة وخاصّة مؤلفات الرحالة وكـذلك الدّراسات الحديثة أن ضفاف الوطن القبلي كانت محمية بالعديد من القصور والحصون وبيوت المراقبة وقد أحصى الباحث محمد الطّاهر المنصوري مالا يقلّ على 13 قصرا اندثرت كلّها ولم يبق منها إلا بعض الجدران في قربة و منزل حرّ بيْد أنّ ما صمد من الحصون القديمة حصنان يعدّان من أهمّ الحصون القائمة التي تحدّت الزمن إلى جانب حصن قفصة البيزنطي وحصن طبرقة الشهير.
الحصن الأول شامخ على قمّة جبل مقابل البحر بمدينة قليبية والثاني برج أو حصن الحمامات الذي مازال محافظا على مكوناته الأساسية.
أمّا حصن قليبية الذي هو الآن في طور الصيانة ومواصلة الحفريات فهو يرجع إلى العصور القديمة وقد أدخلت عليه العديد من الترميمات والتغييرات وقد استغل كثكنة للجيوش الفرنسية الغازية في آخر القرن التاسع عشر ويعود معماره الحالي إلى الفترة الحسينيّة محتويا على بقايا المعمار البيزنطي إذ هو في الأصل حصن بوني أعاد بناءه البيزنطيون كآخر قلاعهم واحتمى به آخر من تبقّى منهم عام 698 عند انتصار العرب عليهم و هروبهم نحو جنوب أوروبا.
وتحوّل هذا الحصن إلى رباط استغلّه الفاطميون والصّنهاجيون والحفصيّون إلى أن احتلّه الإسبان أثناء حملة “شارلكان” وهو يعتبر الآن أهمّ حصن إسلامي قائم الذات في تونس.
أمّا حصن مدينة الحمامات فيرجع بناؤه إلى القرن الخامس عشر ميلادي على أنقاض حصن قديم من القرن الثاني عشر كان هدفا لهجوم آخر الصليبيين الذين تمركزوا في مالطا وكانوا يسمّون مدينة الحمامات بالمحمّدية أي مدينة محمد.
أدخلت على هذا الحصن عدّة تعديلات وأتى تخطيطه على شكل مربّع يفضي إليه مدخل وحيد  استغل ذلك الحصنّ كقشلة وسجن ثمّ ثكنة للجيوش الفرنسية التي تصدّى لها بضراوة سكان المنطقة ويتوسّط ذلك الحصن مقام الوليّ الّصالح “أبو علي وعندما يتسلّق مدارجه الزّائر يكتشف أحد أجمل المشاهد التي تعكس روعة تمازج زرقة خليج الحمامات وخضرة الجبال المجاورة.
عين طبرنق في نابل بتونس
تمثّل مدينة عين طبرنق الأثرية أحد أهمّ المعالم العتيقة في الوطن القبلي وأطرفها وهي للأسف مازالت مهجورة ولا تجلب محبّي السّياحة الأثريّة لبعدها عن الطريق الرّئيسية. كما أنّها إلى جانب مواقع أخرى من منطقة قرنبالية تقع في سفح جبل الحاج جمعة ومقابل سد المصري وكأنّها ناء ت بنفسها بعيدا عن المسالك الكبرى وتعدّ معالمها نموذجا للدّارسين لما تحويه من أساليب معمارية متنوّعة من رومانية وبيزنطيّة وإسلامية وهي المدينة الوحيدة  في شمال إفريقيا التي احتفظت لنا بعبقريّة من شيّدها في فنّ استخراج الماء الصّالح للشّراب والري من باطن الأرض وإقامة سدود طريفة وقنوات وأحواض محكمة التخطيط لتوزيع المياه بطريقة  ذكية وهي مثال للمدن ذات الجذور البونية التي طوّرها الرّومان والبيزنطيّون واستقرّ بها المسلمون في بداية فتحهم للبلاد التونسيّة كما يشهد على ذلك مسجد تبدو معالمه بارزة فوق القمّة التي تعلو العيون المتدفّقة إلى حد اليوم.
ويقرّ الأثريّون أن حمّاماتها التي تعود إلى القرن الأوّل ميلادي هي من أقدم الحمامات الرّومانيّة التي شيّدت في إفريقية.
عين طبرنق معلم يستحق كلّ العناية  والزّيارة.
المقابر البونية بولاية نابل تونس
بحث حول الوطن القبلي

  كان البونيّون يعيرون اهتماما كبيرا للمثوى الأخير فأتت قبورهم محفورة في الجبال على شكل بيوت مكعّبة الشكل ممّا أطلق عليها اسم “الحوانيت” (جمع حانوت ويسمى لحد اليوم المختص بتكفين الموتى في مصر بالحانوتي) وهي قبور إمّا تحفر عموديّا على جنبات جبال صخرية مثل حوانيت سيدي الأطرش وراء مرتفعات بئر بورقبة أو تحفر أفقيا  على هضبة صخريّة. ويعتبر الوطن القبلي المنطقة التي عثر فيها على أهمّ هذا الصنف من القبور البونية بعد سلسلة ذلك الضرب من المقابر التي عـثر عليها في جبال الخمير وفي جبال مقعد وتشهد تلك المقابر على أنّ الوطن القبلي كان وجهة ومعبرا لأولى الحضارات المتوسّطية القديمة.
تتناثر تلك المقابر في مختلف أنحاء الوطن القبلي وأهمّها ما يوجد بجبل المنقوب في منطقة سيدي الأطرش وفي مدينة منزل تميم تحت زاوية سيدي سالم وإلى جانب مدينتي قليبية والهوارية العتيقتين.
وقد كانت تلك القبور، أثناء فترة الحماية الفرنسية، وجهة لسرقة الآثار حتّى أفرغت من محتوياتها غير أنّ بعضها تمّت دراسته، ولحسن الحظ فقد احتفظ بعضها بقطع أثرية ذات أهمية فائقة لدراسة تلك العصور على شكل تحف من الخزف والبرنز وحتّى من الذّهب الخالص إلى جانب عدّة أنواع من النقود.
ويأتي كل قبر أو حانوت على شكل مكعب به مرقد ومخدّة وكأنّ البونيّين يرفضون مفهوم الموت ويعتبرونه سباتا أزليّا في انتظار القيامة، وقد وشـّحت  جدران البعض من تلك الحوانيت برسوم هندسية مازالت قائمة إلى الآن.
بوبوت أو الحمامات العتيقة بنابل
يبدو موقع مدينة الحمامات العتيقة، والتي يعود تشييدها إلى العصر الروماني، محاصرا بالنزل السياحية وذلك في مفترق الطّرق المؤدّية إلى تونس والحمامات الجديدة وسوسة.
كانت الحمامات القديمة في بدايتها مجرّد قرية دون استقلال ذاتي على المستوى البلدي وتابعة لمدينة سياغو أي بئر بورقبة العتيقة وتحوّلت تحت حكم “كومود” إلى مستعمرة رومانية تحت رعاية سالفيوس جاليانونس قنصل إفريقيا الذي يلّقب “بسيّد المدينة” كما أتى في أحد النقوش التي عثر عليها في موقع المدينة.وككلّ المدن الرّومانية شيّد بالحمامات معبد ومسرح وحلبة صراع.
    كانت الحمامات القديمة محط اهتمام المؤرخين من خلال حملتين للتنقيب على آثارها في القرنين التاسع عشر والقرن العشرين، توقّفت مدّة طويلة، ولما أعيد التنّقيب فيها مع بداية الستّينات برز من تحت الأنقاض منزلان واسعان وحمّامات وكنيسة رومانيّة.
يرجع تشييد أحد المنزلين إلى القرن الثاني والآخر إلى القرن الخامس بعد الميلاد وقد رصّعت أرضيتها بفسيفساء بيضاء وسوداء. أحداها تمثـّل رأس  ديونيزوس إلاه النبات وخاصّة الكروم والخمور ومنزل بجنوب الموقع رصّفت أرضيته بفسيفساء ذات أبعاد هندسيّة عليها مشاهد تمثّل عصافير ومشاهد صيد ربّما تعود إلى القرن الرّابع ميلادي.
أهمّ ما عثر عليه في ذلك الموقع المقبرة الشاسعة التي تمسح خمسة آلاف متر مربع، وكشف حفر قبورها، التي بلغ عددها 1300 قبر، عن عدّة قرابين تعدّ أهم ما وقع اكتشافه من نماذج تلك القطع في البلاد التونسية.
كركوان في مدينة نابل التونسية

تبدو كركوان بين أحضان الغابة والبحر درّة أثرية بونيّة ظلّت تحت الأنقاض أحقابا بعد تدميرها  وربّما كان ذلك قدرها حتى تحتفظ لنا بما كان عليه تخطيط المدن البونية.
كركوان هي اليوم المدينة البونية الوحيدة التي بقيت في العالم  احتفظت لنا بما كان عليه نمط المعمار في العهد البوني.
وكركوان مدرجة على قائمة اليونسكو للمواقع التراثية العالمية، أمّا تسميتها فمجهولة، ويؤكّد الباحث محمد حسين فنطر أنّها كانت تسمّى عند البربر “تامزرت”.
 وفي سنة 310 ق.م دمّرتها جيوش طاغية سيراكوزا آغاتوكل فهي وإن نهضت فترة فقد شهدت تدميرا شاملا  في ما بين سنة 256 / 255 ق.م. من قبل القنصل الروماني روقوليس فأبيد سكانها وتحوّل ما تبقّى منهم إلى عبيد ولم تنهض بعدها.
شيّدت مدينة كركوان حوالي القرن السادس ق.م. كمدينة تابعة لقرطاجة البونية. وتشهد الحفريّات على أنّ كركوان كانت مدينة صيّادين وتجار وحرفيين.
كركوان معلم جميل ومرجع للدراسات البونية خصّها الباحث محمد حسين فنطر على مدى نصف قرن بعناية مكنتها من الحفاظ على معالمها.
يدلّ مرفأها على أنها كانت مدينة تعتمد على البحر إلى جانب استغلالها للأراضي الفلاحية الخصبة المجاورة وكانت تفخر بحرفييها من الزجاجين والخزفيين والصائغين والتجّار والصيّادين وملاحي السمك وصنّاع الصّباغ القرمزي.
وتمثـّل كركوان نموذج البيوت البونية. وفي المتحف المحاذي للمدينة، الذي شيّد على طراز المنزل البوني، تعرض أهم القطع البونية التي عثر عليها أثناء الحفريات منها قطع خزفيّة جميلة وحليّ ومنحوتات ومباخر وهي كلّها عناصر تدلّ على إبداع سكّانها وعلاقتهم مع قرطاجة وغيرها من المدن المتوسّطية في العهد البوني.
يمتدّ موقع مدينة كركوان على مساحة تبلغ بين 7 و 8 هكتارات تنحدر نحو البحر على ارتفاع 3 أمتار تحيط بها حديقة خضراء أتى تخطيطها على شكل دائري يحدّها البحر شرقا وأسوار مزدوجة تنطلق من الشمال نحو الجنوب.
كركوان قلعة شاسعة ذات أشكال معماريّة مدهشة شيّدت بحذق ومهارة، تحيط بها أسوار مزدوجة بينها رواق تفتح منه أبواب تيسّر حركة المرور.
تخطيطها متناغم، شوارعها عريضة تبلغ 4 أمتار وساحاتها مجهّزة بدقّة حسب مثال معماري ييسّر أنشطة المدينة واختصّت بشبكة مياهها وقنوات صرف تلك المياه إذ يبدو لحدّ اليوم أن كل بيت يحتوي على حمام خاص. وفي جنوب كركوان تمّ العثور على موقعين هامّين “دمنة وواد القصب” ـ تمت فيهما حفريات ولم تفتح للعموم بعد ـ شيّدتا على أنقاض تجمّع ريفي روماني بيزنطي يعود إلى ما بين القرنين السادس والسابع ميلادي إلى جانب بقايا كنيسة رومانية قائمة تحيط بها حمّامات ومساكن وحنايا ومقابر تهّددها للأسف أمواج البحر.
معالم من كل العصور في ولاية نابل
تبدو بصمات الإنسان، عبر مختلف عصور التاريخ، فوق كلّ مساحة من أرض الوطن القبلي شاهدة على الحضارات التي تتابعت على ضفاف المتوسّط.
اعتمادا على الدّراسات الضّافية التي قام بها ونشرها باحثون مرموقون أصيلو الجهة أو ممّن تخصّصوا في دراستها وانطلاقا من المدوّنة التاريخية بما شملته من بحوث وحفريات منذ بداية القرن العشرين، فإن الوطن القبلي يتميز بكثافة معالمه إلى حدّ أنه يحتضن معلمين في كل كيلومترين مربعين حسب ما يؤكده الباحث الطاهر غالية .
وهذه المعالم إمّا أنّها اندثرت أولم يبق إلاّ ذكرها في النصوص القديمة ووصف الرحالة والمؤرّخين الأوائل مثل الآثار البونية والرّومانيّة، وبعدها البيزنطية، التي تمّ نفض التّراب عنها وانتشالها من غبار السنين عبر الحفريات العلمية والدّراسات التي تولت فكّ رموزها أو القصور والرباطات وبيوت العسّة التي شيّدها العرب المسلمون في العصر الوسيط.
يعجّ الوطن القبلي بالمواقع الأثريّة التي نجت من حشرجة التاريخ عندما تمّ ترميمها وإبراز جمال معالمها وخبرة و مهارة من شيّدها مثل مدينة كركوان التحفة الأثريّة التي أدرجتها  منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي.
مواقع أثرية جديرة بالزيارة تمّ إبراز تحفها وإبداعاتها بفضل مثابرة بحّاثة مختصّين في العصور القديمة مثل الدكتور الأستاذ محمد حسين فنطر والباحثة عائشة بالعابد والمؤرخ الطاهر غالية الذين تعتبرهم الأوساط العلمية العالمية والمحلّية من أبرز المؤرّخين المختصيّن في العصور القديمة والذين تركوا لنا ولا يزالون مدوّنة ثريّة حول تاريخ وآثار ومعالم  الوطن القبلي التي يعود تشييدها إلى ما يسمّى بالعصور القديمة و تلاهم في هذا الاتجاه باحثون مثل منير فنطر وسمير عون الله الّذين يواصلون التنقيب والحفريّات ونبش النصوص ونشر نتائج دراساتهم كما يقوم بذلك الدّور مؤرّخون أكفّاء مختصّون في عصور أخرى أقرب إلى زمننا تاريخيا مثل محمد الطاهر المنصوري و يحي الغول وراضي دغفوس.
ويفتخر الوطن القبلي اليوم بثرائه الأثري ومدوّنته التراثيّة والدراسات التي  نشرت عن معالمه، فقد حيّنت الخريطة الأثرية التي  أنجزت أواخر القرن التاسع عشر حيث تمّت معاينة جل المواقع التي كانت جاثية تحت التّراب أو قابعة تحت النباتات العشوائيّة وإبراز ثراء تلك المعالم وتعهّدها بالصيانة وإصدار الأدلّة والمعلّقات والشروح المتصلة بها مما حوّلها إلى قبلة لمحبّي التاريخ من التونسيين والأجانب ومن أدق تلك البحوث الحملة الأثرية التي تمّت لمعاينة مواقع جزر الجمور زمبرة وزمبرتا والتي أسفرت عن اكتشاف معالم أثريّة على غاية  من الأهميّة للتاريخ المتوسّطي والعلاقة بين ضفاف البحر المتوسّط. وإذا عدنا إلى القائمة الدقيقة والمستفيضة التي وضعها البحّاثة بعد تحديد المواقع وتثبيت العصور والتدقيق في الأسماء بمختلف اللغات، والتعليق والتحليل بالنص والصورة، نستطيع أن نؤكد أن الوطن القبلي احتضن كل معالم الحضارات المتتالية على ضفاف البحر المتوسط.
تكشف البحوث الأثرية لعصور ما قبل التاريخ التي قام بها الأثريون في مدينة قربة على أنّ الوطن القبلي كان آهلا منذ تلك العصور أي منذ العصر الحجري القديم.
أمّا الحضارة البونية فتتجلّى من خلال مدينة كركوان التي أزال عنها غبار التاريخ الباحث والمؤرّخ محمد حسين فنطر على امتداد أكثر من نصف قرن. أمّا العهد الروماني فقد كان موضوع بحوث قام بها سمير عون الله الذي خصّها بتأليف سيظلّ مرجعا في هذا الميدان إلى جانب بحوث وحملات التنقيب التي قامت بها عائشة بالعابد التي تعدّ الآن مرجعا عالميا بما نشرته من دراسات وكتب تحوّل البعض منها إلى أفلام وثائقية.
تبقى أعمال الطاهر غالية مرجعا أساسيا عندما كان مسؤولا عن الآثار في الوطن القبلي إذ ألّف في هذا الموضوع ودقّق في المواقع تاريخيّا وجغرافيّا.
وها هي قائمة المواقع على سبيل الذكر لا للحصر : “بوبوت” (الحمّامات) نيابوليس(نابل) ، كركوان، عين طبرنق، محاجر الهوارية، برج قليبية وبرج الحمامات أيضا،  لمسات الأندلس في سليمان ، بقايا ” باشو” العربية، مقابر الأطرش ومنزل تميم، مرفأ صيد التونة الروماني بسيدي داود والقائمة طويلة في انتظار مؤلّف يصدر يوما ما يعكس السجل التاريخي للمعالم الأثرية في الوطن القبلي.
نيابوليس ، عاصمة تمليح السّمك بنابل
بحث حول الوطن القبلي

 يصف الإدريسي في رحلته في القرن الثاني عشر مدينة نيابوليس  بأن رسوم وأثار ما تبقى من المدينة الرومانية يغطي مساحة هائلة مما يدل على أنها كانت من كبريات مدن المنطقة .
وتحوّلت مدينة نيابوليس بعد الفتح الإسلامي إلى محجر لتشييد مدينة نابل الحالية إلى أن قام الباحث الفرنسي J.P.Darmon سنة 1965 بالتنقيب عن آثارها ثمّ أستعيد التنقيب في السنوات الأخيرة تلتها بحوث أدّت إلى اكتشاف معلمين غنيّين بالمعطيات التاريخية.
 يتكوّن موقع نيابوليس من مجموعتين أثريتين تمتدان على الشّريط الموازي للبحر.
يمثّل المعلم الأوّل منزلا رومانيّا إفريقيّا يعرف بمنزل الحوريّات الذي كان حسب المختصين معهدا لتدريس الفلسفة. ويعود تنفيذ فسيفسائها إلى أواسط القرن الرابع الميلادي. وتشكل زخارفها الهندسية مشاهد مستوحاة من أعمال هوميروس وسوفوكل مثل صورة البراق وهو ينهل من العيون أو صورة بوزايدون إلاه البحر وبعض الشخوص الخرافية الأخرى.
ونقلت هذه الأعمال الفسيفسائية إلى متحف نابل.
أمّا المعلم الثاني القريب من البحر فهو مجمع حرفي لتمليح الأسماك وتصبيرها وصناعة مادة “القاروم” (نوع من الصالصة يستخرج من أحشاء السّمك) وقد اكتشف الأثريون في الأحواض المغطاة بالاسمنت الحجري جرارا مليئة ببقايا السّمك المتعفـّّن، وإن كانت مصانع تمليح السّمك منتشرة على سواحل الوطن القبلي فإن أهمّها أحواض نيابوليس التي تتميّز بأحجامها الكبيرة.
يتمّ تمليح السّمك وتصبيره في أحواض ستة يبلغ عمقها المترين يقع  فيها تمليح السمك الأزرق  السردين والسكنبري والتونة . كما تصنع فيها مادّة “القاروم”، سائل محبّذ عند الرّومان. ويحيط بتلك المنشآت شوارع ومعلم ديني موشّح بفسيفساء عليها تاج يحيط به شمعتان يضاء أثناء مهرجان الألعاب تبـرّكا بالإلهة أرتميس.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.