النقط : نقط المصاحف و كيفية ضبطها على ألفاظ التلاوة و
مذاهب القراءة
قال أبو عمرو أني لما آتيت في كتابي هذا على جميع ما تضمنت ذكره
في أوله من مرسوم المصاحف رأيت أن اصل ذلك بذكر أصول كافية و نكت مقنع في معرفة
نقط المصاحف و كيفية ضبطها على ألفاظ التلاوة و مذاهب القراءة لكي يحصل للناظر في
هذا الكتاب جميع ما يحتاج إليه من علم مرسوم الخط و أحكام النقط فتكمل بذلك درايته
و لتحقق به معرفته أن شاء الله و بالله التوفيق .
باب ذكر من نقط المصاحف
من التابعين و من كره ذلك و من ترخّص فيه من العلماء
اختلفت الرواية لدينا في من ابتدأ بنقط المصاحف من التابعين
فروينا أن المبتدئ بذلك كان آبا الأسود الدُّئِلي و ذلك انه أراد أن يعمل كتابا في
العربة يقّوم الناس به ما فسد من كلامهم إذ كان قد نشأ ذلك خواصّ الناس و عوامهّم
فقال أرى أن ابتدئ بإعراب القرآن أولا فأحضر من يمسك المصحف و احضر صبغا يخالف لون
المداد و قال للذي يمسك المصحف عليه إذا فتحتُ فايَ فاجعل نقطة فوق الحرف و إذا
كسرت فايَ فاجعله نقطة تحت الحرف و إذا ضممت فايَ فأجعل نقطة أمام الحرف فأن أتبعت
شيئا من هذه الحركات غنّة يعني تنوينا فأجعل نقطتين ففعل ذلك حتى آتي على آخر المصحف
و روينا أن المبتدئ بذلك كان نصر بن عاصم الليثي و انه الذي خّمسها و عشّرها .
وروينا أن ابن سيرين كان عنده مصحف نقطه يحيى بن يعمر و أن يحيى
أول من نقطها و هؤلاء الثلاثة من جلّة تابعي البصريين و اكثر العلماء على أن
المبتدئ بذلك أبو الأسود الدُّئِلي و جعل الحركات و التنوين لا غير، و أن الخليل
بن أحمد هو الذي جعل الهمز و التشديد و الرَوم و الاشمام و قد وردت الكراهة بنقط
المصاحف عن عبد الله بن عمر و قال بذلك جماعة من التابعين و روينا الرخصة في ذلك
من غير واحد منهم قال عبد الله بن وهب عن نافع بن أبي نعيم قال سألت ربيعة بن أبي
عبد الرحمن عن شكل القرآن في المصحف فقال لا بأس به قال ابن وهب و حدثني الليثي
قال لا أرى بأسا بنقط المصحف بالعربية قال ابن وهب و سمعت مالكا يقول أما هذه
الصغار التي يتعلم فيها الصبيان فلا بأس بذلك فيها و أما الأمهات فلا أرى ذلك قال
أبو عمرو و الناس في جميع أمصار المسلمين من لدن التابعين إلى وقتنا هذا على
الترخّص في ذلك في الأمهات و غيرها و لا يرون بأسا برسم فاتح السور و عدد آيها و
رسم الخموس و العشور في مواضعها و الخطأ مرتفع عن إجماعهم و قد ذكرنا الأخبار
الواردة بذلك كله لدينا عن المتقدمين من التابعين و غيرهم في كتابنا المصنّف في
النقط قال أبو عمرو ولا استجيز النقط بالسواد لما فيه من التغير لصورة الرسم و قد
وردت الكراهة بذلك عن عبد الله بن مسعود و عن غيره من علماء الآمة و كذلك لا
استجيز جمع قراءات شتى بألوان مختلفة في مصحف واحد على ما أشار إليه بعض أهل عصرنا
و من جهل في ذلك من الكراهة ممن تقدّمه لان ذلك من اعضم التخليط و التغير لمرسومه
و أرى أن يستعمل للنقط لونان الحمرة و الصفرة فتكون الحمرة للحركات و التنوين و
التشديد و التخفيف و السكون و الوصل و المدّ، و تكون الصفرة للهمزات خاصة و على
ذلك مصاحف أهل المدينة فيما حدثنا به أحمد بن عمر بن محفوظ عن محمد بن أحمد الإمام
عن عبد الله بن عيسى عن قالون عن مصاحف أهل المدينة قال ما كان من الحروف التي
تنقط بالصفرة فمهموزة و على هذا عامة أهل بلدنا و أن اسّتعملت الخضرة للابتداء
بألفات الوصل على ما أحدثه أهل بلدنا قديما فلا أرى بذلك بأسا أن شاء الله و بالله
التوفيق .
باب ذكر مواضع الحركات من الحروف
و
تراكب التنوين و تتابعه
اعلم أن موضع الفتحة فوق الحرف و موضع الكسرة تحت الحرف و موضع
الضمة وسط الحرف أو أمامه على ما رويناه عن أبي الأسود الدُّئِلي فإذا ضبطت قوله
عز و جل "الحمد لله" جعلت الفتحة نقطة بالحمراء فوق الحاء و جعلت الضمة
نقطة بالحمراء امام الدال و جعلت الكسرة نقطة بالحمراء تحت اللام و تحت الهاء و
كذلك تفعل بسائر الحروف المتحركة بالحركات الثلاث .
فصل
فأن لحق شيئا من هذه الحركات التنوين جعلت نقطتين أحدهما الحركة
و الثانية التنوين فأن اتّصلت الكلمة المنوّنة بكلمة أولها حرف من حروف الحلق و هي
الهمزة و الهاء و العين و الحاء و الغين و الخاء ركّبت النقطتين و ذلك في نحو قوله
"عذاب:اليم" و "لكل قوم: هاد" و"سميع : عليم" و
"لعليّ : حكيم" و "عفو:ّ غفور" و "عليم: خبير" و
شبه و إنما ركّبتمها من اجل أن التنوين مظهر عند الحروف فأبعدت النقطة التي هي
علامة لتؤذن بذلك ، وان اتّصل بذلك راء أو لام أو ميم أو نون جعلت النقطتين
متتابعتين و شددت ما بعدها لأن التنوين المدغم فيه فقربت النقطة و شددت ما بعد ذلك
و ذلك في نحو قوله "غفور..ا رّحيما" و "هدى.. للمتّقين" و
"على هدى.. من ربهم" و"عاملة.. ناصبة" و شبه و كذلك أن اتّصل
بالتنوين ياء أو واو أو غيرهما مما يخفى عنده من باقي حروف المعجم جعلت النقطتين
متتابعتين أيضا إلا انك لا تشدد ما بعدهما لأن المخفى لا يدغم رأسا فيمتنع التشديد
فيه لذلك و ذلك في نحو قوله "لّجّيٍ يغشاه" و "موضوعة و
نمارق" و "جنّاتٍ تجري" و "شهاب ثاقب" و "سراعا
ذلك" و "قوما ضالّين" و "قوما فاسقين" و ظلماتْ
بعضها" و شبه ذلك حيث وقع وان أردت أن تشدد الياء و الواو خاصة لتدل على
إدغام التنوين فيهما و أن كان ليس بإدغام صحيح و لا تشديد تامّ كما هو في الراء و
اللام والميم والنون لامتناع قلب التنوين عندهما حرفاً صحيحاً فلا بأس بذلك وكذلك
أن أردت أن تجعل في موضع النقطة التي هي علامة التنوين عند الباء خاصةّ ميماً صغرى
بالحمرة لتدل على ان حكمه أن ينقلب عندها ميماً فيلفظ بها القارئ كذلك فهو حسن وما
كان من المنصوب الذي لحقه التنوين نحو قوله "غفورا الم تر" و
"عليما حكيما" و "وغفورا رحيما" و "عادا وثمودا"
و"سلاما سلاما" وشبه ذلك مما يبدل في الوقف الفا وجاء مرسوما كذلك فانك
تجعل النقطتين معا على تلك الألف دون الحرف المنصوب على ما تقدم من تراكبهما
وتتابعهما، ولا تفرق بينهما فتجعل أحدهما على الحرف المتحرك والثاني على الألف كما
يفعل بعض جهلة النقط لأنهما لا ينفصلان.
فصل
فأن كانت الحركة اشماما وذلك في نحو قوله "قيل"
و"غيض" و "حيل" و "جيء" و "سيئ" و
"سيئت" وشبه على مذهب من رأى ذلك جعلت نقطة بالحمراء في وسط الحرف وان
كان ذلك ليس بضم خالص وإنما هو إمالة الكسرة نحو الضمة قليلاً لما في ذلك من
الدليل على ذلك وان تركتع الحرف خالياً من الحركة لتأتي المشافهة على أحكام ذلك
كان حسناً وان أردت أن تفرق بين الإشباع والاختلاس فيما الاختلاف فيه بين القرّاء
جعلت علامة إشباع الفتحة في نحو "لا يعدوا" و "أمن لا يهدي" و
"يخصمون" في مذهب من رأى ذلك الفا صغرى منطرحة وجعلت علامة اختلاسها
نقطة فيكون ذلك فرقا بينا وكذلك تفعل بالكسرة والضمة في نحو "بارئكم" و
"ارنا" و "ارني" و "يأمركم" و "ينصركم"
وشبه تجعل علامة الإشباع في المكسورة ياء صغرى وفي المضمومة واوا صغرى وتجعل علامة
الاختلاس نقطة لا غير وهذا قول الحذاق من النحويين .
باب ذكر علامة السكون والتشديد في الحروف
واعلم أن السكون يقع أبدا جرة بالحمراء فوق الحرف سواء كان
الحرف المسكن همزة أو غيرها من الحروف نحو قوله "إن يشأْ"
و"تسؤكم" و "انبهم" و"ارءيت" و "افرءيتم"
وشبه واما التشديد فمختلف في جعله فعمة أهل المشرق يجعلونه فوق الحرف أبدا
ويعربونه بالحركات فأن كان مفتوحاً سددوا وجعلوا على الحرف نقطة علامة للفتح وان
كان مكسورا سددوا وجعلوا تحت الحرف نقطة علامة للضم وصورة التشديد على هذا المذهب
كما ترى لأنهم يردون أول شديد و أما عامة أهل بلدنا وهو الذي رويناه عن أهل
المدينة فانهم يئدون الحروف ولا يعربونها بالحركات لأنهم يجعلون المفتوح فوق الحرف
المكسور تحته والمضموم أمامه فيستغنون بذلك عن التعريب وصورة التشديد على هذا
المذهب كما ترى ومنهم من يجعل مع ذلك نقطة علامة للإعراب وهو عندي حسن على أن عامة
أهل العراق لا يجعلون للسكون ولا للتشديد في مصاحفهم علامة وان كان سبب ابتداع
النقط هو تصحي القراءة والإتيان بها على حقها فسبيل كل حرف أن يوفي حقّه مما
يستحقه من الحركة والسكون والتشديد وغير ذلك وبالله التوفيق.
فصل
وعامة أهل بلدنا يجعلون على حروف المدّ مطّة بالحمراء دلالة على
ذلك عند الهمزات و عند الحروف السواكن اللاتي يمكَّن لهن نحو قوله "بما اُنزل
إليك وما اُنزل من قبلك" و "خائفين" و"يبني إسرائيل" و
"في أُمها" و "قولوا آمنا" و "قوا أنفسكم" و كذلك
"ولا الضالين" و "العادّين" و "من حادَّ الله" و
"شاقوا الله" و "اتحجونّي" و "تأمرونّي اعبد" و شبه
على مذهب من شدد النون و ما كان مثله و لا يجوز أن تجعل المطة على الحرف المتحرك
قبل حروف المد ولا أن يخالف بها في الألف و الياء و الواو بل تجعل من فوقهن و تخرج
ما إلى الهمزات و السواكن قليلا لأن حروف المد أصوات ينقطعن عندهن هذا إذا كان حرف
المد مرسوما في الخط فأن كان محذوفا منه لعلة أو كان زائدا صلة رسمته و جعلت المطة
عليه و كذلك في نحو قوله "الملئكة" و "اولئك" و
"يأيها" و "يآولي الالبب" و "هؤلاء" و "فأوا
إلى الكهف" "وان تلوا أو تعرضوا" و "ليسئوا" و
"النبين" و شبهه و كذلك "عليهم أنذرتهم أم لم" و "عليكم
انفسكم" و شبهه في مذهب من ضم الميم و وصلها و كذلك "تأويله إلا
الله" و "يؤده إليك" و "به أن كنتم مؤمنين" و شبهه و
كذلك "الداع إذا" و "لئن اخرتَن إلى" و شبهه من الزوائد في
مذهب من اثبتهن و أن شئت جعلت المطة في ذلك كله على مواضع حروف المد و لم ترسمها
بالحمرة و بالله التوفيق.
باب ذكر حكم النون الساكنة و ما بعدها
اعلم أن النون الساكنة إذا أتى بعدها حروف الحلق المذكورة فأنك
تجعل عليا علامة السكون جرَّة و تجعل على الحرف الذي بعدها نقطة فقط فتدل بذلك على
الإظهار و ذلك في نحو قوله "من أمن" و "من هاجر" و "من
عمل" و"من غلّ" و "من خير" و شبه فأن أتى بعد النون
الساكنة الراء أو اللام أو الميم أو النون عرّيتها من علامة السكون و شدَّدت
الحروف الأربعة بعدها فتدل بذلك على الإدغام الصحيح الذي حقّه أن يُقلب الأول فيه
من جنس الثاني و يدخل فيما بعده إدخالا شديدا و ذلك في نحو قوله "من
ربهم" و "من لم يتب" و "من مال الله" و "من
نور" و شبهه و أن أتى بعد النون الياء أو الواو أو غير ذلك مما يخفى عنده من
باقي حروف المعجم و ذلك في قوله "من يقول" و "من ولي" و
"من تحتها" و "من ثمرة" و "أن بورك" و شبهه عرّيت
النون أيضا من علامة السكون و جعلت على ما بعدها نقطة فقط و عرّيت الحرف من
التشديد فتدل بذلك على الإخفاء الذي هو بين الإظهار و الإدغام و على الإدغام الذي
ليس بتام لامتناع قلب النون فيه حرفا صحيحا من جنس ما بعده و أن جعلت على الياء و
الواو علامة التشديد لتدلّ القارئ على أن فيها شيئا من التشديد و أن لم يكن تاما
لما قلناه فهو حسن آلا انك تجعل على النون علامة السكون لتفرق بذلك بين الإدغام
التام و بين ما ليس بتام و بالله التوفيق.
باب ذكر أحكام المظهر و المدغم
اعلم أن جميع ما يظهر باتفاق أو بأختلاف من الحروف السواكن فأنك
تجعل عليه علامة السكون جرة بالحمراء و تجعل على الحرف الذي بعده نقطة فقط فتؤذن
بذلك انه المظهر و ذلك في نحو قوله "هم فيها خلدون" و "انتم و
ازواجكم" و "تلقفْ ما صنعوا" و "اوعظتَ" و "و
خُضتم" و "قل نار جهنم" و شبهه مما لا خلاف في اظهاره و كذلك
"لقد سمع الله" و "لقد جاءكم" و "إذ جئتهم" و
"أنزلت سورة" و "بل تؤثرون" و "هل تعلم" و
"ومن يرد ثواب" و "لبثتم" و "و أن تعجب فعجب" و
شبهه مما ورد الاختلاف فيه عن القرَّاء فأما ما يدغم فانك تعرّى الحرف الأول من
علامة السكون و تجعل على الحرف الثاني المدغم فيه علامة التشديد فتأذن بذلك انه
مدغم قد صار مع ما ادغم فيه حرفا واحدا مشددا و ذلك في نحو قوله "و قالت
طائفة" و "إذ ظلموا" و "قد دخلوا" و"إذ ذهب"
و"فما ربحت تجرتهم" و "يدرككم" و"من يكرهن" و
"ألم نخلقكم" و شبهه مما اجمع و كذلك "اتخذتم"
و"لتخذّت" و "اورثتموها" و "انبتت سبع" و "بل
طبع" و"هل ثُوّب" و شبهه مما لا يختلف فيه .
فصل
فأن كان الحرف الأول قد ادغم في الثاني و بقي بعض حركته و ذلك
عند القراء و النحويين إخفاء لآن الحركة المضعفة تفصل بين المدغم و المدغم فيه
فيمتنع القلب الصحيح لذلك و ذلك في نحو قوله عز وجل في يوسف "مالك لا
تأمنا" رسم في المصاحف بنون واحدة على لفظ الإدغام الصحيح و اجمع القرَّاء
على الإشارة فيه ة الإشارة عندما تكون بالحركة إلى النون المدغمة ليدلّ بذلك على
الأصل و هو قول الأكابر من علمائنا فأن شئت أن تلحق نونا بالحمراء قبل النون
السوداء و تجعل أمامها نقطة و تشدد السوداء و أن شئت لم تلحق النون و جعلت في
موضعها النقطة و شددت أيضا فتؤذن بذلك انه إخفاء لا إدغام تام لما ذكرناه و كذلك
تفعل في نحو ما ادغمه أبو عمرو في الإدغام الكبير من المثلين و المتقاربين
المتحركين إذا سكن ما قبل الأول أو تحرك و أشار إلى حركة الأول نحو قوله "شهر
رمضان" و "عن أمر ربهم" و "من الرزق قل" و "الصافت
صفا" و "نطبع على" و شبهه تجعل على الحرف الأول نقطة و تجعل على
الثاني علامة التشديد لأن ذلك على مذهبه إخفاء و كذلك تفعل في نحو
"فرَّطتم" و "احطتُ" و شبهه مما يبقى فيه صوت الإطباق مع
الإدغام تجعل على الطاء علامة السكون و تشدد التاء فتؤذن بحقيقة ذلك و بالله
التوفيق.
باب ذكر أحكام تليين الهمزات
اعلم أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة و تحرَّكتا بالفتح و
ليّنت الثانية على مذهب من رأى ذلك فأنك تجعل قبل الألف المقصورة نقطة بالصفراء و
تجعل عليها نقطة بالحمراء ثم تجعل على الألف المصورة نقطة بالحمراء فقط فتدل على
أن الهمزة الاولى محققة قد حذفت صورتها و أن الثانية مليّنة قد ضعف الصوت بها و لم
يتم و ذلك في نحو قوله "انذرتهم" و"أنتم اعلم" و
"اقررتم" و شبهه فأن أتى بعد الهمزة المليّنة الف و ذلك نحو قوله
"أمنتم" "123" في الأعراف و "71" طه و
"49" الشعراء و "ألهتنا خير" "58" في الزخرف جعلت
النقطة الصفراء و حركتها عليها قبل الألف المصوَّرة و جعلت على الألف السوداء نقطة
بالحمراء فقط و كتبتّ بعدها الفا بالحمراء أن شئت. هذا إن جعلت الألف المصوَّرة هي
الهمزة المليّنة و إن جعلتها الألف الساكنة التي هي اصل كتبت تلك الألف بالحمراء
قبلها و جعلت النقطة عليها و أن شئت لم تكتبها و جعلت النقطة في موضعها بين الهمزة
و الألف المصوَّرة.
فأن اختلفت حركة الهمزتين و ذلك في نحو قوله "أءِذا
متنا" و "اءله مع الله" و "ءاُنزل عليه" و "ءَ
اُلقى الذكر" و شبهه فما كان من ذلك قد صوّرت الهمزة المليّنة فيه بالحرف
الذي منه حركتها استغنت بتلك الصورة عن النقطة الحمراء التي هي علامة التليين لما
في الصورة من الدلالة على ذلك و ذلك في نحو قوله "قل اؤنبئّكم" و
"ائنكم" و "ائذا متنا" "47" في الواقعة و شبهه و ما
لم تصور في حرفا جعلت في موضعها نقطة بالحمراء في السطر بعد الألف المصوَّرة و أن
جعلت في موضع المضمومة واوا بالحمراء و في موضع المكسورة ياء بالحمراء نظير ما وقع
من ذلك مرسوما بالسواد كان حسنا غير انك تعرّى تلك الواو و الياء من الحركة لأنهما
خلف من الهمزة و تجعل الفا بالحمراء أن شئت قبل الألف السوداء في المتفقتين و
بعدها في المختلفتين في مذهب من رأى إدخالها بين المحققة و المليّنة و أن شئت جعلت
في مكانها مدة و لم تكتبها و جائز عندي أن تكون همزة الاستفهام هي المحذوف صورتها
من الرسم فيما اختلفت فيه الهمزتان كما كانت في المتفقتين فعلى هذا الوجه تبقى
النقطة الصفراء و حركتها قبل الألف السوداء و هي الأصلية صُوّرت كذلك على مراد
التحقيق لا على التليين و تجعل النقطة الحمراء التي هي علامة التليين في تلك الألف
و ما قدمناه اوجه. و أن اتفقت الهمزتان أو اختلفتا في كلمتين و ليّنت إحداهما جعلت
الهمزة الأولى نقطة بالصفراء و عليها أن كانت مفتوحة أو تحتها أن كانت مكسورة أو
امامها أن كانت مضمومة أن كانت نقطة بالحمراء أن كانت هي المحققة و جعلت الهمزة الثانية
نقطة بالحمراء في موضعها أن كانت هي المليّنة و ذلك في نحو قوله "هؤلاء أن
كنتم" و "زمن النساء إلا و "اولياءُ اولئك" و شبهه فأن أسقطت
الأولى أصلا و لم تجعل منها خلفا لم تجعل في موضعها شيئا فأن كانت الأولى محققة
بلا خلاف و ليّنت الثانية جعلت المحققة و المليّنة على ما تقدم و ذلك في نحو قوله
"السفهاء إلا و "من الماء أو مما" و "من يشاء إلى صراط
مستقيم" و "جاء أُمْةً" و ما كان مثله فأن نقطت ذلك على مذهب أهل
التحقيق جعلت معا بالصفراء و حركتها بالحمراء فأن كانت الهمزة المليّنة مفردة جعلت
أيضا في موضعها نقطة بالحمراء لتؤذن بتلينها في مذهب من رأى ذلك و ذلك في نحو قوله
"هانتم" و "ارءَيتم" و شبهه حيث وقع و بالله التوفيق.
باب ذكر أحكام الصلات في الوصل
اعلم أن الصلة تابعة للحركة التي قبل الف الوصل و أن وليتها
فتحة جعلت الصلة جرّة بالحمراء على رأس الألف و أن وليتها كسرة جعلتها تحتها و أن
وليتها ضمة جعلتها في وسطها فالفتحة نحو قوله "يتقون الذي" و
"فساقون اعلموا" و شبهه و الكسرة نحو قوله "رب العلمين" و
"للعبيد الذين" و "به الله" و شبهه و الضمة نحو قوله
"نستعين اهدنا" و "اسمه المسيح" و "تعدلوا اعدلوا"
و شبهه فأن لحق شيئا من هذه الحركات التنوين جعلت الصلة أبدا تحت الألف لأن
التنوين مكسور للساكنين ما لم يأت بعد الساكن الواقع بعد الف الوصل ضمة لازمة فأن
القراء يختلفون في ضم التنوين و كسره مع ذلك فأن ضبطت ذلك على مذهب من ضم جعلت
الصلة في وسط الألف نحو قوله "فتيلا انظر" و "عيون ادخلوها" و
شبهه و تجعلها في مذهب من كسر تحت الألف كما تفعل بالتنوين فيما لا خلاف في كسره
نحو قوله "حكيمٌ الطلقُ" و "مريبٍ الذي" و "بغلام اسمه"
و "رحيما النبي" و شبهه فأن أردت أن تُعْلمَ كيف الابتداء بألفات الوصل
كلها جعلت نقطة بالخضراء فوقهن إذا ابتُدِأن بالكسر و في وسطهن إذا ابتُدِأن بالضم.
فصل
فأن نقطت مصحفا على رواية ورش عن نافع جعلت على الساكن الذي
يلقى عليه حركة الهمزة نقطة بالحمراء و جعلت في موضعها جرّة علامة لسقوطها من
اللفظ فأن كانت الهمزة مفتوحة جعلتها من فوقها و أن كانت مكسورة جعلتها من اسفلها
و أن كانت مضمومة جعلتها في وسطها و أن كانت بعدها الف جعلتها في قفا تلك الألف و
ذلك في نحو قوله "هل أتاكم و "من اوتي" و "خبير الا" و
"مئاباً انا" و "من أمن" و "و ابني ءادم" و ما كان
مثله حيث وقع.
باب ذكر أحكام نقط ما نقص من هجائه
اعلم أن ما وقع في المصحف منقوصا من هجائه فأنك تثبته بالحمرة
أن شئت لتدلَّ القارئ على حقيقة اللفظ بذلك و ذلك في نحو قوله "النبيين"
رسم بياء واحدة و هي عندي ياء الجمع فينبغي أن تلحق ياء اخرى قبلها بالحمراء و هي
ياء فعيل و كذلك "ليسئوا وجوهكم" رسم أيضا بواو واحدة و هي أيضا واو
الجمع فتلحق قبلها واوا أخرى بالحمراء و هي الاصلية و كذلك "الموءُدة"
رسمت بواو واحدة و هي فاء الفعل فتلحق بعدها واوا أخرى بالحمراء و تجعل الهمزة
بالصفراء و حركتها بين الياءين و الواوين في ذلك وذلك "فما تراءَا
الجمعان" رسم بالف واحدة وهي المنقلة من لام اُلفعل فتلحق قبلها الفا
بالحمراء وتجعل اُلصفراء وعليها حركتها بين الالفين وكذلك "إذا جاءنا"
عَلى قراءة من قراء بالتثنية رسم أيضا في جميع المصاحف بالف واحدة وهي عين اُلفعل
فينبغي أن تلحق الف اُلتثنية بعدها بالحمراء وتوقيع اُلصفراء وحركتها عليها بين
الالفين وكذلك "اِلفهم" رسم بغير ياء فيلزم أن تلحق بالحمراء ليخرج
اللفظ بذلك كله على حِدة ويؤتي بجميعه على حقّه وقد يجوز أًن يكون الحرف الثابت في
جميع ما تقدم هو الأول غير أن الأوجه ما قدًّمناه قال أبو عمرو وقد جرت عادة أهل
بلدنا قديما وحديثا عَلَى الحاق الالفات المتوسطات المحذوفات من الرسم بالحمراء في
نحو قوله "اُلعلمين" و "الفسقين" و "اُلصلحت" و
"سموت" و "هؤلاء" و "يئادم" وشبه فكذلك يجب أن تلحق
اُلياءات والواوات في نحو ماقدّمناه وغيره من الزوائد وغيرها واذ الحقت الألف في
نحو "يايّها" و "ياُولى" و "هؤلاء" و
"يئادم" وشبه جعلت اُلنقطة اُلصفراء وحركتها السوداء في
"يايّها" لانها صورتها وفي الواو في "هؤلاء" لانها صورتها
أيضا وتجعلها قبل الألف السوداء في "يئادم" لان الف الاصل هي المصوّرة
في ذلك كما صُوّرت في "ءامنوا" و "ءاتى" و "ءازر"
وشبه وتكتب الالف الحملراء في ذلك كله بعد اُلياء والهاء وكذلك تلحق اُلنون
اُلساكنة في قوله "فنجّي من نشاء" و "ونجّي المؤمنون"
بالحمراء وتُعرَّ من علامة السكون وبالله التوفيق.
باب ذكر أحكام نقط ما زيد في هجائه
وذلك في نحو قوله "اولئك" و "اولوا" و
"اولاء" و "اولت" و "سأوريكم" و"أولا
اذبحنه" و "من نباى المرسلين" و "افاين متَ"و
"ملائه" وشبهه مما تقدم ذكره في المرسوم فسبيلك أن تجعل نقطة بالصفراء
في وسط الف "أولئك و "اوات" و "سأريكم" وتجعل نقطة بالحمراء
أمامها في اُلسطر وان شئت جعلتها قبلها جعلت على الواو دارة بالحمراء علامة
لزيادتها وهو قول أهل اُلعربية لأنهم يزعمن إنها دخلت للفرق بين "اليك"
و "اوليك" و بين "اولى" وقول أهل اُنقط اجمع للأصل لأنه يدخل
فيه مالا يشتبه نحو "سأوريكم" وشبهه وقد يحتمل أن تكون الواو التي في
"سأريكم" صورة الهمزة عَلَى مراد تخفيفها والاعتداد بالزوائد المتصل بها
فعلى هذا تكون الألف التي قبلها هي الزائدة زيدت تقوية للهمزة لخفائها فتوقع خينئذ
النقطة الصفراء في الواو نفسها وحركتها أمامها وتجعل عَلى اللالف دارة دلالة على زيادتها
وكذا تجعل نقطة بالصفراء وحركتها عليها في قوله "ولا اوضعوا خللكم" و
"أولا اذحنه" عَلَى الألف التي مع اللام وتجعل على الألف الزائدة بعدها
دارة بالحمراء علامة لزيادتها وان شئت جعلت تلك الفتحة على الألف الزائدة كما فعلت
في الواو وقد يجوز أن تجعل اُلصفراء وحركتها على تلك الألف وتجعل الدارة اُلتي هي
علامة الزيادة على الألف التي مع اللام وهو قول اُلفراء وثعلب و من قول بقولهما
وهو حسن كانّ تلك الألف زيدت تقوية للهمزة لبعدها و لخفائها و أصحاب المصاحف على
خلاف ذلك وكذا تجعل أيضاً نقطة بالصفراء وحركتها معها في الألف من "نباى"
و"افاين متَّ" وشبهه مما ليس قبل الهمزة فيه الف وتجعل عَلى اُلياء دارة
علامتها لزيادتها وان شئت جعلت تلك الحركة في اُلياء نفسها لأنه يحتمل أن تكون
صورتها كما كان ذلك في الواو والألف ويحتمل أيضا أن تكون الواو والياء والألف في
ذلك كله أقِمْنَ مقام الحركات لآن الحركات مأخوذة منهن فعلى هذا لا تجعل عليهن
حركة ولا دارة و يجوز عندي أن تكون الياء فيما تقدّم صورة الهمزة فتكون الألف التي
قبلها هي الزائدة فتقع الدارة عليها و إلى ذلك نحا الفرا و من قال بقوله فأمّا وقع
قبل الهمزة فيه الف نحو قوله "من تلقاى" و "ايتاى" و "من
وراى" و "من ءَ اناى" فأنك تجعل النقطة الصفراء في ذلك بعد الألف
في السطر و حركاتها تحتها و تجعل أيضا على الياء دارة علامة لزيادتها و أن شئت
جعلت الحركة تحت الياء على ما تقدم و أن شئت جعلت الهمزة و حركتها تحت الياء في
هذه الحروف و شبهها لأنه يجوز أن تكون صورة لها في ذلك و هو عندي هذه المواضع اوجه
و بالله التوفيق.
فصل
قال أبو عمرو و هذه الدارة التي يجعلها أهل النقط قديما و حديثا
على الحروف الزوائد في الخط المعدومة في اللفظ و على الحروف المخففة هي مما جرى
استعمال سلف أهل المدينة لها في ذلك في مصاحفهم كما حدثنا احمد بن عمر قال حدثنا
محمد بن احمد بن منير قال حدثنا عبد الله بن عيسى قال حدثنا قالون قال في مصاحف
أهل المدينة ما كان من حرف مخفف فعليه دارة بالحمرة و أن كان حرفا مسكنا فكذلك
أيضا قال أبو عمرو و هذه الدارة نفسها هي الصفر الصغير الذي يجعله أهل الحساب على
العدد المعدوم في حساب الغبار دلالة على عدمه كعدم الحروف الزوائد في اللفظ و عدم
التشديد في الحروف المخففة و عدم الحركة في الحروف المسكنة التي تجعل الدارة عليها
دلالة على ذلك و بالله التوفيق.
باب ذكر امتحان مواضع الهمزات من الكلم
اعلم أن الهمزة يمتحن في موضعها من الكلمة بالعين فحيث ما وقعت
العين وقعت الهمزة مكانها و سواء كانت متحركة أو ساكنة أو لحقهاالتنوين أو لم
يلحقها فتقول في "ءامنوا" "عامنوا" و في "و أتى
المال" و في "مستهزءين" "مستهزعين" و في "خاسئين""خاسعين"
و في"مبرءون" "مبرعون" و في قوله "متكئون"
"متكعون" و في قوله "ماءً" "ماعا" و في
"سوء""سوع" و في "اولياء""اولياع" و في
"تبوّءوا""تبوعو" و في "تبوئ""تبوع" و في
"من شاطئ" "من شاطع" و كذلك مااشبهه حيث وقع فالقياس فيه
مطرَّد و قد جعل بعض المتقدمين من النحويين للواو إذ كانت صورة الهمزة أحكاما يطول
سرحا مع انه لا دليل على ما قاله إلا الدعوى لا غير .
والذي عندنا أن الواو و الياء و الألف إذا كن صورة الهمزة
فالهمزة تُجْعلُ فيهن و تعربُ بالحركات لأنها حرف من حروف المعجم فأن أتين بعدها
جُعِلت قبلهن و أن أتين قبلها جُعِلت بعدهن و هذا الذي لا يوجب القياس غيره و حق
الهمزة في النقط أن تلزم مكانا واحدا من السطر لأنها حرف من حروف المعجم ثم تعرب
بالحركات كلهن و بالله التوفيق.
باب ذكر اللام ألف
اعلم إن القدماء من النحويين اختلفوا أي الطرفين من اللام الف
هي الهمزة فحكى عن الخليل بن احمد رحمه الله انه قال أن الطرف الأول هو الهمزة
والطرف الثاني هو اللام وذهب إلى هذا القول عامّة أهل النقط واستدلوا على صّحة ذلك
بأن رَسْمَ هذه الكلمة كانت أولا كما ترى "لا" لاما مبسوطة في طرفها الف
كنحو رسم ما اشبه ذلك مما هو من حرفين من سائر حروف المعجم نحو "ما" و "ها"
وشبهما إلا انه استثُقل رسم ذلك كذلك في اللام الف خاصّة لاعتدال طرفيه إذ كان
يشبه كتاب الاعجام فُحسن رسمه بالتصفير فضُمّ أحد الطرفين إلى الآخر فأيهما إلى
صاحبه كانت الهمزة أولا ضرورةً ويعتبر حقيقة ذلك بأن يؤخذ شيء ويضفّر ويخرج كل
واحد من الطرفين إلى جهة ثم يقام اُلطرفان فيتبين في اُلوجهين أن الأول هو الثاني
في الأصل وان الأول لا محالة قالوا وأيضا فأن من اتقن صناعة الخط من اُلكتّاب
اٌلقدماءِ وغيرهم فإنما يبتدئ برسم الطرف الأيسر قبل الطرف الأيمن ولا يخالف ذلك
ألا من جهل صناعة الرسم إذ هو بمنزلة من ابتدأ برسم الألف قبل الميمم في نحو
"ما" وشبهه ذلك مما هو عَلى حرفين فتثبت بذلك أَيضا أن الطرف الأول هو
الهمزة وان الطرف الثاني اللام إذ الأول في اصل القاعدة هو الثاني هو الأول وإنما
اختلف طرفهما من اجل التضفير وقال الاخفش النحوي بعكس ذلك فزعم أن الطرف الأول هو
اللام والطرف الثاني هو الهمزة واستدل على صحة ما ذهب إليه بأن ما يُلفظ به أولا
هو المرسوم أولا وما يلفظ به أخرا هو المرسوم أخرا قال ونحن إذا قرانا
"لأتٍ" "ولأيةً" وشبههما لفظنا باللام أولاً ثم بالهمزة بعد
قال أبو عمرو وهذا من قال بالقول الأول لقول مخالفه به فيما يتفق فيه حركة الهمزة
واللام بالكسر نحو قوله "لإِيلاف قريش" و "لإَخوانهم" وشبهه
وفيما تختلف فيه نحو قوله "لأَقتُلَنَّك" و "لا لى الجحيم"
وشبهه وذلك انه يجب على قوله وما أَصَّلَه أن تجعل الكسرة أولا والهمزة بعد ذلك
فيوافق بذلك مذهب الخليل ومن تبعه إذ الأول في ذلك هو طرف اللام والثاني هو طرف
الهمزة باتفاق.
فأن قال قائل أقود أصلي ولا أَزول عن مذهبي فاجعلُ الهمزة في
ذلك أوّلا إذ هو طرفها وأَجعل الحركة بعد ذلك قيل له لقد تركت قولك وزلت عن مذهبك
أن الملفوظ به أولا هو اللام وان الملفوظ به آخراً هو الهمزة بجعلك الهمزة ابتداءً
ثم الحركة آخراً فهذا بين وبالله التوفيق.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire