أعلان الهيدر

الغزل العذري


                         الغزل العذري
الغزل العذري

شعر الغزل :
تميز هذا العصر بالغزل العذري وكذلك الغزل الذي عرف منذ عرف الرجل المرأة .
لقد انحدر الغزل الأموي من الغزل الجاهلي ، والفارق هو ان الغزل في القصيدة الجاهلية كان غرضا من اغراض القصيدة ياتي في ابيات ، ثم ينتقل الى غرض آخر في نفس القصيدة
اما في العصر الاموي فقد اصبح الغزل يختص في قصيدة كاملة ، فلا يذكر الشاعر في قصيدته غير الغزل .
 ويمكن تقسيم الغزل الى نوعين:
1- الغزل الماجن (الغزل الحضري)
فهو غزل اباحي  وكثر مثل هذا الغزل في الحضر حيث المدينة والحضارة والثروة
(ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى)
حيث اجتمع الياس مع وفرة الثروة فانتجا اللهو والاسراف .
 وساعد على ذلك كثرة الرقيق وانتشار ضروب الملاهي والغناء والموسيقى ، حيث توجد فضائح في البلاط الاموي نشرت في الكتب الادبية والتي تعكس شرب الخمر والزنا وغيرها من المفاسد واشعار الفسق والفجور من قبل امراء الامويين لا يمكن ذكرها ، كالذي يفعله الوليد بن عبد الملك ، فقد كان في بلاطه حوضا مملوء بالشراب (الخمر) فكان يغتسل داخل هذا الحوض ويرتكب الزنا .
 ثم ان التاريخ يحدثنا ان الوليد بن يزيد بن عبد الملك لما عهدت له الخلافة كان منهمكا في اللهو والشراب وسماع الغناء ، مستهترا بالمعاصي منتهكا للحرمات زنديقا . وكانت له اشعار في المجون ، حيث قيل انه استفتح في القرآن فاتفقت له الآية الكريمة:
(و استفتحوا و خاب كل جبار عنيد)
فالقى المصحف من يده ورماه بسهم ثم انشد:
تهددني بجبار عنيد
نعم انا ذاك جبار عنيد
اذا ما جئت ربك يوم حشر
فقل يا رب خرقني الوليد
كل هذه المظاهر الفاسدة والخارجة عن الاسلام وباسم الاسلام ، بينما نلاحظ الجانب الآخر بيوت بني هاشم ، يسمع القرآن والبكاء والاستغفار حيث‏يذكرهم القرآن: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)
ومن اشهر شعراء الغزل الماجن ، عمر بن ابي ربيعة والاحوص والوليد بن يزيد .
ان عمر بن ابي ربيعة كان يعشق هند (هند غير هند ام معاوية) حيث قال:
كلما قلت متى ميعادنا
ضحكت هند وقالت‏بعد غد
2- الغزل العفيف (العذري):
كثر مثل هذا الشعر في البدو حيث الخيمة والفقر ، فقد اجتمع الفقر والحرمان ، وعفت النفس واللسان .
ويلقبون شعراء هذا النوع من الغزل بشعراء العشاق حيث كانوا يعيشون في نجد مجاور الحجاز ، لذا سميت نجد بارض العشاق ، ويمتاز شعرهم بالعفة والعذوبة ، وانه سهل محبب الى النفس الانسانية .
و أشهر شعراء العشاق:
ا - قيس بن الملوح ، يذكر اسمه مع بنت عمه ليلى العامرية ، واشتهر بمجنون ليلى .
ب - جميل ، وله شعر في بثينة ، ولأجل ذلك سمي ب (جميل بثينة)
ج - كثير ، كان يحب ويعشق عزة .
د - عروة في عفراء ، له شعر فيها .
ه - توبة له شعر في ليلى الاخيلية ، وهما شاعران .
وهناك شعراء كثيرون في هذا المجال ، نكتفي بذكر ثلاثة منهم:
كثير عزة
اسمه كثير بفتح الكاف وكسر الثاء ولفرط قصره سمي بكثير  ولد في عام 23ه بالحجاز ، وكان يرعى الأغنام ، ويروى انه اعتنق مذهب الكيسانية  ، وقد اختلف في تاريخ وفاته ، والأرجح انه توفي سنة 105 .
إن المتتبع لأسلوب وألفاظ كثير يجدها تتباين بين الوضوح والغرابة والسهولة والتعقيد . يحتوي ديوانه على أكثر الأغراض الشعرية ولكن ابرزها شعره الغزلي العذري والذي ينبع من الطبيعة البدوية الصافية وبعدها عن ترف المدن .
المختار من شعره:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا
قلوصيكما  ثم ابكيا حيث‏حلت
وما كنت ادري قبل عزة ما البكا
ولا موجعات القلب حتى تولت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها
كناذرة  نذرا فاوفت  وحلت
فقلت لها يا عز كل مصيبة
اذا وطنت‏ يوما لها النفس ذلت
فلا يحسب الواشون ان صبابتي
بعزة كانت غمرة  فتجلت
فوالله ثم والله لا حل بعدها
ولا قبلها من خلة حيث‏حلت
تمنيتها حتى اذا ما رايتها
رايت المنايا شرعا قد اظلت
قيس بن الملوح
قيس بن الملوح ، او قيس بن معاذ (مجنون ليلى)، ويقولون انه كان مجنون بني عامر او انه مجنون بني جعدة .
شعر قيس:
دخل الادب الفارسي والهندي والاردو والآداب الاخرى ، حيث ترجم الى لغات عديدة . ولذا حولوا مجنون ليلى الى اسطورة ورمز للحب العرفاني ، بينما كان في الواقع حب بشري حقيقي . ومن اشهر من كتب وابدع في قصة مجنون ليلى جامي ونظامي .
وقد تركت قصة مجنون ليلى اثرا عظيما في الادبين الفارسي والتركي . روي انه كان اذا اشتد شوقه الى ليلى يمر على آثار المنازل التي كانت تسكنها فتارة يقبلها وتارة يبكي وينشد هذين البيتين:
امر على الديار، ديار ليلى اقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا .
وهذه القصيدة الغزلية المشهورة رد على الذين يقولون لماذا انتم تقبلون اضرحة الائمة عليهم السلام ؟
ويروى ان والد قيس بعد ان قضى نسكه جمع اعمامه واخواله فلاموه وقالوا: لا خير لك في ليلى ولا لها فيك ، فانشأ يقول:
وقد لامني في حب ليلى اقارب
ابي وابن عمي وابن خالي وخاليا
ارى اهل ليلى لا يريدون بيعها
بشي‏ء ولا اهلي يريدونها ليا
الا يا حمامات العراق اعنني
على شجني وابكين مثل بكائيا
يقولون ليلى بالعراق مريضة
فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
فيا عجبا ممن يلوم على الهوى
فتى دنفا  امسى من الصبر عاريا
فان تمنعوا ليلى وتحموا بلادها
علي فلن تحموا على القوافيا
وقال ايضا:
الا قاتل الله الهوى ما اشده
واسرعه للمرء وهو جليد
دعاني الهوى من نحوها فاجبته
فاصبح بي يستن  حيث‏ يريد
توفي قيس سنة 68ه .
جميل بثينة
جميل بن عبد الله بن معمر العذري . ولد بالحجاز سنة 40ه (660 ميلادي)، كان يميل الى حب ابنة عمه واسمها بثينة ، لذا عرف بجميل بثينة ، فقال فيها الشعر ، حيث ان شعره فصيح ورقيق سهل التراكيب وواضح المعاني ، ذكره حسان بن ثابت وقال: «جميل اشعر اهل الجاهلية والاسلام ، والله ما لاحد منهم مثل هجائه ونسيبه‏»  . وجميع شعره في الغزل الا مقاطع شعرية قليلة قالها في هجاء زوج بثينة وقومها .
قال في بثينة:
فلو ارسلت‏ يوما بثينة تبتغي
يميني وان عزت علي يميني
لاعطيتها ما جاء يبغي رسولها
وقلت لها بعد اليمين سليني
وخلاصة القول: ان شعر الغزل كان على اوصاف جمة ، فمنه الهجران والفراق والم الرحيل والمشيب ، فمن الغزل ما هو تقليدي بدوي يترسم به الاقدمون من وقوف على الاطلال وذكر اماكن البدو ، ومنه الجديد المترف حيث تحس فيه عاطفية الشاعر المتوفرة ، حيث‏يصف عواطف نفسه واهواءها وشجونها ، ويصف اللقاء والوداع ، اضافة الى وصفه مجالس اللهو والانس والخمر والحبيب .
في الغزل:
تجمع معجمات اللغة على أن أصل مصطلح الغزل من "الغزل" الذي هو مصدر غزل. فقد جاء في لسان العرب، والقاموس المحيط: غزلت المرأة – القطن أو الصوف.. – أدارتهما بالمغزل.
فالغزل، استعمال مجازي مأخوذ من هذه المادة اللغوية – أي الغزل – فكما تدير الغازلة مغزلها لتغزل به القطن ونحوه، كذلك يدير الشاعر مغزل فنه لاستمالة المرأة واستهوائها. ولذا قيل: "الغزل هو اللهو مع النساء ومحادثتهن ومراودتهن" فالمغازلة اذا ضرب من الغزل كما أثبت ابن منظور في "اللسان"، أو كما قال ابن دريد في التغازل بأنه: محادثة الفتيان في الهوى.
فالغزل لا يعدو أن يكون حديثا في الهوى، وليس مقصورا على ما يقوله الرجل في حديث هواه الى المرأة، فهو أيضا وسيلة المرأة الشاعر والنساء الشواعر، اذا أردن التودد الى الرجل والترجمة عن مشاعرهن في مثل هذا الضرب من الأحاديث..
وانطلاقا من الاصطلاح اللغوي المتقدم، يعتبر الغزل من الناحية الأدبية فنًا من فنون القصيدة الغنائية للتعبير عن الحب وأحاسيس المحبين انفعالاتهم وما تعكسه تلك الانفعالات في النفس من ألوان الشعور. ومن المصطلحات التي وردت عند الأقدمين في مستوى "الغزل" ودلالته: "النسيب" و"النشيب". وفي هذا يقول التبريزي: "الغزل هو الصبوة الى النساء، والنسيب ليس الا التعبير عن الحب". لكن ابن رشيق لم يميز بين هذه الألفاظ، فجميعها عنده ملائمة لتكون لسان الشاعر في وصف لواعج الهوى.
الغزل ومعايير الجمال
بين الغزل وقيم الجمال صلة وثيقة في الأدب عامة، وفي الأدب عند العرب خاصة:
فقد عني الشاعر العربي، خلال سائر العصور، بدءا بالجاهلية، بتحديد النموذج الجميل في الطبيعة الحية والجامدة على السواء، ونظر الىالمرأة على أنها اللوحة الأروع بين سائر موجودات الكون الفسيح. لذلك عكف الشعراء على تجسيد "الجمال الانثوي" ووصفوه بحواسهم الظاهرة حينا، وبالوجدان أحيانا. وفي ضوء مأثورهم من هذا الفن أمكن معرفة ذوق العربي في خلق المرأة وخلقها، في قدها ومحياها وعينيها، وذلك في مشيتها وحركتها، وفي الصوت وايقاعة والحديث ورقته. ويتوج ذلك حرصه على أن تكون المرأة بعيدة بين النساء عن كل ما يشين الحسان من العيوب، فهو يريدها طيبة الأحدوثة بين الناس على نحو ما تكون طيبة الشذى حين تميل أمامه أو تخطر:
سئل أعرابي عما يعجبه في المرأة: فقال: أفضل النساء أطولهن اذا قامت وأعظمهن اذا قعدت" وأورد الجاحظ – بلسان أعرابي – ملامح المحبوبة الجميلة، فقال: هي التي عذبت ثناياها وسهل خداها ونهد ثدياها والتف فخذاها، وعرض وركاها، وجدل ساقاها… تلك هم النفس ومناها.
ومن أجل ما قاله الشعراء في وصف هذه المفاتن، هذه الباقة من الشواهد:
1. عبر طرفة عن وجه المرأة الصبوح فتصور عليه رداء من ألق الشمس فقال:
ووجه كأن الشمس ألقت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد
2. ووصف المخبل السعدي شعر المرأة فتمثلة أسود حالك كعنقود من العنب، فقال:
وتضل مدارها المواشط في جعد أغم كأنه كرم
3. ويصف امرؤ القيس الثغر فاذا طعمه كطعم المدام:
اذا ذقت فاها قلت طعم مدامه معتقه يجيء بها التجر
وعني الأعشى بحسن المرأة شكلا وطوية فقال:
ليست كمن يكره الجيران طلعتها ولا تراها لسر الجار تختتل
وقد يطول عرض مثل هذه النماذج التي تتواتر في قصائد الشعراء العرب على مر العصور والتي تتناول سائر قسمات المرأة وأعضائها لا في العين والخد والشعر، وحسب، بل في الأطراف والصدر والأرداف والخصر، والريقة والأسنان، وسحر اللواحظ، وفتنة القامة الممشوقة وهي تميل بالدل وتخطر في ريث، ودونما عجل وكأنها تخطو في قلب العاشق فيحلو له وقع هذه الخطى ويرى فيها معنى من معاني لسعادة ولذة الجوارح. يقول النابغة:
ولا عجب أن يستبد الهوى بقلب الشاعر الوله ويمنعه من النوم، فيأرق وهو يسترجع صورة التي أحب في هدأة الليل كقول طرفة:
بلغا خولة أني أرق ما أنا الليل من غير سقم
كلما نام خلي باله بيت للهم نجيا لم أنم
منع التغميض مني ذكرها فهي همي وحديث وسدم
صادت القلب بعيني جؤذر وبخد فوقه المرجان جم
منية النفس اذا ما جردت ومشت حول حشايا وقرم
هذه الأزاهر المتفرقة من حدائق الغزل العربي، ليست الا بداية نزهة المشتاق الى تلك البساتين اليانعة، المثقلة بقطاف الفتنة، وهي تطل من الأغصان والكثبان، والأعناب وثمر الرمان، حين وصف ابن الرومي دنيا الجمال في المرأة وراح يستعرض لها ما يماثلها من فاكهة الطبيعية، فاستمع اليه قبل أن ننقلك الى أناشيد الحب والجمال الخالدة في دواوين شعرائنا الكبار. قال ابن الرومي:
أجنت لك الوجد أغصان وكثبان فيهن نوعان: تفاح ورمان
وفوق ذينك أعناب مهدلة سود، لهن من الظلماء ألوان
وتحت ذلك عناب تلوح به أطرافهن قلوب القوم قنوان .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.