فَنُ المَقَامَةِ عِنْدَ بدِيْعِ
الزَمَّانِّ الهَمَذَانِيِّ
ضفة الأدب العربي
المقامة
المعنى اللغوي:
1ـ تُستعمل كلمة مقامة بمعنيين فتارة
تُستعمل بمعنى مجلس القبيلة أو ناديها :
وفيهم مقاماتٌ حِسانٌ وجوهها , وأنديةٌ ينتابها القولُ والفعل ُ
2ـ وتارة تستعمل بمعنى الجماعة التي
يضمها المجلس :
فالكلمة تُستعمل منذُ العصر الجاهلي, ونتقدم في العصر الإسلامي فنجد
الكلمة تستعمل بمعنى المجلس الذي يقوم فيه شخص بين يدي خليفة. ثم نتقدم فنراها
تُستعمل بمعنى المحاضرة. وعلى هذه الشاكلة تُعفى الكلمة من معنى القيام, وتصبح
دالة على حديث
الشخص في المجلس سواء أكان قائماً أم جالساً, وبهذا المعنى استعملها
بديع الزمان في المقامة الوعظية.
المعنى الاصطلاحي :
بديع الزمان هو أول مَن أعطى كلمة مقامة معناها الاصطلاحي بين
الأدباء, وهي جميعها تصوَّر أحاديث تُلقى في جماعات : وهو يصوغ هذا الحديث في شكل
قصص يتأنق في ألفاظها وأساليبها.
خصائص المقامة عند بديع الزمان الهمذاني :
1ـ الهدف من المقامة عنده هدف تعليمي
بحت لتلاميذه ليتعلموا أساليب اللغة العربية ليقفوا على ألفاظها ويزيد علمهم
بغريبها وشاردها بدليل أنه أسماها مقامة ولم يُسمها قصة أو حكاية وإنما أراد أن يعرض الهدف التعليمي بأسلوب مُشوق فأجراه في شكل قصصي .
2ـ ليس في قصصه حبكة ولا عقدة وعُمِيَّ
على كثير من الباحثين في عصرنا فظنوها ضربا من القصص وقارنوا بينها وبين القصة
الحديثة ووجدوا فيها نقصا كثيرا , وهذا حَمْلٌ لعمل بديع الزمان على معنى لم يقصد
إليهِ.
3ـ هي حديث أدبي بليغ وهي أدنى إلى
الحيلة منها إلى القصة ـ فليس فيها من القصة إلا ظاهر ٌ فقط ـ لأن الغاية تعليمية
تتأنق باللفظ واللغة البديعة .
المصادر الثلاثة التي استقى بديع الزمان مادته في المقامة :
أ ـ أحاديث ابن دريد من كتاب ( الأمالي ) للقالي , هذا من ناحية
الشكل لأن الغاية عندهما تعليمية .
ب ـ الجاحظ وقصصه عن أهل الكدية , هذا من جهة الموضوع , إذ جعلها في
الكدية .
ج ـ طائفة ظهرت في عصر بديع الزمان هي الطائفة الساسانية نسبة إلى
ساسان واشتهر من هذه الطائفة شاعران ( الأحنف العُكبري وأبو دلف الخزرجي ) فقد
تأثر بهما بديع الزمان .
5ـ البطل في المقامات من تأليف بديع
الزمان, فلم يسبقه باسمه أحد وهو أبو الفتح الإسكندري , أما الراوي فهو عيسى بن
هشام, وهما شخصيتان خياليتان من تأليف الهمذاني.
6 ـ موضوع المقامة عند بديع الزمان ليس
واحداً , مع أن أغلب المقامات موضوعها الكدية والاستجداء إذ يظهر أبو الفتح
الإسكندري في شكل أديب شحاذ يخلب الجماهير ببيانه العذب ويحتال بهذا البيان على
استخراج الدراهم من جيوبهم.
وهو يتراءى في هذه الصورة في بلدان مختلفة ولعل هذا ما يدفع الهمذاني
إلى أن يُسمي المقامات بأسماء البلدان ( أسماء فارسية ) وقد يترك ذلك ويُسمى
المقامة باسم الحيوان الذي يصفه كالأسدية , أو بإسم الأكلة التي يُلم بها أبو
الفتح كالمضرية نسبة إلى أكلة المضيرة . وأحيانا يُسميها بإسم الموضوع الذي يعرض
له كالوعظية لأنها تدور حول وعظ , والقريضية لأنها تدور حول القريض والشعر .
والإبليسية لأنها تتصل بإبليس ,والملوكية لأنها تتصل بملك هو خلف بن
أحمد وهكذا .
7ـ يُلفت انتباهنا مقاماته الست التي
كتبها لِيُشيد بخلف بن أحمد صاحب سجستان , ولم يجعل موضوعها الكدية بل المدح . فقد
أصبح المدح يُقال نثرا كما يُقال شعراً .
وبذلك انعدمتْ الحواجز التي كانت تفصل عالمي النثر والشعر , فكلاهما
يطرقان نفس الموضوعات.
8ـ تطرق بديع الزمان إلى موضوع من
موضوعات النثر وهو النقد الأدبي في مقاماته :المقامة
الجاحظية والمقامة العراقية والمقامة القريضية.
9 ـ كان يُعني بديع الزمان بالماضي كما
الحاضر أيضا.
10 ـ هناك مقامة مهمة أوحتْ لبعض الأدباء
بأعمال باهرة وهي المقامة الإبليسية
أ ـ فقد أوحتْ لابن شهيد أن يكتب رحلته المشهورة في عالم ما وراء
الطبيعة ( التوابع والزوابع(
ب ـ وكذلك أوحتْ لأبي العلاء المعري في رسالة الغفران.
11ـ اختار لمقاماته صيغة السجع وهي
الصيغة التي يعجب بها عصره , وليس هناك معنى يُعسر على البديع التعبير عنه بل
الكلمات تقبل عليه من كل جانب , وهذا يدل على محصول لغوي واسع, ويدل على ذوق بديع
يعرف كيف يختار الكلمة المناسبة, وكيف يضعها في مواضعها فلا نبو ولا شذوذ. بل
دائما دقة وضبط وإحكام في عذوبة .
12 ـ هو يمسح هذا الثراء اللغوي بروح
الفكاهة فتجعلها أكثر قبولا لدى الناس.
13 ـ بعض مقاماته أظهرتْ روح التشاؤم وقد
يكون مرجع الجانبين الفكاهي والتشاؤمي هو حدة في حسه, جعلته مرهف الشعور, وهي حده
كان يرافقها ذكاء شديد وبديهة حاضرة.
14 ـ كان صائغاً ماهراً بارعاً في انتقاء
البديع والسجع الخفيف ـ يستعين بتقصير سجعاتها حتى تصبح رشيقة .
15 ـ اهتم بجانب التصوير والأخيلة .
16 ـ نجد ألفاظ غريبة جدا لأن الغاية تعليمية
, ولذلك حشد فيها أوابد اللغة وشوا ردها المهملة .
17 ـ يستشهد في مقاماته بالشعر والقرآن
والأمثال كثيراً .
أساليب و طرق الإضحاك في مقامات الهمذاني
المَقامات فن قصصي في الأدب العربي أنشأه بديع الزمان الهمذاني في
القرن الرابع الهجري. والمقامة لغةً تعني المجلس، ثم تطوّرت دلالتها لاحقًا فأصبحت
تعني الحديث الذي يُلقى على الناس، إما بغرض النصح والإرشاد وإمّا بغرض الثقافة
العامة أو التّسوّل. ثم اكتسبت أخيرًا دلالتها الاصطلاحية المعروفة.والمقامة
الفنية أو البديعية، كما أجمع النقاد على تعريفها، أقرب ما تكون لقصة قصيرة مسجوعة
بطلها نموذج إنساني مُكد ومتسوّل. وللمقامة راوٍ وبطل، وهي تقوم على حدث طريف،
مغزاه مفارقة أدبية أو مسألة دينية أو مغامرة مضحكة تحمل في داخلها لونًا من ألوان
النقد أو الثورة أو السخرية، وضعت في إطار من الصنعة اللفظية والبلاغية.وعلى الرغم
من أن نشأة المقامة مرتبطة ببديع الزمان، إلا أن ريادته لهذا الفن القصصي مازالت
موضع خلاف بين الدّارسين. ففريق منهم يذهب إلى أن بديع الزمان لم يبتكر هذا الفن
وإنما سبقه إليه كُتّاب آخرون مثل ابن دريد، وابن فارس، والجاحظ وغيرهم. أما
الفريق الآخر فيعتقد أن بديع الزمان هو المبتكر الحقيقي لهذا الفن وأنه لم يُسْبق
إليه. وربما كان الرأي الأقرب إلى الصواب هو أن بديع الزمان قد استعان بكثير من
أشكال الكتابات القصصية التي سبقته وتأثر بمضامينها ليُخرج فن المقامة في شكله
النهائي الذي لم يطرأ عليه أي تغيير يُذكر إلى يومنا هذا.ظلت مقامات بديع الزمان
الهمذاني الاثنتان والخمسون أنموذجًا يحتذيه كتّاب المقامات الذين جاءوا من بعده.
وأول هؤلاء وأشهرهم الحريري الذي كتب مقاماته المشهورة واعترف بريادة بديع الزمان
لهذا الفنثم تبعه عدد كبير من الكتّاب القدامى والمُحدثين فكتبوا في هذا الفن، من
أبرزهم الزمخشري وجلال الدين السيوطي من المشارقة، والسرقسطي من الأندلسيين. وأما
المحدثون فأهمهم اليازجي والمويلحي.يقومالإطار الفني للمقامة على شخصيتين رئيسيتين
مختلفتين هما: شخصية الراوي وشخصية البطل. فالراوي ـ الذي ينتمي إلى طبقة اجتماعية
متوسطة هو الذي يمهّد ـ غالبًا ـ لظهور البطل، يتابعه حيثما حل، وهو في كل هذا
يُحْسِن طريقة تقديم البطل الذي يكون عادة شخصية ساخرة فصيحة ذكية بليغة تنتمي إلى
طبقة اجتماعية متدنية، ولديه قدرة عجيبة على التّنكّر، فهو يجيد لبس الأقنعة،
فتارةً نراه ناسكًا واعظًا وأخرى نديم كأس، ومرة ثالثة فقيهًا وهكذا. وهو في كل
هذه الأحوال يعتمد على الفصاحة والذكاء والحيلة والخداع لنيل هدفه ممن ينخدعون
بمظهره.وبالرغم من أن التّسوّل من أهم موضوعات المقامة، إلا أنها ليست الموضوع
الرئيسي لها، وإن كانت صنعة ملازمة للبطل؛ فقد عالجت المقامة موضوعات شتى مثل
النقد بأنواعه المختلفة : الأدبي والمذهبي والاجتماعي، وفيها التعليم اللغوي
والأسلوبي، والوعظ والإرشاد، والحيلة والأدب والألغاز.تعتمد المقامة في أسلوبها
على قالب السجع، وعلى الإكثار من استخدام المحسّنات البديعية واللفظية بأنواعها
المختلفة، وعلى توظيف الغريب كما هو الحال في مقامات الحريري بصفة خاصة.وحاول بعض
الباحثين أن يربطوا بين المقامة وبعض الأجناس الأدبية الحديثة مثل القصة القصيرة
والرواية والمسرحية، إلا أن المقامة وإن شَابهت هذه الأجناس في بعض خصائصها، فستظل
هذه المشَابهة سطحية. فالمقامة ليست أيّا من هذه الأجناس الثلاثة، إنها جنس قصصي
عربي قائم بذاته.ولفن المقامة أهمية خاصة في مجال الأدب المقارن، فقد قلَّدها بعض
الكتّاب الفُرس، كما يُعتقد أنها أسهمت في ظهور رواية المُكْدِين التي ظهرت في
أسبانيا في القرن السادس عشر الميلادي، ثم شاعت في أوروبا لتصبح مقدمة لظهور
الرواية النثرية بمفهومها الحديث، نظرًا للتشابه الكبير بين البيكارو بطل رواية
المكدين الأسبانية وبين أبي الفتح الإسكندري وأبي زيد السروجي، بطلي مقامات بديع
الزمان والحريري
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire