المقصود بالتوابع والزوابع
التوابع
: جمع تابعة
وتابعة ، وهو الجني والجنية يكونان مع الإنسان يتبعانه حيث ذهب ، الزوابع : جمع
زوبعة وهو اسم شيطان أو رئيس للجن ، ومنه سمي الإعصار زوبعة ، إذ يقال فيه شيطان
مارد كما جاء في القاموس المحيط
وأقول
إن كلمة التوابع :جاءت من فكرة عربية جاهلية قديمة ، من أن لكل شاعر تابعاً من
الجن يتبعه ويلهمه ، فالعبقريات الشعرية القديمة ، كان يظن بها أنها تأتي من
التوابع ، وهذا يذكرنا بقضية الإلهام في الشعر ، فقضية الإلهام قضية تحدث عنها
الشعراء والنقاد قديماً وحديثاً ، والحق أن الشعر إلهام وعبقرية ، و الجن ظن ،
وأما الأودية لعبقر وغيرها هي ظن وإن الظن لايغني من الحق شيئاً
.
فالتوابع
: جمع تابع أو تابعة ، وهو الجن أو الجنية ، يكونان مع الإنسان يتبعانه حيث ذهب
.
وأما
كلمة الزوابع : جمع زوبعة وهي مأخوذة من زوبع أي رئيس ، فالزوابع هم رؤساء
التوابع، أو اسم شيطان .
ورسالة
التوابع والزوابع قصة خيالية يحكي فيها ابن شهيد رحلة في عالم الجن ، قد اتصل
خلالها بشياطين الشعراء ، وناقشهم وأنشدهم وأنشدوه ، وعرض أثناء ذلك بعض آرائه في
الأدب واللغة، وكثيراً من نماذج شعره ونثره ، كما نقدخصومه ، ودافع عن فنه وانتزع
من ملهمي الشعراء والكتاب الأقدمين ، شهادات بتفوقه وعلو كعبه في الأدب ، كل هذا
مع كثير من بث الفكاهات ونثر الطرائف ،وإيراد الدعابات .
وقد
اختار ابن شهيد لرسالته اسم ( التوابع والزوابع ) لأنه جعل مسرحها عالم الجن واتخذ
كل أبطالها - فيما عداه - من الشياطين .
نسختها
وعن
نسخة هذه الرسالة يقول بطرس البستاني : (لم يعثر إلى الآن على مخطوطة لرسالة
التوابع والزوابع ، وإنما بلغ إلينا منها ماأثبته أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني
الأندلسي في القسم الأول من كتابه ( الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ) فرأينا أن
نقسمه بحسب أغراضه إلى مدخل وأربعة فصول .( وسيأتي بعد قليل تقسيمها مفصلة
( .
والقسم
الأول من كتاب الذخيرة طبع في مجلدين بالقاهرة أولهما سنة 1939م ، وتولت نشره كلية
الآداب في جامعة فؤاد الأول ، وفيه فصول التوابع والزوابع ، فاعتمدنا عليه في
إخراجها كتاباً على حدة .
ويخبرنا
الدكتور طه حسين في مقدمة الكتاب أن الجامعة كلفت المستشرق لاوي بروفنسال مع طائفة
من شباب قسم اللغة العربية في كلية الآداب أن يهيئوا نص كتاب الذخيرة للطبع ،
معارضين مااجتمع لهم من نسخ ، مصححين مالابد من تصحيحه . ثم ألفت لجنة من أساتذة
الكلية : طه حسين ، أحمد أمين ، مصطفى عبدالرزاق ، عبدالحميد العبادي ، عبدالوهاب
عزام ، لاوي بروفنسال ، للنظر فيما أعدت اللجنة الأولى من النص تقرأه منفردة
ومجتمعة ، حتى إذا أقرته ، أذنت بطبعه .وعلى هذا النحو أخرج القسم الأول من
الذخيرة ، مصححاً ومحركاً ومطبوعاً طبعاً جميلاً(
تاريخها
ومابينها وبين رسالة الغفران لأبي العلاء
يقول
بطرس البستاني : ( ليس في أخبار ابن شهيد ذكرللسنة التي وضع فيها رسالة التوابع
والزوابع ، غيرأن المستشرق بروكلمان يزعم أنها صنفت قبل رسالة الغفران بعشرين سنة
. ومعلوم أن أبا العلاء ألف رسالته الإلهية في أثناء عزلته سنة التوابع والزوابع
فيكون أبو عامر قد أنشأ التوابع و الزوابع سنة 404هـ، على رأي العالم الألماني
.
فأما
أن تكون رسالة ابن شهيد كتبت قبل رسالة المعري فهذا لاإشكال فيه ، لأن أبا عامر
توفي التوابع و الزوابع أي بعد ظهور رسالة الغفران بنحو سنتين ، وكان قد اعتل
قبلها بضع سنوات ، وغلب عليه الفالج في مستهل ذي القعدة من سنة التوابع و الزوابع
مدة سبعة أشهر إلى أن مات في آخر جمادى الأولى من السنة التالية . ومع أنه لم يعطل
لسانه ، فينقطع عن قول ا لشعر ، إلا أن ماكان ينتابه من الأوجاع العظيمة ، وضغط
الأنفاس ، وعدم الصبر ، خليق بأن يمنعه عن القيام بعمل أدبي طويل النفس كرسالة
التوابع و الزوابع . ولكن الإشكال في تأريخ السنة التي أنشئت فيها ، والمستشرق
بروكلمان لم يدلنا على أي شئ اعتمد في قوله إنها وضعت قبل رسالة الغفران بعشرين سنة
) . ويقول بطرس البستاني في موضع آخر من مقدمته لتلك الرسالة في رده على المستشرق
الألماني بروكلمان : ( فالعدد الذي اعتمده المستشرق الألماني بيِّن الغلط ، لأن
القصائد التي أشرنا إليها في أول ا لكلام()لاتسمح لنا بأن نجعل ولادتها سنة 404هـ
، فهي إنما أبصرت النور بعد سنة 414هـ ، ولم تتقدم رسالة الغفران بعشرين سنة ، بل
على مابدا لنا بتسع سنوات أوأقل ، فقد كتبها أبو عامر في قوة شبابه بعدما نيَّف
الثلاثين) .
ولكن
الدكتور زكي مبارك في كتابه ( النثر الفني ) أراد أن يحقق هذه المسألة التي لم يقف
الأدباء على تاريخ محدد لوضعها ،وهل كان ابن شهيد مقلداً لأبي العلاء لأنه أدرك
عصره ، ولأن شهرة أبي العلاء كانت ذائعة في المشرق والمغرب ، وكان أهل الأندلس
يقلدون أهل المشرق في كل شئ . والدكتور شوقي ضيف يرى أن ابن شهيد كان مقلداً لأبي
العلاء وأقوى حجة عنده -كما يقول الدكتور زكي مبارك - أن عصر ابن شهيد يندرج في
عصر أبي العلاء ، وقد عاش من سنة 382هـ إلى سنة 426هـ ،وعاش المعري من سنة 363هـ
إلى سنة 449هـ .
ولذلك
أراد الدكتور زكي مبارك أن يحققها فبحث بحثاً طويلاً عن التاريخ الذي وضعت فيه
رسالة التوابع والزوابع فلم يهتد ،ولكنه رأى في الرسالة نفسها مايدل على أنه وضعها
وهو : كهل ، فيقول : ( جاء على لسانه مايشير إلى أن من إخوانه ( من بلغ الإمارة
وانتهى إلى الوزارة ) وألقى إليه على لسان إوزة فضية هذا السؤال : ( ماأبقيت
الأيام منك ؟ ) وفي هذا السؤال إشارة إلى أنه كان قد ودع نضارة الشباب
.
ولكن
لاينبغي أن تخدعنا هذه التعابير ، فهناك نص يدل على أنه وضعها وهو شاب فقد حدثنا
في ا لتوابع والزوابع أن الجن قالوا له : ( وقد بلغنا أنك لاتجارى في أبناء جنسك ،
ولايمل من الطعن عليك ، والاعتراض لك ، فمن أشدهم عليك ؟ ) وأنه أجاب : ( جاران
دارهما صقب ، وثالث نابته نوب ، فامتطى ظهر النوى ، وألقت به في سر قسطة العصا ،
انتضى عليَّ لسانه عند المستعين ، وساعدته زرافة من الحاسدين .. إلخ
(
ويقول
الدكتور زكي مبارك : وهذا الكلام يشعر بأنه كتب هذه الرسالة في عهد المستعين .
والمستعين هذا هو سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبدالرحمن الناصر الأموي ، الذي
بويع بقرطبة منتصف ربيع الأول سنة 400هـ ، بعد مقتل هشام بن سليمان وجددت له
البيعة سنة 403هـ ثم مات مقتولاً سنة 407هـ .
ومن
هنا يمكن أن نرجح أن رسالة التوابع والزوابع كتبت بين سنة 403 هـ وسنة 407هـ.
هذا
جانب من المسألة ، أما الجانب الآخر فهو التاريخ الذي وضعت فيه رسالة الغفران
.
وفي
ذلك يذكر الدكتور أنه بحث هذه المسألة بحثاً طويلاً وقد توصل إلى أن رسالة الغفران
كتبت كجواب من أبي العلاء على رسالة ابن القارح . وقد توصل الدكتور إلى أن رسالة
الغفران قد كتبت حوالي سنة 421هـ ، والنتيجة لذلك التحقيق : أن رسالة الغفران كتبت
بعد رسالة التوابع والزوابع بنحو عشرين سنة ، وبذلك يتبين أن الدكتور أحمد ضيف لم
يكن مصيباً حين افترض أن ابن شهيد قلد أبا العلاء ، وصار من المرجح أن يكون أبو
العلاء هو الذي قلد ابن شهيد ، وكما كان الأندلسيون يقلدون أهل المشرق في كل شئ
كان أهل المشرق يحرصون أشد الحرص على متابعة الحركة الأدبية في الأندلس ، بدليل أن
رسائل ابن شهيد ذاعت في الشرق ودونها المؤلفون الشرقيون قبل أن يموت وقبل أن توضع
رسالة الغفران ).
ويقول
الدكتور محمد رجب بيومي معلقاً على حديث الدكتور زكي مبارك : ( نتيجة جديدة قد
انتهى إليها الدكتور مبارك وهي ذات دليلين دليل قطعي ودليل راجح ، فالدليل القطعي
أن ابن شهيد لم يقلد أبا العلاء بالمرة لأن رسالة الغفران قد كتبت سنة 424هـ وابن
شهيد مات سنة 426هـ بعد مرض أقعده مدة طويلة ، وقد كتبت رسالته قبل ذلك بأعوام كثيرة
قدرها الدكتور مبارك بنحو عشرين .. والمؤكد أنها أقل من ذلك كما قرر الدكتور أحمد
هيكل ، هذا هو الدليل القطعي ، أما الدليل الراجح : فهو أن أبا العلاء تأثر بابن
شهيد لأن رسائل ابن شهيد ذاعت في المشرق ودونها المؤلفون الشرقيون قبل أن يموت ابن
شهيد وقبل أن توضع رسالة الغفران ، فلا بد أن تكون قد انتهت إلى أبي العلاء وقد
بحثت في كتب المشرق التي عناه الدكتور مبارك فرأيت أن يتيمة الدهر للثعالبي هي
التي تحدثت عن ابن شهيد في حياة أبي العلاء فذكرت بعض شعره وبعض نثره . دون أن
تشير إلى رسالة التوابع ، وكان على بعد ذلك أن أثبت شيئين هامين في هذا الصدد الشئ
الأول أن الثعالبي كان يعرف رسالة التوابع ، والشئ الثاني أن أبا العلاء قد قرأ
اليتيمة .
والدكتور
خليل أبو ذياب يرى أن ابن شهيد قد كتب هذه الرسالة بعد سنة 420هـ وذلك بعدما استبد
به المرض وبدأ نقد المنافسين له ، وبدأت مكانته الأدبية تتزعزع ؛ أراد أن يكتب هذه
الرسالة ليصور إبداعه وتفوقه لا على معاصريه فحسب ، وإنما على من سبقوه .وسيأتي
بعد قليل بيان هدف كتابة ابن شهيد لهذه الرسالة .
هدفها
يقول
بطرس البستاني : عرفنا أن أبا عامر كان يثير الخصوم والحساد ، ولقي منهم عنتأ وأذية
وضيماً لم يصبر له ، فانبرى يواقعهم ويناضلهم ، وينتقص أدبهم ، ويبسط آراءه في
المنظوم والمنثور ، والفن والجمال . فرسالة التوابع والزوابع لاتعدو هذا الغرض
الذي يرمي إليه ، وهوالطعن على أنداده ومنافسيه من الوزراء والأدباء ن وأهل
السياسة والقلم ، ثم المنافحة عن أدبه بالرد على غمزات نقاده ، ثم إظهار محاسنه
وفضائله في المتقدمين والمتأخرين .
فقد
غرض لمغتابيه عند المستعين ، مندداً بضعفهم وعجزهم عن لحاقه ، وألح بالإزراء على
أبي القاسم الإفليلي ، فنفس عليه بعلمه ومعرفته ، ودعاه إلى مباراته بالوصف شعراً
ونثراً .
وسخر
بأدباء بلده ، ونسب الغباوة إلى أهل زمانه ، وعراهم من صحة اللغة ، وحسن البيان ،
وجعل الإوزة الحمقاء تابعة لشيخ من النحاة ، وقال لبغلة أبي عيسى : ( من إخوانك من
بلغ الإمارة ، و انتهى إلى الوزارة (.
وماتجثم
الرحلة الأدبية إلى وادي عبقر إلا ليلقى توابع الشعراء والكتاب ، وينال منهم إجازة
النظم والخطابة ،فأجازه امرؤ القيس ،وطرفة ، و قيس بن الخطيم ، وأبو تمام والبحتري
وأبو نواس وأبو الطيب وعبدالحميد والجاحظ ،وبديع الزمان ، وسواهم. وأسمعهم من
أشعاره ورسائله ، وفاخرهم بإعراق بيته في الشعر ، ونقض أقوالهم في أدبه وإنما هي
أقوال نقاده ، وعارضهم في قصائدهم وأوصافهم ، فقال أبو نواس : ( هذا شيء لم نلهمه
نحن ) وقال أبو الطيب : ( إن امتد به طلق العمر ، فسوف ينفث بدرر ) ، وقال
عبدالحميد والجاحظ : ( اذهب فإنك شاعر وخطيب ) وضرب صاحب بديع الزمان الأرض برجله
عندما سمع منه وصف الماء فانفجرت له ، فغاب فيها عن العيان ، لما لحقه من الخزي
والانكسار(.
ويبدو
أن بعض الأدباء يرى أن هذه القصة الطويلة كان لهاتتمة فقدت من بين مافقد من أدبنا
العربي الذي ضاع ، والحقيقة أن هذه القصة لم يفقد منها شئ ولكن الذي أوهم الأدباء
بذلك الفقد أن القصة - كما يرون - جاءت مجتزأة ومقتطعة ، والدليل أن تلك القصة لم
يفقد منها شئ أن بعضهم اعترف أنها جاءت كقصة مكتملة ، ومن أولئك ابن بسام في
الذخيرة ، والدكتور مصطفى الشكعة حيث يقول : ( والقصة التي أنشأها أبو عامر أطلق
عليها اسم التوابع والزوابع وهي قصة طويلة لم يسعد الأدب العربي بإثباتها كاملة ،
فقد ضاع أكثرها بين ماضاع من آثار أدبائنا ، واستطاع صاحب الذخيرة أن يحفظ لنا
طرفاً منها يصلح في حد ذاته لأن يكون قصة مكتملة رغم اجتزائه( .
ويتحدث
الدكتور مصطفى الشكعة عن الهدف عن الدافع الذي دفع ابن شهيد لكتابة هذه الرسالة
فيقول : ( وإذا كان الدافع وراء رائد القصة العربية في المشرق - بديع الزمان -
هدفاً إجتماعياً ينحصر أساساً في تصوير البيئة الاجتماعية لعصره ،فإن الدافع عند
ابن شهيد في كتابته قصة التوابع والزوابع دافع شخصي نابع من إحساسه بأن معاصريه من
الأدباء والنقاد لم يولوه حقه من التكريم ، ولم ينزلوه المنزلة الأدبية التي رأى
نفسه أهلاً لها ، ومن جملتهم أبو القاسم الإفليلي الأديب الشاعر الكاتب ، بل كانوا
يكنون له الحقد ويكيلون له الكيد ، ومن ثم فقد راح يتلمس التقدير والتكريم عند من
هم أعلى وأقدر من معاصريه وأوفى شهرة وأعلى كعباً في الأدب بفرعيه : الشعر والنثر
، فهداه خياله الخصيب إلى كتابة قصته .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire