أعلان الهيدر

الرئيسية عصر محمد على باشا - 1805 - 1848 م

عصر محمد على باشا - 1805 - 1848 م


عصر محمد على باشا ( 1805 - 1848 م )
عصر محمد على باشا - 1805 - 1848 م
ولد محمد على باشا بمدينة قولة إحدي مدن اليونان سنة 1769 م وكان أبوه إبراهيم أغا رئيس الحرس المختص بحراسة الطرق ببلده وكان له سبعة عشر ولدا لم يعش منهم غير محمد على ، وقد مات أبوه وعاش يتيما لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره فكفله عمه طوسون الذى توفي فكفله صديق والد حاكم المدينة " الشوربجي " ، فلما بلغ محمد أشده انتظم فى سلك الجهادية وسرعان ما ظهرت شجاعته ثم تزوج من إحدي قريبات متصرف قولة وكانت واسعة الثراء وأنجب منها إبراهيم وطوسون وإسماعيل وتفرغ للتجارة وخاصة تجارة الدخان إلا أنه سرعان ما عاد للحياة العسكرية وذلك عندما أغار نابليون بونابرت على مصر وشرع الباب العالي أو تركيا فى تعبئة جيوشها انضم محمد على إلى كتيبة مدينة قولة التى ركبت السفينة التركية التى رست فى ساحل أبو قير بالإسكندرية بقيادة حسين قبطان باشا فى شهر مارس سنة 1801م ، وهكذا جاء محمد على إلى مصر واشترك فى المعارك الأخيرة التى دارت بين الإنجليز والأتراك من جانب والفرنسيين من جانب أخر وظهر اسمه فى هجوم الجيش التركي على الرحمانية وساعده الحظ بانسحاب الفرنسيين من قلعة الرحمانية فاحتلها محمد على دون عناء .
 وقد ظل محمد على بمصر وشهد انتهاء الحملة الفرنسية على مصر وفى أثناء ذلك كان قد رقي إلى مرتبة كبار الضباط فنال رتبة بكباشي قبل جلاء الفرنسيين ثم رقاه خسرو باشا إلى رتبة " سر جشمه " أولواء ، وكان فى ذلك الوقت الصراع دائرا فى مصر على السلطة وخاصة أن إنجلترا قامت فى 27 مارس سنة 1802م بعقد صلح عرف بصلح أميان AMIENS بين فرنسا وإنجلترا وهولندا وإسبانيا وكان من شروط هذا الصلح جلاء الإنجليز عن مصر ، كما أن الحرب بين المماليك والأتراك قد اشتدت  فبدأ محمد على أن يدبر لنفسه خطة لم يسبقه إليها أحد وهى التودد إلى الشعب المصري واستمالة زعماؤه للوصول إلى قمة السلطة وخاصة بعد ثورة الشعب ضد المماليك فى مارس سنة 1804 م من كثرة وقوع المظالم وزيادة الضرائب على الشعب المصري كذلك كثرة اعتداء المماليك والجنود الألبانيين على الأهالي فبدأ محمد على فى هذه الأثناء فى استمالة الشعب المصري له واختلط بالعامة وانضم إلى المشايخ والعلماء ، وفى سنة فى سنة 1805م حدثت ثورة بالقاهرة ضد الأتراك بدأت عندما اعتدي الجنودالدلاة - جنود من عناصر السلطنة العثمانية - على أهالي مصر القديمة وأخرجوهم من بيوتهم ونهبوا مساكنهم فاجتمع العلماء وذهبوا إلى الوالي خورشيد باشا وخاطبوه فى وضع حد لفظائع الجنود الدلاة إلا أن الوالي لم يستطع عمل شيئا فبدأت الثورة تأخذ طريقها ضد الوالي التركي وجنوده وهنا اغتنم محمد على تطور أحداث هذه الحركة ليؤيدها ويناصر الشعب كما فعل فى ثورة الشعب ضد المماليك ، وفى تلك الأثناء حاول خورشيد باشا إبعاد محمد على عن مصر حيث نجح فى جعل الباب العالي يصدر فرمانا سلطاني بتقليد محمد على ولاية جدة إلا أن الشعب المصري وزعمائه وعلمائه كان قد أصدر حكمه بعزل الوالي العثماني خورشيد باشا وتعيين محمد على واليا على مصر بدلا منه فى 13 مايو سنة 1805م وهكذا تولي محمد على باشا حكم مصر نزولا على رغبة أبنائها وهو ما يعد انقلابا عظيما فى نظام الحكم لتبدأ مصر مرحلة جديدة من النهضة أثرت على تاريخها السياسي والحربي والاقتصادي والاجتماعي فما أن بدأ محمد على باشا حكم مصر إلا وكان قد عزم بل وصمم على أن يجعل من مصر دولة لها سيادة بعد غياب قرون طويلة لهذه السيادة وتسير على نفس خطي التقدم والرقي الذى تشهده دول العالم الكبري فى ذلك الوقت وبخاصة إنجلترا وفرنسا بعد أن ظلت مصر ولاية تابعة للدولة العثمانية لمدة ثلاثة قرون متعاقبة تتنازعها قوي عديدة . بعد أن استتب لمحمد على باشا الحكم قضي على أعدائه من المماليك فى مذبحة المماليك الشهيرة سنة 1811م كما قام بإلغاء فرق الجنود الإنكشارية أو فرق الجنود العثمانية وبدأ فى إرساء دعائم جديدة كانت بدايتها أو نواتها الأولي هى النهوض بمصر فى كافة النواحي فبدأ أولا بالنهوض بالجيش وتنظيمه حيث قام الكولونيل سيف الذى عرف فيما بعد باسم الجنرال سليمان باشا الفرنساوي بتدريب أو تكوين فرقة جديدة من الجيش عرفت فى الوثائق الرسمية وكتب المؤرخين باسم " اليكيجريه " أو الجيش الجديد وكان قوام هذه الفرقة فى البداية من صغار المماليك وبعضا من الجنود الإنكشارية العثمانية والألبان إلا أن هذه البداية فشلت فشلا ذريعا بل إن الألبان ثاروا ضد محمد على باشا وقاموا بتحريض الشعب المصري على رفض هذه البدعة ، إلا أن هذا لم يكن ليثني محمد على باشا عن المضي فى التقدم بالجيش فقام بمحاولة ثانية وهي تجنيد فرقة من الجند السودان إلا أن هذه المحاولة فشلت أيضا لتفشي الأمراض بين الجند ومن هنا بدأ محمد على فى التفكير فى تشكيل جيش مصري جنوده من المصريين وكان هدفه من ذلك إنشاء جيش من المصريين يحقق أغراضه التوسعية وللدفاع عن بلادهم وإعلاءها ، وبذلك استطاع محمد على تثبيت أركان حكمه بالنهوض بالجيش المصري فأنشئت أول مدرسة حربية للمشاه سنة 1820 م وكان يتم تدريبهم بميدان الرميلة أو قره ميدان - ميدان القلعة حاليا - حيث كان يتولاهم محمد على بنظره أثناء التدريب ثم نقلت هذه المدرسة إلى أسوان فى سنة 1821 م ثم ازدادت المدارس الحربية وفتحت مدارس بكل من فرشوط والنخيلة وجرجا ، وفى سنة 1823م كان التشكيل الأول للجيش المصري وكان مكونا من ست كتائب ثم ارتفع عدد هذه الكتائب فيما بعد وأصبح الجيش المصري يواكب أحدث النظم العسكرية فى العالم فى ذلك الوقت .

وكما اهتم محمد على باشا بتنظيم الجيش المصري على أحدث النظم الحربية اهتم بالنهوض بمصر فى كافة المجالات وبخاصة فى العمارة التى تميزت بطرز جديدة وافدة على مصر كان أغلبها أوربي نظرا لاستقدام محمد للعديد من المهندسين والعمال الأجانب لبناء العديد من العمائر سواء الدينية أو المدنية أو الحربية وكان هؤلاء المهندسين أغلبهم من تركيا ومن أوربا فبدأ فى الظهور أنماط تركية وألبانية وأوربية نتيجة لتوافد هذه العناصر على مصر فى القرن التاسع عشر الميلادي على العمارة والفنون فعرف هذا الطراز فى كتب المؤرخين باسم " الطراز الرومي " . كما تميز عصر محمد على باشا بالنهضة فى التنظيم والهندسة فى العمارة ممثلة فى أنه أصبح يوجد لائحة للتنظيم حيث فتحت الحارات والدروب والسكك وسهل المرور بها أصبح الناس بمصر يتبعون فى مبانيهم الطرز المعمارية الحديثة كما انتدب محمد على باشا المهندسين وملاحظي المباني ليطوفوا بالمدن للكشف عن المساكن والدور القديمة ويأمروا أصحابها بهدمها وتعميرها فإن عجزوا أمورا بإخلائها ولتقوم الحكومة بترميمها على نفقتها الخاصة لتكون بعد ذلك من أملاك الدولة ، أيضا قام محمد على باشا بوضع أولي لبنات التعليم فى مصر على الرغم مما لاقاه من صعوبات بالغة تمثلت فى المعارضة الشديدة من الأتراك من ناحية ومن التخلف والجهل الذى كان يسود مصر من ناحية أخري نظرا لكثرة الفتن والخلافات والصراعات بين المماليك والأتراك ومن هنا بدأ فى نشر المدارس المختلفة لتعليم أبناء الشعب المصرى ومنها المدارس الحربية مثل مدرسة السواري أو الفرسان بالجيزة مدرسة المدفعية بطره مجمع مدارس الخانكة ، مدارس الموسيقي العسكرية وغيرها من المدارس ، أيضا كان هناك العديد من المدارس الأخري مثل مدرسة الألسن ومدرسة الولادة ومدرسة الطب أو مدرسة القصر العيني ومدرسة الطب البيطري ومدرسة الزراعة وغيرهم من المدارس .
 وكما اهتم محمد على باشا بالتعليم بمصر بمختلف أنواعه اهتم أيضا بالصناعة التى تطورت تطورا كبيرا فى عهده والتى أصبحت ثاني عماد للدولة بعد التعليم بكافة أشكالها وبخاصة الحربية لمواكبة الأنظمة التى كانت موجودة بأوربا وحتي لا تعتمد مصر على جلب كافة احتياجاتها من الخارج الأمر الذى سيجعلها تحت رحمة الدول الكبرى من ناحية واستنزاف موارد الدولة من ناحية أخري إلى جانب أن معظم الخامات المستخدمة فى الصناعة كانت موجودة فعلا بمصر فضلا عن توفر الثروة البشرية ، وهكذا تم إنشاء العديد من المصانع وكان أول مصنع حكومي بمصر هو مصنع الخرنفش للنسيج وكان ذلك فى سنة 1231 هـ / 1816 م ثم بدأت تتوالي المصانع سواء الحربية أو غيرها الأمر الذى أدي بمحمد على إلى اتباع سياسة خاصة للنهوض بهذه المصانع بدأها أولا باستخدام الخبراء والصناع المهرة من الدول الأوربية لتخريج كوادر مصرية من رؤساء وعمال وصناع وفنيين وإحلالهم محل الأجانب بالتدريج .
وقد انقسمت الصناعات الجديدة التى أدخلها محمد على باشا إلى مصر إلى ثلاثة أقسام الأول وهو الصناعات التجهيزية وتمثلت فى صناعة آلات حلج وكبس القطن وفى مضارب الأرز ومصانع تجهيزه ، وتجهيز النيلة للصباغة ، ومعاصر الزيوت ومصانع لتصنيع المواد الكيماوية كما قام محمد على باستبدال الطرق البدائية فى الصناعة وإدخال بدلا منه الآلات سواء الميكانيكية أو التى تدار بالبخار والمكابس ، أما القسم الثاني وهى الصناعات التحويلية وهى الصناعات المتعلقة بالغزل والنسيج بكافة أنواعه ، القسم الثالث وهو الصناعات الحربية وقد بدأ محمد على باشا فيها بعد قيام الحرب الوهابية سنة 1811 - 1819م حيث أسس أول ترسانة أو دار للصناعة بالقلعة - ورش باب العزب - ليكون على أحدث النظم الأوربية فى ذلك الوقت لتتوالى المصانع الحربية بعد ذلك بأنحاء مصر ، هذا ولقد كان ذلك بعضا مما شملته أوجه النهضة بمصر فى عهد محمد على باشا .
محمد على يعمل على تذليل الصعاب
تلك هى الصعاب التى واجهها محمد على فذللها واحدة واحدة بعبقريته العظيمة ، بادئا بالسعى لطبع العمل الذى تم بالطبع الشرعى ، اى بالسعى لحمل الباب العالى على الاعتراف بما حدث ، وفعلا اوفد الباب العالى رسولا الى مصر ( صالح بك ) يحمل الفرمانات التى تنص على تعيين ( محمد على ) قائم مقام على القاهرة ، واحتفل بتلاوة هذه الفرمانات يوم 10 يولية ، ولكن لم يصبح ( محمد على ) الحاكم المطلق بمصر الا يوم 7 اغسطس سنة 1805 ، وهو يوم رحيل ( خسرو باشا ) من القاهرة .
كانت الخطوة الثانية التى وجه محمد على اليها عنايته هى القضاء على نفوذ المماليك ، ولقد كلفته هذه الخطوة عناءا عظيما لنفوذ المماليك لدى الباب العالى وتألبهم على محمد على .
محاولة الانجليز احتلال رشيد :
حاول الانجليز احتلال رشيد فى 29 مارس سنة 1807 ، ولكن الحظ لعب دوره ، فبدلا من ان يخف المماليك الى الانضمام الى الانجليز ، اتفقوا مع محمد على واذعن الاهلون لسلطته ، وفشل الانجليز فى محاولتهم وتقهقروا الى الاسكندرية بعد ماخسروا 400 قتيل ، واسر رجال محمد على منهم مثل هذا العدد فى معركة الحماد المشهورة ، وفى 14 سبتمبر سنة 1807 امضيت اتفاقية بين الانجليز ومحمد على اخلى الانجليز بمقتضاها الاسكندرية .واذا كانت الحملة الانجليزية على مصر سنة 1807 قد كلفت محمد على كثيرا من المال والرجال ، فأن نتائجها جاءت اسطع دليل على انه غدا صاحب الامر والنهى فى مصر ، فوطدت مقامه بقدر ماكشفت عن ضعف المماليك ، وكان من نتائجها كذلك انها كشفت للسلطان ورجاله عن حقيقة قوة محمد على ، فقدروه حق قدره ، واسدت الحملة الانجليزية فائدة اخرى الى محمد على وهى انها نبهته الى ماللاسطول البريطانى من سلطان على البحار ، فأخذ يفكر فى الفائدة الاقتصادية التى تجنيها مصر لو اصبح هذا الاسطول صديقا لها .
حملة محمد على على الوهابيين :
فى 3 سبتمبر سنة 1811 ابحرت الحملة التى انتخبها محمد على تحت قيادة ابنه طوسون باشا للقضاء على الوهابيين ، وانهزمت هذه الحملة اولا فى ( الحديدة ) الا ان محمد على ارسل حملة عزز بها قوات طوسون باشا ، وما اتى شهر نوفمبر سنة 1812 حتى كان طوسون باشا قد استولى على ( المدينة المنورة ) وفى اوائل سنة 1813 استولى على مكة وجدة ، واخذ الناس يدعون للسلطان فى مساجد الاراضى المقدسة .
فى اواخر سنة 1812 قرر ( محمد على )  ان يسافر الى الحجاز ليتولى القيادة بنفسه ، وليشرف على بسط النظام فى ربوع الحجاز ، وقد ظهر فيما بعد انه اراد كذلك خلع شريف مكة لتواطئه مع الوهابيين ، وقد خلعه فعلا وارسله مع اولاده الثلاثة الى مصر ، فأقلق هذا الاجراء بعض القبائل فثارت ، بينما كان الوهابيون يجمعون جموعهم استعدادا لهجوم جديد ، فأرسل محمد على فى طلب مدد من مصر ، فجاء هذ المدد مؤلفا من اقوام واجناس متعددة ، ومنيت قوته بأنكسار بجوار الطائف ، وبعد ايام منى نجله ( طوسون ) بأنكسار اخر فى طرية ، وفقد رجاله مدفعيتهم وامتعتهم ، وفى تلك الظروف العصيبه توفى الامير سعود ( ابريل سنة 1814 ) وعجز انجاله الثلاث عن توحيد كلمتهم ، فأنتهمز ( محمد على ) هذه الفرصه وعزز قواته واستمال اليه رؤساء القبائل ، وتولى بنفسه قيادة جيشه ، فهاجم الواهبيين فى ( بسل ) وهزمهم شر هزيمة ، وعاد محمد على الى مصر تاركا الحملة فى يد طوسون باشا الذى لم يلبث ان عقد صلحا مع الامير عبد الله خليفة الامير سعود ، وبمقتضى هذا الصلح تنازل الوهابيون عن جميع حقوقهم على القبائل الضاربة فى المناطق التى احتلها محمد على ، ولم تنقض فترة قصيرة من الزمان حتى جاءت الاخبار من الحجاز بأن بعض القبائل العربية تمردت بتحريض من الوهابيين ، وكان طوسون قد توفى فى مصر فى تلك الاثناء ، فأسند محمد على قيادة الحملة الجديدة الى نجلة ( ابراهيم ) وكان يومئذ فى السادسة والعشرين من عمره ، وكان قد سافر الى الحجاز قبل والده ، وماكاد ابراهيم يصل الى الجزيرة العربية حتى اخذت مواهبه كقائد تتجلى بأجلى مظاهرها ، وظل ابراهيم يناوش الوهابيين ويتقدم بحذر وحساب ، ويعد العدة لهجوم حاسم ، الى ان كان شهر سبتمبر سنة 1818 فضربهم ضربة قاضية فى قلب بلادهم ، وارسل عددا كبيرا من امرائهم الى مصر .
وكافأ الباب العالى ابراهيم على هذا الانتصار بتعيينه واليا على الحجاز .
حملة محمد على على السودان :
لم يكد ( محمد على ) ينتهى من القضاء على سطوة الوهابيين حتى فكر فى فتح السودان لعدة اسباب اهمها :
        القضاء على بقية المماليك الذين لجأوا الى دنقلة ونزلوا الى بلاد النوبة .
        البحث عن الذهب .
        اكتشاف منابع النيل .
        استخدام قوات محاربة من اهل السودان .
وكذلك كان محمد على يرى ان رخاء مصر يتوقف الى حد كبير على استيلائه على السودان واخضاعه لسلطته ، وبدأت حملة السودان سيرها من القاهرة فى يولية سنة 1820 تحت قيادة نجل محمد على الثالث ( اسماعيل ) ، والتقت وحدات هذا الجيش فى اسوان ، وبعد مانظمت مؤونتها وذخيرتها اجتازت الحدود المصرية ودخلت ( دنقلة ) فهزمت قوى المماليك بسهولة ومضت الحملة لاتلقى ايه مقاومة حتى ( كورتى ) ثم ( بربر ) فدخلتها فى مارس سنة 1821 ، وبعد شهرين دخلت ( شندى ) ، وظل اسماعيل يتوغل فى البلاد الى ان بلغ ملتقى النهرين حيث تقوم اليوم مدينة ( الخرطوم ) التى انشأها محمد على ، ثم اتجه نحو النيل الازرق واستولى على سنار .
وفى اثناء وجود الجيش فى سنار انتشر المرض بين الجنود ، فأضطر اسماعيل الى طلب مدد من ابيه ، فأرسله اليه بقيادة ابراهيم باشا ، واتفق الاخوان على تقسيم العمل بينهما ، فكانت مهمة اسماعيل الزحف بجيشه على النيل الازرق ، بينما اتجه ابراهيم لكشف منابع النيل الابيض .
ووصل اسماعيل فى زحفه على النيل الازرق الى ( قرمان ) اما ابراهيم فأكرهه مرض ( الدوسنتاريا ) على العودة الى مصر بعدما وصل بجيشه الى ( دنكا ) .
وفى منتصف سنة 1822 ارسل محمد على جيشا ثالثا بقيادة صهره ( محمد بك الدفتردار ) لغزو ( كردفان ) فأستولى على الابيض ، وانتقم من ملك شندى وكان قد حرق اسماعيل وبعض صحبه فى اثناء عودتهم الى مصر .
ومن ذلك الوقت اخذت الفتوحات المصرية تمتد فى جوف السودان وعند ذلك خشى ( سولت ) قنصل انجلترا العام فى مصر ان تشمل الحملة فتح الحبشة ، فقابل محمد على وافضى اليه بأن انجلترا لاترحب بعمل كهذا ، فقال له ( محمد على ) على الفور بصراحة تامة انه مع ان الحبشة مملؤة ذهبا ومجوهرات ، وفتحها امر محقق فأنه يؤثر العدول عن ذلك حتى لاتسوء علاقته ببريطانيا .
وفى سنة 1838 زار محمد على السودان .
وهكذا استطاع محمد على بما اوتى من ذكاء ودهاء وكياسة وسياسة ان يصون وحدة مصر وان صون فى الوقت عينه علاقاته بفرنسا وانجلترا وان يوقف الباب العالى عند حده  
حرب الموره :
فى عام 1820 ثارت اليونان ضد الحكم العثمانى ، فلجأ الباب العالى الى اقوى ولاته محمد على باشا ، يستعين بجيشه على قمع الفتنة باليونان ، وكان السلطان قد ارسل اليها عام 1822 جيشا بقيادة خورشيد باشا لم ينل غير الهزيمة .
وفى عام 1823 عين السلطان محمد على واليا على جزيرة كريت مع ولايته على مصر واصدر اليه اوامره بأخماد ثورتها ، فأخضعها ابراهيم باشا واحتلتها الجنود المصرية ، وفى عام 1824 عين محمد على واليا على بلاد الموره لأخضاعها ، وفى منتصف يوليه من العام المذكور اقلع الاسطول المصرى من الاسكندرية بقيادة الاميرالاى اسماعيل وكان مجموع سفنه 63 ، واستأجر 36 سفينة لنقل العدد والذخيرة ، وكان عدد القوات البرية 17000 من المشاة ، و 700 من الخيالة واربع بطاريات مدفعية ومدافع اخرى للقلاع وللجبال ، وكانت هذه القوات كلها تحت قيادة البطل ابراهيم باشا .
تقابل الاسطولان المصرى والعثمانى فى جزيرة ( رودس ) واتجها الى بلاد المورة ونزلت الجيوش قرب قلعة ( متون ) فتقهقر اليونانيون الذين كانوا يحاصرونها .
وتقدم الجيشان المصرى والعثمانى فى داخل البلاد وخضعت معظم بلاد الموره وكانت اهم معارك هذه الحرب الاستيلاء على ( تريبولترا ) و ( مسيولونجى ) التى قاومت رشيد باشا مدة طويلة حتى اسقطها ابراهيم باشا ، اما اثينا فقد فتحت ابوابها بعد مقاومة عنيفة عام 1827 ، وقد بلغت خسائر الجيش المصرى فى حصار ( مسيولونجى ) وحدها ستة الاف قتيل ، اما الاتراك فقد خسروا عشرين الفا مع ذلك فقد خضعت اليونان للجيوش المنتصرة   ولكن سرعان ماأتخذ الموقف شكلا جديدا فقد تدخلت الدول الاوروبية لنقض النتائج الفعلية التى ربحها المنتصر بعد ان رأت تلك الدول ان النتيجة المباشرة لذلك النصر ستجعل شرق البحر الابيض المتوسط بحيرة مصرية دعامتها جزيرة كريت التى يرفرف عليها العلم المصرى برجالة الذين يأتون اليها من القاهرة ، وستكون لتلك الجزيرة اهمية استراتيجية تربط سواحل الاسكندرية وسواحل اليونان الجنوبية بعد ان تؤول حكومتها الى ابراهيم باشا .
فأتفقت الدول الثلاث انجلترا وفرنسا وروسيا على ارسال اسطول بقيادة الاميرال كورنجتون لأيقاف التقدم المصرى العثمانى المشترك .
وتمكن كورنجتون من ابرام هدنة مع ابراهيم باشا كانت فى مصلحة اليونان وفى الوقت ذاته كانت تدور مفاوضات الصلح بين هذا القائد والسلطان لمنح اليونان استقلالها الداخلى .
فى تلك الاثناء تمكنت بعض سفن الدول المذكورة من دخول ميناء ( نفارين ) وكان راسيا فيها الاسطول المصرى العثمانى .
وفى اليوم التالى اخبر ابراهيم باشا كورنجتون ان احد الثوار اليونانيين يهاجم بقواته ( برتاس ) وانه مضطر الى تخليصها من ايديهم ، فلم يقبل كورنجتون ان يبارح ابراهيم خليج نفارين ولو انه استطاع الافلات ببعض سفنه تاركا معظم سفن الاسطول بالميناء .
نفارين :
اصدر ( كورنجتون ) اوامره لأسطول الحلفاء بالدخول فى الخليج استعدادا للتحكك بالاسطول المصرى ، وتصادف ان اقتربت احدى السفن التركية من احدى البوارج الانجليزية ، فأرسلت هذه زورقها تأمرها بالابتعاد ، فجاوبتها بتصويب نيرانها الشديدة عليه فنشب القتال فى الحال بين الفريقين ، واستمر حوالى ثلاث ساعات دمر اثنائها الاسطول المصرى العثمانى .
ولم تختتم معركة نفارين عند هذا الموقف ، فقد ظهر كورنجتون عند الاسكندرية وانذر محمد على باشا بتخريب الميناء اذا لم يخل ابراهيم المورة .
كان ابراهيم باشا منهمكا فى تهدئة داخلية المورة فأصبح بعد ( نفارين ) كما كان نابليون فى مصر بعد معركة ابو قير البحرية .
وفى ذلك الوقت تخابرت انجلترا وفرنسا مع محمد على بواسطة قنصليهما فى مصر ، واتفقا معه فى 3 اغسطس سنة 1828 على سحب جيوشة واخلاء شبه جزيرة المورة ، فأمر الباشا ابنه بالجلاء .
وفى اكتوبر سنة 1828 اخلى ابراهيم باشا اليونان واحتلها الفرنسيون ، واعترفت الدولة العثمانية بأستقلال اليونان عقب حرب انتصرت فيها روسيا على العثمانيين بموجب معاهدة ادرنة فى 14 سبتمبر 1828 .
وكانت خسائر مصر فى اليونان فادحة فقد بلغت القوات التى جردتها لهذه الحرب اثنين واربعين الفا خسرت منهم ثلاثين الفا ، وبلغت نفقات الحملة 775 الفا من الجنيهات ، وفقدت ايضا اسطولها الناشىء ، ولم تنل مصر من مساعدتها للدولة العلية سوى ان محمد على باشا ضم اليه جزيرة كريت التى كافأه بها السلطان محمود .
ولكن مما نزاع فيه ان هذه الحرب قد اكسبت مصر منزلة معنوية كبيرة لأنها كانت اول حرب اوروبية خاض الجيش المصرى غمارها وبرهن فيها على كفاءته ، واثبت انه يضارع ارقى الجيوش الاوروبية فى ميادين القتال ، فلا غرو ان ارتفع شأن مصر ونال جيشها شهرة عالية بين الجيوش الاوروبية فى ذلك الحين .
وكان من نتائج الحرب اليونانية ان اخذت مصر تكتسب مركزا دوليا ، فأن الدول الاوروبية قد فاوضت محمد على رأسا دون وساطة تركيا ، فكسبت بالفعل مركزا ممتازا بين الدول ، وهذا ماحدا محمد على ان يعمل على تنفيذ فكرة الاستقلال عن تركيا ويطمح فى الاستقلال عن تركيا ويطمح الى الانفصال عنها وتحقيق استقلال مصر.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.