أنا جسد لا أملك جسد
في خبرة الكائن البشري لكيانه الجسدي هناك نوع من ازدواجية ظاهرية تقوم
على إدراكه لجسده كـ "آخر" (نقول عادة: "أنا عندي جسد"، وكأننا
ننظر إلى جسدنا كواقع آخر)، وفي الوقت عينه هناك إدراك لذاتيه جسده (نقول: "أنا
جسدي"(.
ولكن إذا ما نظرنا بالعمق، لأدركنا أن هذا التفريق بين امتلاكنا لجسد
وبين كياننا الجسدي إنما هو كلامي ونظري فقط. هذه الازدواجية تنبع من جذور أفلاطونية
بعيدة، أعاد تجسيدها بشكل خاص في العصر الحديث رينيه ديكارت.
من الناحية الظواهرتية الحدسية، نحن ندرك ذواتنا دومًا وفورًا كجسد. فحتى
في حملنا وفي تخيلاتنا، نرى نفسنا كمالكين لجسد، إذ إن الامتداد المكاني هو من
"الهيكلييات القّبْليّة (الأولية)" بحسب فلسفة إيمانويل كانط. هذا يعني أن
عقلنا لا يستطيع أن يدرك الأمور إلا من خلال إدراجها – ولو بشكل تخيلي في بعد الامتداد
(والزمان). وعليه، فمن خلال "امتلاك" الجسد يختبر الإنسان نفسه في الوقت
كعينه كجسد.
نحن جسدنا، وجسدنا هو كلمة، هو دومًا كلمة. كلمة الجسد لا تسمعها الأذن
دومًا، ولكن، بالرغم من ذلك، فالأجساد الأخرى تسمع هذه الكلمة. كلمة الجسد هي الإيماءة. والخطاب الديني لا يستطيع أن يهمش هذا البعد الجسدي
إذا ما أراد أن يبقى خبرة بشرية. لا يستطيع الخطاب الديني أن يحصر نفسه في بعد اللغة
والمفاهيم لأن لغتنا الأولى هي ما-قبل-المفاهمية .
إن إيماءات الجسد تشكل بالنسبة للفيلسوف بول ريكور "كلية ذات معنى،
وهي تربط أبعد من كل ازدواجية بين الجسد والنفس "بعدًا عقليًا وبعدًا جسديًا في
وحدة تعبير". هذا وإن الأنتروبولجيا الكتابية قد جسدت دومًا هذا الحدس بشكل طبيعي وبانسجام
هام. ففي الكتاب المقدس لا نجد التمييز القاطع الأفلاطوني والكارتيزي بين الجسد والنفس
في واقع الكائن البشري. الإنسان – ها أدم – والذي معناه حرفيًا "الأرضي"
هو وحدة لا تنفصم من جسد-نفس- روح. هذا البعد الثُلاثي هو إرث للكنيسة جمعاء تحدث عنه
القديس بولس ونقله لنا بأمانة القديس إيريناوس.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire