أعلان الهيدر

الرئيسية محاكمة سقراط الحكيم

محاكمة سقراط الحكيم

محاكمة سقراط الحكيم


محاكمة سقراط الحكيم
ومن هو المتهم سقراط هذا ؟... إنه الفيلسوف اليوناني المعروف.
في هذا الوقت بلغ السبعين من عمره ، قبيح المنظر بعينية الجاحظين وانفعه الافطس ووجهة الممتلئ ناهيك عن ثيابه المهملة والمكونة من معطف صوفي لا ازرار له ولا حزام  وفوق كل ذلك ، فأنه لا يمشي إلا حافي القدمين ، في الصيف كما في الشتاء . 
ولد سقراط في أثينا عام 469 ق .م في عائلة تعمل في النحت وعبثاً حاول أبواه تعليمه المهنة . كان لا يميل إلا للحوار ومناقشة الآخرين حول مختلف المواضيع داعياً إياهم إلى التفكير معه والتأمل . كان يجوب المدينة يتحدث إلى المار ويستوقف الشباب
يفقههم في أمور الوجود وجوانب الحياة . وأثينا في ذلك العصر من الديمقراطية ، كانت تعج بالفلاسفة ورجال السياسة والأخلاق يسعى الناس إليهم عنهم أصول الفكر وكان هؤلاء يتقاضون عن تعليمهم إتعابا باهظة في معظم الأحيان . إما سقراط فكان يرفض بيع فكره
كان يعتبر ان الفلسفة ممارسة عضوية ويومية ، وإنها وبالتالي ، نمط حياة . وغنى عن القول ان سقراط لم يكن مواطناً اثينيا كالآخرين فهو لم يأبه لماديات الدنيا على الرغم من زواجة وانجابه ثلاثه أولاد بل كان دائم الزهد في ما يشغل الناس . وهذا ما جعله غامضاً، بل وموضع سخرية في الكثير من الأحيان . غير أن سقراط لم يعدم وسيلة لتوضيح حقيقة أمره كان يرد على مسامع محاوريه إن حقيقة إلهية تدفعه للتصرف وان هذه الحقيقة يمكن أن لا تكون سوى ضميره القابع في أعماق نفسه . تلك المشاعر وهذه الأفكار هي التي لم ترق للبعض ، وهي التي اوصلته لان يمثل اليوم أمام المحكمة ، باعتبار انه " يفسد
الشبيبة ولا يؤمن بآلهة المدينة " .
يقال أنه أول رجل أعدم في التاريخ بسبب أفكاره
خمسمائة قاض وقاض جلسوا ، الواحد بجانب الآخر ، على المدرج ذي المقاعد الخشبية المغطاة بالحصر ، وفي مواجهتهم ، رئيس المحكمة محاطاً بكاتبه والحرس  وفي أسفل المدرج وضع الصندوق الذي سيضع فيه القضاة أحكامهم بعد انتهاء المحاكمة .
الجلسة علنية  ولا يسمح فيها لغير الرجال بالحضور  أما الطقس ، فقد كان جميلاً  مما ادخل الارتياح إلى نفوس الجميع وجعلهم يأملون بجلسة كاملة لا يربك مجراها مطر يهطل على الرؤوس أو برد يعطل تواصل الأفكار وإذا بدا لنا أن انعقاد محكمة في الهواء الطلق أمر مستغرب بل وطريف ، اليوم ، فلنتذكر أننا في أثينا ، في صباح من اصبحة ربيع عام 399 قبل الميلاد
متهم اليوم شيخ ذو لحية بيضاء وثياب رثة  انه ابن النحات سوفرونيسك والقابلة فيلا ريت وهو الملقب بسقراط  لكن ما هي التهمة التي سيحاكم اليوم على أساسها؟
 لقد اتهمه احد المواطنين ، ويدعى مليتوس ، بالكفر بالالهه وبإدخال شياطين جديدة إلى المدينة وإفساد الشبيبة وهي تهمة تستحق عقوبة الموت  في بدء الجلسة ، ولم يكن في نظام المحاكمات آنذاك ما يسمى اليوم بالادعاء العام ، وقف المدعي الأول مليتوس يتكلم عن مفاسد سقراط في المجتمع  وأعقبه مدعيان آخران ليكون وانيتوس وكلهم طلبوا الحكم بالإعدام على" العجوز الشرير "  ولانيتوس هذا مبرر أخر للادعاء على سقراط فقد كان ابنه تلميذا من تلاميذ الفيلسوف و " مضللاً به " وهذا ما يفسر انشغاله عن صنعه ابيه وهي الاتجار بالجلود . يضاف إلى ذلك أن سقراط تهكم عليه مرة أمام الناس خلال مناقشة ظهر فيها الجاهل وحديث النعمة على قدر كبير من السخف  ومن سوء طالع العجوز أيضا ، ان كريتياس ، المستبد الدموي والعميل لسبارطة ، كان من بين تلاميذه في فترة من فترات حياته . اتخاذه كريتياس واخرين غيره ممقوتين في مجتنعهم تلامذة له هو من قبيل انفتاحه على الجميع ودون النظر إلى أرائهم السياسية والفلسفة أو إلى نمط الحياة التي يعيشون  وإذا توخينا الاختصار ، قلنا إن سقراط ، بأفكاره ومناقشاته ، بدأ يصبح شخصاً مزعجاً ، ليس للسلطات فقط  بل للآباء الذين رأى بعضهم أبناءه يخرجون عن طاعته ويلحقون بالمعلم.
بعد انتهاء المدعين الثلاثة من كلامهم ، جاء دور المتهم  ومن إجراءات المحاكمة الأثينية في ذلك العصر إن يتولى المتهم شخصياً الدفاع عن نفسه  وإذا كان غير قادر ، فان محترفاً يقوم بتلقينه الدفاع وتحفيظه إياه عن ظهر قلب  يجب أن يستغرق الوقت الذي استغرقه الادعاء لا أكثر .
بدأ سقراط دفاعه برد التهم ومن ثم ، بالانتقال إلى الهجوم ، قال إن من يدعي العلم ، من بين كل من ناقشت وحاورت ، وإنما هم جهلة ولا يفقهون من العلم شيئاً والحقيقة هي اني أعلم الناس ذلك لان الناس يعتقدون انهم يعرفون شيئاً وهم  في الواقع  لا يعرفون اي شئ  أما انا فأني اعرف أني لا اعرفوانتهى سقراط بتحذير القضاة من الحكم عليه بالموت  وأن فعلوا فإنهم لن يجدوا مثله وسيغرقهم الإله والاثنين في سبات ابدي  أما إذا لم يفعلوا فسيعود إلى نشر أفكاره كما فعل دائماً وكما أوحى له ضميره  لم يستدر سقراط عطف القضاة كما يفعل عادة المتهمون الماثلون أمام مثل هذه المحكمة لقد قال ما قاله وجلس دون أي انفعال. أما القضاة ، فقد بدءوا ينزلون المدرج ليضع كل واحد منهم حكمة في الصندوق . هذا الاقتراع هو أولي  انه ينحصر في تقرير تجريم أو عدم تجريم المتهم .
قضت نتيجة التصويت بتجريم سقراط بفارق بسيط في الأصوات : 281 صوتاً ضد220.  ويقتضى القانون الاثيني ، في هذه الحال ، أن يعين المتهم نفسه العقوبة التي يراها ، هو مناسبة . وقف سقراط وأعلن انه يسره ان تتعهده البريتانية  وتعالى الصخب وصياح
الاستنكار من الحضور الذين رأوا في كلامه تهكماً وسخرية من هيئة المحكمة ومن كل الموجودين ذلك لان البريتانية مؤسسة اثينية تتعهد عظام الرجال وتتولى تأمين معيشتهم بشكل لائق وكريم .
ما أن سمع القضاة كلام سقراط ، حتى قرروا أن يصوتوا بأنفسهم على نوع العقوبة ومستواها . نزلوا ثانية إلى حيث الصندوق وصوتوا على أن يكون الحكم بالإعدام هو الجزاء الذي يجب أن يناله سقراط وذلك بأغلبية كبيرة . لقد أوقع الرجل نفسه في التهلكة بعد أن كان يمكنه أن ينقذها بتصرف آخر أكد للجميع انه يسعى للموت بكل رغبة وحماس .
مضى شهر على صدور الحكم . اما طريقة للتنفيذ فهي الأسهل من بين لائحة لا يخلو بعض بنودها من العنف : تجرع كمية من سم يحضر خصيصاً لمناسبةخلال هذا الشهر . جاءه كريتون ، احد تلامذته المخلصين ، عرض عليه ان يقبل الهرب من السجن ، بعد أن يتدبر كريتون أمر رشوة الحراس ، فرفض سقراط قائلاً بوجوب احترام العدالة وقوانينها ، حتى ولو كانت هذه القوانين جائزة . وعاد إلى التحدث مع تلامذته الذين لم يتمكنوا من إخفاء إعجابهم ودهشتهم . لقد استطاع هذا الإنسان أن ينتصر على غرائزه وعلى مخاوفه  وعندما اقترب الوقت المخصص لتجرع السم  دخل سقراط غرفة مجاورة ليستحم وهو يقول :
- أريد أن أوفر على النساء تنظيف جثة ميت .
طال الاستحمام والجلاد ينتظر على الباب  ولما خرج سقراط ، اقترب منه الجلاد وفي يده كأس السم  قدمه إليه وقال له :
- سقراط اعرف انك لن تشتمني كما يفعل الآخرون أنت عاقل وتستطيع ان تتحمل قدرك .
- مرحى لك ! هيا . ماذا علي أن افعل ؟
- لا شئ سوى خطوات قليلة بعد التجرع . وعندما تشعر بثقل في ساقيك ، عليك أن تستلقي والباقي يتولاه السم نفسه .
وتناول سقراط الكأس وتجرعه دفعة واحدة بكل هدوء . لم يتمالك تلامذته مشاعرهم
فانفجروا يجهشون بالبكاء مثيرين غضب المعلم :
- ماذا تفعلون ؟ لقد أمرت زوجتي بالرحيل حتى لا أرى ما يشبه مظاهر الضعف
هذه أريد ان أموت بصمت الخشوع . فتمالكوا مشاعركم .
وصمت الجميع فوراً . بعدها استلقى سقراط كما أشار جلاده . وجاء الجلاد يقيد رجليه ويقول له :
- هل تشعر بشيء؟
- كلا
وطفق الجلاد يشرح للحاضرين ان الموت يصل إلى القلب بعد تبلغ البرودة الرجلين والبطن.وعندما شعر سقراط بهده البرودة تصل إلى بطنه ، أشار إلى تلميذه المخلص كريتون بالاقتراب ليقول له بصوت ضعيف :- كريتون ، في ذمتنا ديك لا يسكولاب . ادفع له ثمنه دون نقاش .- حاضر يا سيدي . هل تريد شيئاً آخر ؟ لم يجب سقراط  لقد اغمضت عيناه ...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.