الاسراء والمعراج
المقدمة
الحمد لله الذي لم يزل ولا يزال وهو الكبير المتعال – خالق
الأعيان والآثار – ومكور النهار على الليل والليل على النهار – العالم بالخفيات –
وما تنطوي عليه الأرضون والسموات – سواء عنده الجهر والإسراء – ومن هو مستخف
بالليل وسارب بالنهار – ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .
خلق الخلق بقدرته – وأحكمهم بعلمه – وخصهم بمشيئته – ودبرهم
بحكمته – لم يكن له في خلقه معين – ولا في تدبيره مشير ولا ظهير – وكيف يستعين من
لم يزل بمن لم يكن – ويستظهر من تقدس عن الذل بمن دخل تحت ذيل التكوين .
ثم كلفهم معرفته – وجعل علم العالمين بعجزهم عن إدراكه إدراكا
لهم – ومعرفة بتقصيرهم عن شكره شكرا لهم – كما جعل إقرار المقرين بوقوف عقولهم عن
الإحاطة بحقيقته إيمانا لهم .
لا تلزمه لم ولا يجاوره أين – ولا تلاصقه حيث – ولا تحله ما –
ولا تعده كم – ولا تحصره متى – ولا تحيط به كيف – ولا يناله أين – ولا تظله فوق –
ولا تقله تحت – ولا يقابله جزء – ولا تزاحمه عند – ولا يأخذه خلف – ولا يحده أمام
– ولا تظهره قبل – ولا تفته بعد – ولم تجمعه كل – ولم توجده كان – ولم تفقده ليس .
وصفه لا صفة له – وكونه لا أمد له – ولا تخالطه الأشكال والصور
– ولا تغيره الآثار والغير – ولا تجوز عليه الحماسة والمقارنة – وتسجيل عليه
المحاذاة والمقابلة – وإن قلت : لم كان ؟ فقد سبق العلل ذاته – ومن كان معلوما كان
له غيره علة تساويه في الوجود – وهو قبل جميع الأعيان – بل لا علة لأفعاله – فقدرة
الله في الأشياء بلا مزاج – وصنعه للأشياء بلا علاج – وعلة كل شئ صنعه - ولا علة
لصنعه .
وإن قلت : أين هو ؟ فقد سبق المكان وجوده – فمن أين الأين – لم
يفتقر وجوده إلى أين – هو بعد خلق المكان غني بنفسه كما كان قبل خلق المكان – وكيف
يحل في ما منه بدا – أو يعود إليه ما أنشأ .
سبحانه من إله قادر مقتدر مقدر ، خلق الأشياء فقدرها تقديرا ،
لا يقدر غيره على تغيير ما قدر .
سبحانه من إله خلق المعجزات ليدل على قدرته ، وضعف غيره ،
وإبراز من أراد إبرازه ، وإظهار من أراد إظهاره ، سبحانه من رب تنزه عن العجز
والتقصير والضعف والغفلة والسنة والنوم ، له ما في السموات وما في الأرض ، سبحانه
إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون .
سبحانه أراد عبده محمد
أن يعرج إليه فعرج .
سبحانه أراد أن يسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
فسري ، ورأي من آيات ربه ما رأي ، فما زاغ البصر وما طغي .
سبحانه هيأ لعبده الخافقين ، وجعل في خدمته الثقلين ، وجند
لشخصه الدارين ، فالسموات والأرضون كانت أثناء رحلته الميمونة تحت إمرته بقدرة ربه
وعزته وجلاله ، فما أعظمك يا رب ، وما أكرمك يا رب ، وما أكبر ملكك ، وأوسع آياتك
. لك الحمد كله ولك الثناء كله ، ولك الأمر كله ، وصلى الله على نبيك وخير خلقك وخاتم
رسلك ، رحمتك المهدة ، ونفحتك المسداة محمد بن عبد الله
.
وبعد : فلقد كانت حادثة الإسراء والمعراج بمثابة منعطف خطير في
تاريخ الدعوة الإسلامية ، لما حملته من شحذ لهمة الرسول الكريم ، وتجديد لعزيمته
، وذلك بعد أن تحجرت قلوب أهل مكة ، فأعرضوا عن قبول الحق .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire