النظام السياسي في تونس بعد 14 جانفي 2011
النظام السياسي في تونس على مفترق الطرق و سوء الفهم سيد الموقف :
ليس اختيار طبيعة النظام السياسي هو جوهر الإشكال و حقيقته اليوم ،
إنما التخلص من رواسب الماضي و خلفياته و التفكير بشكل موضوعي بعيدا عن الانفعال و
ردود الأفعال، ذلك أن رفض النظام الرئاسي اليوم فيه تعجّل و تسرّع و المطالبة
بالنظام البرلماني فيه مجازفة و مغامرة . و مهما يكن فان النظام السياسي التونسي
لم يكن رئاسيا و لم يكن برلمانيا و ربّما لا تنسحب عليه حتى شروط النظام الرئاسوي،
أما إذا ما اعتبرناه رئاسوي لانحرافه بالنظام الرئاسي بأي شكل من الإشكال فهو أيضا
و بأي شكل من الأشكال انحرفا بالنظام البرلماني لاسيما بعدما تم تطعيمه بتقنيات
النظام البرلماني لسنوات ، و في كل الأحوال فان ما يتميز به النظام السياسي التونسي
هو الاستئثار بالسلطة التنفيذية من قبل رئيس الدولة و اختلال التوازن بين بقية
السلطات لفائدة السلطة التنفيذية.
و هو تميز لا نعثر عليه إلا في الدستور التونسي و ليس له أي علاقة
بالنظام الرئاسي. من هنا فان الخلط بين النظام الرئاسي و النظام التونسي فيه تجني
و الفرق بينهما شاسع و كبير، و لو كان النظام الرئاسي نظاما متسلطا ما كان
للولايات المتحدة الأمريكية أن تصل إلى ما وصلت إليه من مستوى قانوني متقدم.
صحيح ان النظام الرئاسي لا يخلو من إمكانية الانحراف به، و لكنه يوفر
الاستقرار السياسي و يستجيب إلى نظرية مونتسكيو المتعلقة بالفصل بين السلط و ينسجم
مع الحالات الانتقالية و حتى الثورية، و ليس صدفة أن تعتمد الولايات المتحدة
الأمريكية و هي في حالة شبه ثورية بعد حرب الانفصال النظام الرئاسي و الحال أن
النموذج البريطاني كان ماثلا أمامها و كان بإمكانها أن تتبناه .
أما النظام البرلماني فرغم قدرته على احتضان كل الحساسيات السياسية و
التنوعات الإيديولوجية، فان نجاحه يبقى رهن تراكم التجارب الدستورية و التطورات
التاريخية و هو من هذه الناحية يأتي إفرازا طبيعيا لمرحة تاريخية سابقة و ليس
إعلانا لمرحلة سياسية قادمة. و ليس صدفة أن تنجح الأنظمة البرلمانية في ظل الأنظمة
الملكية و المجتمعات المستقرة المتميزة بالتماسك اللغوي و الحضاري و الديني و إلا
فان مجرد الاختلاف في الرأي سرعان ما سيتحول إلى انقسامات و صراعات، و يصبح عدم
الاستقرار سيد الموقف. وهو يحتاج إلى مجتمعات لها وعي سياسي كبير بحيث لا تسقط
ضحية المزايدات السياسية الرخيصة و التجاذبات الحزبية التي بإمكانها تعطيل تشكيل
الحكومة إلى اجل غير مسمى أو إسقاط الحكومة بين يوم و ليلة . و هو ما يمكن ملاحظته
عبر تجارب عديدة كلبنان و العراق و ايطاليا و بلجيكا و حتى الكويت.
لا اعتقد أن التونسيين لهم ما يكفي من سعة البال و النفس الطويل
لمتابعة الشأن العام و احتراف السياسة صباحا مساءا. ضمن اطر صحفية و إعلامية حرة و
ففق تصورات ممنهجة و ايجابية. و نحن نرى اليوم كيف أن الإعلام التونسي قد عاد بنا
إلى العهد البائد في محاولة حثيثة لتشتيت الرأي العام و توجيه أنظاره إلى
المسلسلات و الرياضة، و بعد أيام سنجد المزود و قد استرجع موقعه على القنوات
التونسية كأن شيئا لم يكن، حتى الأخبار العربية و هي أخبار ثورية باتت مستهدفة و
تخلق نوعا من الضيق و القلق لدى المشرقين على سياسة الإعلام في تونس على اعتبار
أنها لا تساهم في التهدئة و تفتح عقول الناس على تجارب و حقائق لا يريد أن يسمع
إليها النظام و يتبناها.
باختصار لم يكن عيب النظام الرئاسي في نسخته التونسية عيبا في النظام
ذاته و لكن في الأشخاص الذين كانوا فيه. و إذا ما اتفقنا على أن العيب يكمن في
الأشخاص و ليس في النظام، فهذا يعني إن النظام البرلماني يمكن أن ينحرف به في
اتجاه التسلط و الفساد إذا ما كان الأشخاص القائمين عليه منحرفين و مستبدين تماما
كما إن النظام الرئاسي يمكن أن يكون ديمقراطيا إذا ما كان الأشخاص القائمين عليه
ديمقراطيون .
لسنا من أنصار النظام الرئاسي الذي يتميز بمميزاته الخاصة و يصعب على
النخب السياسية التعاطي معها و على مجتمعنا تفهمها، يكفي أن نذكر أن رئيس الدولة
لا يملك حق اقتراح القوانين، وان السلطة الفعلية قد تتحول بيد القضاة. و لسنا من
دعاة النظام البرلماني الذي يبقى و سيبقى دخيلا على مجتمعنا السياسي و يصعب التكيف
معه بطريقة ايجابية إذ بمجرد أن ينسحب حزب واحد في حكومة ائتلافية يمكن أن ينجر
عنه سقوط الحكومة بكاملها .
لم يعد هناك سوى النظام الشبه الرئاسي الذي اعتمدته فرنسا مع
الجمهورية الخامسة و تبنته مختلف دول أوروبا الشرقية بعيد سقوط جدار برلين هو
الأصلح للاهتداء به في المرحلة الراهنة ، و لكن اعتقادنا أن التجربة التونسية
قادرة أن تفرز نظاما أكثر استجابة لواقع تونس الموضوعي. و يستجيب لظروفها الخاصة و
إذا كان لزاما علينا أن نبقى في ظل ثنائية النظام البرلماني أو الرئاسي فبالإمكان
اعتماد نظام يقوم على المزج بينهما . صحيح أن ما حصل منذ الاستقلال إلى الآن هو
المزج بين مختلف عناصر النظام الرئاسي و النظام البرلماني بما يخدم الانفراد
بالسلطة وهو ما أفضى وظيفيا إلى نظام رئاسوي و هيكليا إلى نظام برلمانوي، و لكن
الوقت حان لكي نأخذ من النظام الرئاسي و من النظام البرلماني أفضل ما فيهما في
عملية مزج ربما تأسس لنظام جديد يمكن وصفه بالنظام البرلماسي .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire