جدل
العبد و السيد
يقول هيجل إنه
لابد للمرء من يخاطر بحياته ، لأنه عندئذ يستبقي حريته ، ويصون كرامته ، مثبتا
لنفسه و للآخرين أن ماهية وعيه بذاته ليست هى الوجود المحض أو الحياة الحيوانية
الصرفة ، بل هي الوجود التاريخي أو الجدلي ، أو هي الحياة الإنسانيه الصحيحة . و
الحق أن الوجود البشري في صميمه وجود اجتماعي ، كما أن التاريخ البشري هو تاريخ
الرغبات المرغوب فيها ، وبالتالي فهو تاريخ الصراع الدامي الأليم من أحل انتزاع
اعترف الآخرين بحرية الذات ، و استقلالها .
و الصراع البشري
يقوم به طرفان يريد كل منهما أن يثبت ذاته و يؤكدها ، باعتبارها فوق مستوى الحياة
الحيوانية الصرفة ، و الوجود التجريبي الطبيعي ، ومن ثم فإنه يضع حياته نفسها موضع
الخطر ، آخذا على عاتقه مواجهة الموت ! و لكننا لن نلبث أن نجد أنفسنا مرة أخرى
بإزاء ضرب من الانقسام أو الازدواج ؛ لأن الوعي بالذات سوف يواجه هذا الموقف الحيوي
علي نحوين مختلفين :
أحد الطرفين سوف
يمضي بعملية الصراع حتي نهاية الشروط ، أعني لدرجة المخاطرة و مواجهة الموت ،
مؤكذا بذلك وعيه الخالص بذاته ، بينما نجد أن الطرف الآخر سوف يخشي الموت و يجزع
من الخطر ، و بالتالي فإنه لن يخطار بحياته في سبيل الحصول على اعتراف الآخر به ،
وهذا ما عبر عنه هيجل بقوله : ( إننا هنا بإزاء وعي قد استشعر القلق ، لا بصدد هذا
الأمر أو ذاك ، ولا في هذه اللحظات أو تلك ، بل هو قد استشعره بصدد صميم ماهيته
بتمامها ، ما دام قد عاني الخوف من الموت ، و الموت هو السيد المطلق ) .
فنحن أمام موقفين
، موقف السيد ، و موقف العبد ، و علي حين أن السيد قد خاطر بحياته حتي انلهاية
فاستطاع أن يظفر باعتراف الوعي الآخر به ، نجد أن العبد قد رفض المخاطرة ، و تخلي
عن رغبته ، و من ثم فإنه قج اقتصر على إشباع رغبه الآخر ، وبذلك اعترف بالآخر دون
أن يلقي منه أي اعتراف .
فإن العبد هو
ذلك الموجود الذي بقي أسيرا للطبيعة ، دون أن ينجح في التحرر منها هلال عملية
الصراع فالحقبة البشرية يجب أن تنطوي بالضرورة على سيد و عبد ، أ، التاريخ البشري
كله ليس إلا مجرد جدل السيد والعبد .
و سيتكون لدي
السيد علاقات بالطبيعة ، ويكون العبد هو الأداة الفعالة في يد السيد من أجل العمل
على التغيير من صفحة الطبيعة ، ولذا فإن السيد قد فقد كل علاقة إنسانية بالطبيعة :
إذ لم يعد يفرض عليها عن طريق العمل أية صورة تكون كفلية بإشباع حاجاتة ، و من ثم
فإنه لم يعد أمامه سوي أن يستمتع بالطبيعة ، دون أن يقوي على تعديلها أو التغيير
منها ، مثله في ذلك كمثل الحيوان نفسه سواء بسواء ، و هذا السبب في أن ترقي وعي
السيد لابد من أن يتعرض لخطر التوقف .
فسيكون كل مهمة
السيد الاستمتاع بالشئ الذي يوفرة له العبد ، و نفي الموضوع وتحطيمه و استهلاكه ،
وعندئذ لا تكون حرية السيد بإزاء الطبيعة سوي مجرد ثمرة أو نتيجة للجهد الذي يقوم
به العبد .
العمل هو السبيل
الوحيد للتحرر الحقيقي ، لأنه هو الذي يسمح للإنسان بالتحكم في الطبيعة ، وإعادة
تشكيلها ، وفرض الطابع البشري عليها . و معني هذا أن العمل هو الذي ينتقل بالذات
إلي دائرة الموضوع ، وهو الذي يخلع في الوقت نفسه على الموضوع طابع الذات .
و هيجل الحقيقة
في تحليله و تحليل الناس من بعده لكلامه بيوضح كيفية إزاي الجدل بيغير المواقع و
بيصبح العبد سيد والسيد عبد ، و بيستفيض في الشرح بشكل جميل .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire