أعلان الهيدر

الرئيسية هل حب الوطن يتعارض مع الولاء الدين ؟؟

هل حب الوطن يتعارض مع الولاء الدين ؟؟


هل حب الوطن يتعارض مع الولاء الدين ؟؟
هل حب الوطن يتعارض مع الولاء الدين ؟؟
أيها المسلمون : البشر يألفون أرضهم على ما بها حتى ولو كانت قفرًا موحشة، وحب الأوطان غريزةٌ مستوطنةٌ في النفوس تجعل الإنسان يستريح للبقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجم ، ويغضب له إذا انتقص ، والوطنية بهذا المفهوم الطبيعي أمرٌ غير مستغرب ، وهذه السعادة به، وتلك الكآبة لفراقه، وهذا الولاء له ، كلُّها مشاعرُ إنسانيةٌ لا غبار عليها ولا اعتراض، ولا يجوز أن تكون مفهومًا مشوهًّا يُعارَض به الولاءُ للدين
فالإسلام لا يغير انتماءَ الناسِ إلى أرضِهم ولا شعوبِهم ولا قبائلهم ، فقد بقي بلالٌ حبشيًّا ، وصهيبٌ روميًّا ، وسلمانُ فارسيًّا ، ولم يتضارب ذلك مع انتمائهم للإسلام ، وعندما يفكرُ الإنسانُ في طبيعته فسيجدُ أن له محبةً وولاءً وانتماءً لأسرته وعشيرته وأهلِ قريته؛ كما يُـحِسُّ بانتمائه الكبيرِ للأمة الإسلامية باتساعها وتلون أعراقها ولسانها، ولا تعارض بين هذه الانتماءاتِ ولا مساومةَ عليها ، بل هي دوائرُ يحوي بعضُها بعضًا
أيها المسلمون : إن من المغالطة الإيهام بالتعارض بين الوطنية بمفهومها الطبيعي وبين الإسلام ، إن تصوير هذا التعارضِ ليس إلا حيلةً للنيل من الإسلامِ ، واستغلالاً للمحبةِ الغريزيةِ للوطن ؛ لإيهام الناسِ بأنَّ التمسكَ بتفاصيل الشريعة يُعَطِّلُ بعضَ مصالح الوطن ، وذلك عبرَ مصادمةِ أحكامِ الشريعةِ لمطالب الوطنية
وإننا لا نريد أن نقابل غلوًّا بغلو ، يجب أن لا نُستفزَّ من قِبل من غالى في الوطنيةِ ورفعَ شعارها ندًّا للإسلام ليجعلنا نتجاهلُ حقوقَ الوطنِ ونتساهلُ فيها ، يجبُ أن لا نسيرَ بغفلةٍ خلف الشعاراتِ المستوردة والمصطلحات الدخيلة ، وإن المفهوم المستورد للوطنية مفهومٌ يرفضه الإسلام، وهو مستحدث في ثقافتنا وحضارتنا ، وهو معنى فاسد حين يَجعلُه الإنسان وثنًا تُسخَّر له كلُّ المبادئ ولو عارضت الإسلام ، فالوطنية ليست ولاءً وبراءً فوق العقيدة ، وليست مجرد احتفالاتٍ ومظاهرَ شكلية ، وليست مجرد مادة دراسية باسم " التربية الوطنية " ؛ إن الوطنية عقيدة فكرية ، وتربية نفسية ، نزرعها في نفوس أبنائنا
وجوهر الوطنية : عقيدة صحيحة ، وبيعة في العنق ، وأداء للحق ، وولاء وطاعة ، وثمة فروع وقشور ربما تختلف فيها أنظار العلماء ، وربما يكون بعضها دخيلاً على الوطنية ، ولا يدل عليها ، وإنَّ من الخطر أن تختطفَ الوطنيةُ ، وتُبْتدعَ لها المعايير الشكليّة، ثمَّ يفتنُ الناس بها ويمتحنون بناءً عليها ، فتُربط الوطنية بتعليق الصور أو تحية العلم الوطني أو الاحتفال بيوم الوطن ، أو منح الإجازات للموظفين ، وتجعل هذه الأمور هي محكات المواطنة الصحيحة ، فمن قام بها فهو المواطن المخلص ، ومن تحرّج منها فوطنيّتُه مشكوكٌ فيها ، وولاؤه فيه نظر ، ولو كان أمينًا مخلصًا آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر ، ومن التناقضات في المواطنة أن يَخُونَ المسئولون عن الأمانات ، ويظلموا الآخرين، ويستخفوا بالمسئولية، أو يوظِّفَوها لمصالحهم الشخصية
إن العقيدة الإسلامية هي أساس وطنية المسلمين ، ولذلك فحدود الوطن - التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره - لا تقتصر على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء ، بل إن الوطن يشمل القطر الخاص أولاً ، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى ، ومن ثم يوفق الإسلام بين شعور الوطنية الخاصة وشعور الوطنية العامة ؛ لأن الإسلام قد فرضها فريضة لازمة لا مناص فيها : أن يعمل كل إنسان الخير لبلده ، وأن يتفانى في خدمته ، وأن يقدم أكثر ما يستطيع من الخير للأمة التي يعيش فيها ، وأن يقدم في ذلك الأقرب فالأقرب ، رحمًا وجوارًا ، حتى إنه لم يُجز أن تُنقل الزكوات أبعد من مسافة القصر - إلا لضرورة - إيثارًا للأقربين بالمعروف ، فكل مسلم عليه أن يخدم الوطن الذي نشأ فيه ، ومن هنا كان المسلم أعمق الناس وطنية ، وأعظمهم نفعًا لمواطنيه ؛ لأن ذلك مفروض عليه من رب العالمين ، وأشد الناس حرصًا على خير وطنه ، وتفانيًا في خدمة قومه ، وهو ينتمي لهذه البلاد العزيزة المباركة ، بلاد العزة والمجد والرقي
إن القرآن الكريم يتحدث عن حب الإنسان لوطنه كمعادل وقرين لحب هذا الإنسان للحياة !.. ولذلك فالإخراج من الديار معادل ومساو للقتل الذي يخرج الإنسان من عداد الأحياء !.. ( ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركُم ما فعلوهُ إلا قليلٌ منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدَّ تثبيتاً
ومن بنود المواثيق التي أخذها الله على بعض الأمم ، نتعلم أن الإخراج من الديار ، والحرمان من الوطن ، هو معادل لسفك الدماء والإخراج من الحياة : ( وإذ أخذنا ميثاقكُم لا تسفِكون دماءَكُم ولا تُخرجون أنفسكُم من دياركُم ثمَّ أقررتُم وأنتم تشهدون* ثم أنتُم هؤلاءِ تقتلونَ أنفسكُم وتخرجونَ فريقاً منكم من ديارهِم تظاهَرونَ عليهم بالإثمِ والعدوانَ وإن يأتوكم أسارى تُفادوهم وهو محرمٌ عليكم إخراجُهُم أفتؤمنونَ ببعضِ الكتابِ وتكفرونَ ببعض فما جزاءُ من يفعلُ ذلك مِنكُم إلا خزيٌ في الحياةِ الدُّنيا ويومَ القيامةِ يردونَ الى أشد العذابِ وما اللهُ بغافلٍ عما تعملون
ولذلك جعل القرآن الكريم " استقلال الوطن وحريته " الذي هو ثمرة لوطنية أهله وبسالتهم في الدفاع عنه ، جعل ذلك حياة " لأهل هذا الوطن .. بينما عبر عن الذين فرطوا في الوطنية ، ومن ثم في استقلال وطنهم بأنهم " أموات ".. وجعل من عودة الروح الوطنية إلى الذين سبق لهم التفريط فيها، عودة لروح الحياة إلى الذين سبق وأصابهم الموت والموات ؟!.. ( ألم ترَ إلى الذينَ خرجوا مِن ديارهم وهُم ألوفٌ حذرَ الموتِ فقالَ لهمُ اللهُ موتوا ثُمَّ أحياهم إن الله لذو فضل على الناسِ ولكن أكثرَ الناس لا يشكرون* وقاتِلوا في سبيلِ اللهِ واعلموا أنَّ الله سميعٌ عليمٌ
فالذين خرجوا من ديارهم - وليس الذين أخرجوا - لضعف في وطنيتهم ، جعلهم يحذرون الموت ، هم أموات ، مع أنهم ألوف يأكلون ويشربون !.. وعودة الوطنية إليهم ، واستخلاصهم لوطنهم ، هو إحياء لهم بعد الممات
لقد كتب الأستاذ الإمام محمد عبده في تفسيره لهذه الآية يقول : " تلك سنة الله تعالى في الأمم التي تجبن فلا تدفع العادين عليها .. وحياة الأمم وموتها ، في عرف الناس جميعهم معروف ، فمعنى موت أولئك القوم هو أن العدو نكل بهم فأفنى قوتهم ، وأزال استقلال أمتهم ، حتى صارت لا تعد أمة ، بأن تفرق شملها ، فكل ما بقي من أفرادها خاضعين للغالبين ضائعين فيهم ، مدغمين في غمارهم ، لا وجود لهم في أنفسهم ، وإنما وجودهم تابع لوجود غيرهم ، وحياتهم فى عودة الاستقلال إليهم !.. إن الجبن عن مدافعة الأعداء ، وتسليم الديار بالهزيمة والفرار ، هو الموت المحفوف بالخزي والعار ، وإن الحياة العزيزة الطيبة هي الحياة الملّيَة ( الوطنية ) المحفوظة من عدوان المعتدين

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.