أعلان الهيدر

القصيدة المغناة


                      القصيدة المغناة
القصيدة المغناة
منذ فجر التاريخ استطاع الإنسان الدرعي بلورة ثقافة خاصة به هيمن عليها الطابع الشفوي بكل تشعبا ته وتفرعاته من حكايات و قصص و روايات حقيقية وخرافية إضافة للشعر الغنائي المحلي . 
وهكذا برز شعراء عديدو ن "لا يكتبون إلا بشفاههم ولا يقرأ ون إلا بآذانهم  "أبدعوا ونظموا قصائد مختلفة في أغراض متنوعة كما نسج الخيال الشعبي حكايات وأمثالا عجيبة ما زال الرواة يتداو لونها حتى الآن. 
إن هذه النصوص رغم عدم تدوينها بل وتركها فريسة للضياع والنسيان وعدم الاهتمام بها جسدت بصدق آمال وآلام الإنسان الدرعي وعبرت خير تعبير عما يخالج نفسيته على مر العصور. 
وقد تلقف هذه الثروة الشعرية الغزيرة ملحنون أكفاء فكانت ألوانا غنائية راقية شكلت آدابا وفنونا شعبية كانت غاية في الدقة والبراعة وإن اختلفت باختلاف الأعراق الاجتماعية التي تؤديها تبعا لاختلاف وتنوع القبائل المتساكنة في الوادي وكذلك بحسب مجال الواحات التي تتداول فيها هذه الفنون.
وإذا كانت الدراسات العلمية التي اكتست الطابع الأكاديمي واتخذت من واحات وادي درعة مجالا لها قد أولت اهتماما خاصا للمكتوب في المجال التاريخي خاصة المخطوطات والوثائق التاريخية أو للملموس كما هو الشأن في الأبحاث المونوغرافية والجيولوجية فإن الثقافة الشعبية 2 لاسيما مجال الفنون الشعبية الغنائية ظلت مهمشة ولم تلق الإهتمام اللائق بها رغم بروز اتجاه قوي لنفض الغبار عنها والذي تجلى في الأبحاث الأكاديمية التي أنجزها بها الطلبة 
الجامعيون : 
1 -
محمد مستاوي- الأغنية الشعبية أنوال الثقافي ع7فبرائر1986ص2 
2-
بخصوص تحديد مفهوم الثقافة/الفنون ووصفها بالشعبية فقد اختلفت وتنوعت التعريفات باختلاف المشارب الأيديوليجية لأصحابها بل ذهب البعض للتشكيك في اعتبار ما نتحدث عنه آدابا أو حتى ثقافة وتوخيا للدقة نحدد الفنون الشعبية في 5خصائص 
*
الشيوع بين الناس 
*
التداول الجماعي 
*
التناقل الشفاهي بين الأشخاص و الأجيال بلغتهم أو لهجتهم الخاصة 
*
عدم الحفاظ على الخصائص كاملة 
*
التعرض للتغيير والتحوير من جيل لآخر 
الخصائص العامة للفنون الشعبية بدرعة 
يمكن رصد ابرز الخصائص العامة في النقط الآتية. 
1-
اعتمادها في الإنتقال من شخص إلى آخر ومن منطقة لأخرى ومن جيل لأجيال على الشفهية و الذاكرة دون الاستناد على التسجيل أو التدوين الذي ربما يعطيها نصا ولحنا و شكلا ثابتا ومحددا.وهو ما ينافي أهم خصائصها المتمثلة في التغيير والتبديل والتعديل المستمر.وهذا ما يضفي عليها صفة المرونة والحيوية التي تساعدها على أن تظل محفورة في ذاكرة الناس وهي بذلك تواجه مختلف أنماط وتجارب الحياة المتجددة 1 
2-
المرونة إن كون الفنون الشعبية غير مدونة وعدم اعتمادها على التسجيل الذي يساعد على عدم إعطائها لحنا محددا و شكلا معينا ليكرس مرونتها التي تتجلى في التكيف مع كل ظروف الحياة المستجدة.فيمكن أن تخضع للتحوير والتبديل والتغيير المستمر مما يجعلها تتجدد وتتكيف حسب الظروف العامة للمجتمع الذي يحتضنها دون المساس بالهيكل و الإطار العام.فهي بذلك تجدد خلاياها لتمنح ذاتها الحيوية و الاستمرار الدائم لنفسه، لكن أحيانا قد تؤثر الظروف البشرية بشكل سلبي في هذه المرونة حيث قد تفقد بعض أصالتها بدعوى تطويرها.فالتطوير لم يكن أبدا "الإبداع على منوال ما أو محاكاته لاستلهامه أو توظيف بعض عناصره أو استخدام كل عناصر موضوع ما ببناء جديد أو توزيع أو صياغة هذه العناصر توزيعا أو صياغة جديدة " 
3-
الشيوع والانتشار لدى مختلف الطبقات و الفئات الاجتماعية ف"التبني الجماعي للعمل وتواتره واستخدامه تلقائيا من خلال ممارسة الحياة اليومية الجارية تبعا لظروف و مجالات مجريات هذه الحياة اليومية هو الذي يعطي لهذا الفن شعبيته سواء أكان ذلك مرتبطا بدورة الحياة نفسها أم يخضع لمناسبات معينة 
4-
التلقائية في التناقل بين الأجيال سواء من حيث النصوص أو الإيقاعات أو الرقصات أو الألحان و الخبرات الفنية مما يجعل جمالية الفنون تنتقل من فن لآخر ومن جيل لآخر. 
5-
التكاملية بين الفنون أي أن كل فن يتكامل مع الآخر للتعبير عن شخصية و بيئة منتجه 
6-
اللغة المحلية أي اللهجة العامية فمختلف الفنون بكل تلاوينها تساير لغويا طبيعة الحياة العامة المعاشة مما يجعلها بسيطة و عذبة وسلسة في أسلوب تركيبها وبالتالي تكون سهلة الأداء. 
7-
يتميز هذا الإرث الثقافي الهام بالبناء اللحني البسيط التركيب والسهل السلس بما يناسب المستوى التعليمي لأغلب فئات المجتمع ومواهبه وخبراته الموسيقية 
8-
تتميز هذه الفنون كذلك بانبعاثها من فلسفة شعبية خاصة يمكن ملاحظتها من خلال مضامين القصائد المختلفة، ويمكن رصد هذه الفلسفة من خلال زاويتين 
*
التحام الأفراد داخل المجتمع الصغير والكبير 
*
ارتباط هؤلاء الأ فراد بالأرض التي يعيشون عليها و تعاملهم معها ونظرتهم إليه كشيء مقدس مما ينتج عن التمسك بها والاستماتة في الدفاع عنها والتصدي لكل هجوم أو عدوان عليها 
9-
الأصالة وهي عنصر موحد لجميع الفنون و معيارها هو التعبير عن وجدان الجميع و ارتباطها بالمجتمع وهذا هو عمق وظيفتها الاجتماعية فهي لا ترتبط بفرد خاص لذلك فالإبداع كيفما كانت طبيعته لا يعتبر أصيلا "إلا إذا يعبر عما تحس به الجماعة لتلتحم به وتتجاوب معه انطلاقا من مقومات معينة محددة ولا تكون هذه المقومات إلا كامنة في وجدان الجماعة وفي تمثلها وذهنها وفكرها وقد صهرتها بوتقة اللغة والدين والحضارة والتاريخ والهموم و المصير وما إليها من مكونات الأمة العربية الإسلامية" 
وفي هذه المحاولة لرصد الفنون الشعبية بدرعه سنحاول التعريف بها آملين الانتقال بها من السياق التداولي 
الشفا هي والسماعي الىعالم الكتابة والتدوين.هذه الصفة الأخيرة التي ستفقدها مجموعة خصائص معينة. 
ولذالك سنحاول من الناحية المنهجية إتباع الخطوات الآتية: 
1
المحافظة على بنية القصيدة الدرعية بالشكل الأصلي الذي أبدعت به من طرف الشاعر باللهجة العامية المحلية دون محاولة تنميطها للعربية الفصحى وذلك لان كتابة ورسم الكلمات يكون بحسب النطق لا بحسب القواعد. وهذا ما قد يؤدي لعدم احترام مواقع الحركات الشكلية واستخداماتها. 
وإن محاولة الحفاظ على بنية القصيدة باللغة العامية سيطرح إشكالات متعددة مقارنة بالقصائد المكتوبة بالعربية الفصحى "أولاها أن الشعر الفصيح يفهم خارج الجغرافية المحلية.أما الشعر الآخر المكتوب بالعامية لا يفهم إلا مرتبطا بمحليته الضيقة، وثانيها هي أي حرف هو أنفع في نقل اللهجة من المنطوق إلى المكتوب نقلا مشاعا متواطأ عليه؟،وثالثتها مشكلة التلقي ،وأخيرا مشكلة ضبط الإيقاع في شعر شفوي .إن تلك لمشكلة عويصة لم يستطع أحد إيجاد حلول لها"كما أن إحدى أهم الإشكالات العويصة الأخرى هي إشكالية الكتابة "فالشعر الشفوي العربي لا بد أن يكتب بحروف عربية لكن الأبجدية العربية غير كافية للتعبير عن الوجوه الصوتية المختلفة للهجات العربية من جراء اختلاطها باللغات الجارة.وهذا عادي جدا فالأبجدية اللاتينية هي الأخرى غير كافية في كتابة الشعر الشفوي الغربي للتداخل اللغوي المتعدد الوجوه"
2-
الاقتصار على الوصف المباشر الحالي للرقصات. وهو يختلف عن الأداء الأصلي كما لن ندخل في التفاصيل بما قد تحتويه من تحليلات معمقة لدلالات القصيدة ولأدائها من المنحيين الموضوعي والشكلي لان المجال لا يتسع لهده القراءات والمقاربات آملين التمكن من ذلك في مناسبة قادمة. 
3
إن الأداء/ الغناء يختلف من قبيلة إلى أخرى بل قد يتنوع داخل نفس القبيلة-ومن واحة لأخرى كذلك-فقد حرصنا على إعطاء نموذج تقريبي جامع وشبه شامل مع الإشارة لبعض الاختلافات الطفيفة. 
1)
فتحي الهادي الصنفاوي. التراث الغنائي المصري « سلسلة كتابك» 
2)
صفوت كمال المأثورات الشعبية والإبداع الفني الجمالي عالم الفكر ع1المجلد24أكتوبر-دسمبر1995 اص243 
3)
صفوت كمال المرجع السابق 
4)
عباس الجيراري « ورقة حول الثقافة الشعبية»(مجلة الوحدة)عدد58/59غشت19895 
5)
نفسه 
6)
محمد السر غيني عن تجنيس الشعر الشفوي ص251 عالم الفكر ع2 المجلد29 دسمبر2000 
1-
إن الفنون الشعبية تعتبر وثائق لدراسة مكونات المجتمع الدرعي الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية والاثنية والسياسية...والتعريف بحياة وتاريخ هذا المجتمع. 
2-
إن هذه الفنون مجال "لا ظهار وتفريغ ما يضطرم داخل النفس المعبرة والخلق الصادح من آمال وآلام وإحباطات ليمتزج الهم الذاتي بالموضوعي والشخصي بالحميمي (حب لوعة آمال ) بالمجتمعي العام  كما تعتبر اكتشافا للذات وسط ركام من ترسبات الاستلاب و الاغتراب اللذين شوها هذه ألذات وطمس هويتها. 
3-
يقول الأستاذ أحمد رشدي صالح «إن هذه الفنون الشعبية لم تنشأ على عكس الظن الشائع من فراغ في العمل و لم تتجه إلى إرضاء ما يخلقه الفراغ من مطالب استمتاعية، وإنما نشأت لتكفي ضرورة العمل والعلاقات الاجتماعية و الحاجة الروحية بإزاء الطبيعة"(2) 
4-
إن هذه الفنون ليست أشكالا اعتباطية وليدة الخيال الإبداعي الشعبي.بل هي تعبيرات بليغة تحكمها مبادئ و توجهات خاصة و مدققة كما لا تنبعث من فراغ و لا تقوم على غير أساس. بل إنها بشكل من الأشكال تعبير عن واقع مادي معين أو حالة إنسانية حصلت في زمان و مكان محددين
5-
إن هذه الفنون كثيرا ما أرخت وضبطت حالات ومواقف و أحداث..بعمق وصدق و إحساس قد يفتقد لدى المؤرخين أنفسهم خاصة في عهد الاستعمار.فمثلا يحكي أحد الشعراء عن الدار البيضاء أيام الأربعينات قائلا. 
أش آداني ليك يا الدار البيضاء يا شينية القشالي يا بلاد الروم 
رآه ناسك ما عارفين شي قاعدة غير البالسية وكثرة الكــوم 
وفيك الطوبيس دايــر عيظة وكـل من شدوه يدو ه يعوم 
يا عظيم الجـــــاه رفق بيا وأنا بغـيت نجا ف هذا اليوم 
6-
يعتبر توم بيرنر الفنون الشعبية رسالة مرسلة من باعث/مبدع.و عملية الإبداع هي تعبير عن موقف قرائي و جهد إنساني وحدث اجتماعي.وهذا الحدث يتصاعد باستمرارية التفاعل مع الجمهور ومدى استجابته للمبدع وماهية الإبداع. 
7-
إن جلسات الفنون الشعبية في مختلف المناسبات هي فرصة لتشجيع الشباب على الإبداع و إبراز مواهبهم في قرض الشعر و إنشاده وفي الرقص. 
8-
إن مختلف الأشعار والرقصات على تنوعها تعبر عن فلسفة في الحياة اليومية و تفاعل الإنسان الدائم مع ما يستجد عليه من ظروف وأحداث سياسية واجتماعية وهي بذلك "تمثل جوهر الثقافات الإنسانية". 
9-
إن القصائد المبتكرة تعتبر وثائق حية ومهمة لفهم طبيعة العلاقات الأفقية والعمودية التي حكمت وكانت تحكم المجتمع الدرعي. 
10-
لم تكن أبدا مختلف الرقصات أشكالا عفوية وارتجالية وليدة الخيال الشعبي بل إنها"تعبيرات بليغة تحكمها مبادئ وتوجهات خاصة و مدققة "كما أنها لا تنبعث من فراغ ولا تقوم على غير أساس بل إنها بشكل من الأشكال تعبير عن واقع مادي أحالة إنسانية حصلت في زمان ومكان معينين و محددين" (4)هذا إضافة أن هذه الفنون لم تكن أبدا "مجرد أشكال للتعبير و الفرجة ولكنها تتماهى مع ثقافة الأصل و التأسيس وتعدو هي ما يربي المخيال ويؤطر الفكر". 
11-
إن الفنون عامة ومحور حديثنا خاصة بطبيعتها وباستمراريتها وبمدارسها المتعددة واتجاهاتها المتنوعة هي "عملية تراكمية متداخلة التركيب في بنية ثقافية إنسانية واحدة.لذا فهي تتمتع بحيوية وتواصل ثقافي لأنه بطبيعته و موضوعه ووظيفته فن رمق"
12-
إن الإبداع بشكل عام سواء أكان فرديا أم جماعيا شعبيا وموروثا ثقافيا حيا هو شكل من أشكال السلوك الاجتماعي لأبناء المجتمع يخضع في ممارسته لمجموعة من القيم الإنسانية المتوحدة في فكر الإنسان وتكوينه الثقافي"
13-
إن الإبداع إلى جانب كونه حصيلة خبرات متوارثة هو كذلك تعبير عن فلسفة الحياة اليومية وتفاعل الإنسان الدائم مع ما يستجد عليه من ظروف و أحداث سياسية واجتماعية و اقتصادية....فهو بذلك جوهر الثقافة الإنسانية.
 14-إن الفنون الشعبية إنتاجان ذهنية تعبر عن المستوى الحضاري ومستوى علاقات الإنتاج داخل المجتمع الدرعي كما تعكس مستوى الوعي الاجتماعي.وتعبر عن آمال وألام المجتمع الدرعي وأساسا هموم وطموحات فلاحيه. 
15-
إن هذا التنوع الإبداعي في الفنون الشعبية بدرعة هو "حصيلة كاملة لثقافة ساكنة على اختلاف أجيالها وبيئاتها ومراحل تعليمها.إنه تسجيل أمين للبيئة التي أنتجته وهو لغة التعبير عن المشاعر المشتركة ومرآة صادقة للوجدان وتعبير تلقائي لجماعات تمارس الفن كطقوس لا كمهنة ارتزاقية تكسبية .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.