أعلان الهيدر

الرئيسية التنافس الدولي على النفط والغاز

التنافس الدولي على النفط والغاز


التنافس الدولي على النفط والغاز
التنافس الدولي على النفط والغاز
توقع الكثيرون بعد انتهاء الحرب الباردة وانتهاء المنافسة الايديولوجية على طبيعة النظام الاقتصادي للعالم ، ان عصرا اقتصاديا جديدا سوف ينبلج بحيث تتضاءل فيه المنافسات الجيوستراتيجية والجيوسياسية بشكل عام ، وعلى النفط بشكل خاص ، وذلك باعتباره سلعة تجارية بين سلع عديدة اخرى يتركز هدف مالكيها ومستخرجيها في الربح .
وعلى الرغم من عدم امكانية التقليل من شراسة التنافس التجاري على الربح المحض ، فلقد تبين خلال السنوات الاخيرة ان النفط ، بصفته سلعة مرتبطة بالجغرافيا ، ما زال يشكل عنصرا من عناصر الجيوستراتيجيا الدولية ، وذلك بفعل اهميته الفائقة لمجمل عمليات التنمية التي يشهدها العالم المعاصر . فالنفط هو مفتاح التنمية والتقدم والتطور المادي بأرخص التكاليف في الوقت الراهن . واحد مغتيرات قياس مستوى التنمية في بلد ما ، هو مقدار استهلاك هذا البلد من النفط . سيعالج هذا الفصل التنافس الدولي على منطقة غرب اسيا الغنية بالنفط التي اصبحت تشمل مستطيلا نفطيا يمتد من الحدود الجنوبية للفدرالية الروسية الى بحر العرب وتضم ما يقدر بنحو 75 % من مخزون النفط والغاز المؤكد والمحتمل .
1. منطقة الخليج العربي - الفارسي :
خلال الحرب الباردة ، وفي ضوء ان منطقة الخليج العربي - الفارسي هي المنطقة الاغنى والمستودع الاكبر للنفط في العالم ، حلت الولايات المتحدة منذ عام 1971 محل بريطانيا في حماية المصالح الغربية فيها . كانت الاستراتيجية الغربية العامة قد تمثلت حتى ذلك الحين في الحفاظ على امن واستقرار المنطقة ، وضمان استمرار تدفق النفط الى العالم الغربي ، ومنع الاتحاد السوفياتي من الوصول الى ابار النفط الخليجية ، وذلك انطلاقا من واقع ان من يسيطر على تلك الابار ، انما يسيطر على مفتاح القوة في العالم .
ومع تسلم الولايات المتحدة مسؤولية تنفيذ تلك الاستراتيجية من بريطانيا في اوائل السبعينات، تبلور لدى القيادة الامريكية وفي سياق سياسات الحرب الباردة هدف استراتيجي اخر هو اخضاع عملية تدفق النفط للعالم الغربي للقوة الامريكية بحيث تكون الولايات المتحدة هي المتحكمة في وصوله الى اوروبا واليابان بدرجة رئيسة ، وذلك في محاولة لضمان عدم قيام أي من دول اوروبا الغربية باتخاذ سياسات حيادية او وفاقية مع الاتحاد السوفياتي .
اعتمدت الولايات المتحدة منذ اوائل السبعينات سياسة الاعتماد على القوى الاقليمية المحلية للحفاظ على امن واستقرار المنطقة ، وبلورت ما عرف بمبدأ نيكسون الذي يقوم على استراتيجية ' الدعامتين ' المتمثلة في الاعتماد على ايران والعربية السعودية لضمان تلك الاهداف . غير ان السياسة الامريكية ما لبثت ان تبدلت مع قيام الثورة الايرانية في عام 1979 ، حيث صدر مبدأ كارتر الذي ينص على التدخل الامريكي المباشر وتسلم مسؤولية الحفاظ على امن واستقرار المنطقة وتدفق النفط منها من خلال التواجد العسكري الامريكي المباشر في المنطقة وفقا للحاجة . وفي سياق تلك السياسة الجديدة ، تم تشكيل ما عرف باسم قوات التدخل السريع . وقد دخلت بعض الدول الخليجية العربية منذ ذلك الحين في ارتباطات سياسية وعسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة في مقدمتها سلطنة عمان والبحرين اللتان التزمتا بتقديم التسهيلات العسكرية للقوات الامريكية في اراضيهما ، بينما اقتصر الموقف السعودي على منح الولايات المتحدة حق استخدام قاعدة الظهران الجوية وتقديم تسهيلات لتلك القوات ، وامكانية الموافقة على تقديم التسهيلات اخرى في الظروف الطارئة ، وحذت الامارات الامارات العربية وقطر حذو العربية السعودية في هذا المجال . وفي الوقت الذي لم تعقد فيه اية دولة خليجية معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة في ذلك الحين ، فقد كان هناك اتفاق على الاستنجاد بالقوات الامريكية عند حدوث اخطار امنية مع تجنب دخول القوات الامريكية بالقوة الى اراضي اية دولة من هذه الدول .
ان صدور مبدأ كارتر في ضوء التطورات التي شهدتها الحرب الباردة وتداعياتها الاقليمية في اواخر السبعينات . قد نجم عن تبدل جذري في السياسات الامريكية ازاء منابع النفط في الخليج ، في مقدمتها اخراج الخليج من دائرة الصراع الدولي الى دائرة الامن القومي الامريكي ، والغاء فكرة الاعتماد على القوى الاقليمية للدفاع عن امن الخليج ونبذ فكرة الحاجة الى اصدقاء اقوياء فيه . فمن خلال مبدأ كارتر القائم على التواجد الامريكي المباشر ، الذي تبلور على صعيد التطبيق خلال الحرب العراقية - الايرانية ، اصبح الهدف الامريكي هو الحيلولة دون احتمال بروز اية قوة اقليمية في الخليج . وهو ما تجلى في السياسات الامريكية ازاء الحرب العراقية - الايرانية ، ثم حرب الخليج الثانية ، والتي ما لبثت ان تبلورت على شكل سياسة الاحتواء المزدوج لكل من ايران والعراق . هذا مع العلم ان الولايات المتحدة لا تستورد من نفط الخليج لاستهلاكها الخاص سوى 5 % من حاجاتها ، بينما تستورد اوروبا الغربية نحو 35 % واليابان نحو 65 % من احتياجاتهما من الخليج
2. منطقة بحر قزوين :
مع استقلال دول وسط آسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 ، برزت الى الوجود منطقة غنية بالنفط اصبحت تعتبر بانها المنطقة الثانية بعد الخليج العربي - الفارسي من حيث مخزونها النفطي المؤكد والمحتمل ، وهو مخزون كان مجهولاً ابان عهد الاتحاد السوفياتي ، حيث كانت الصناعة النفطية تتركز في غالبيتها العظمى في اراضي الفيدرالية الروسية ، واقتصرت حصة المناطق الاسيوية من الانتاج النفطي على ما لا يزيد عن 7 % من مجمل انتاج الاتحاد السوفياتي. وتتميز هذه المنطقة ، شأنها في ذلك شأن منطقة الخليج العربي - الفارسي ، بانها منطقة متخلفة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، الامر الذي يؤهلها لان تكون اهدافا سهلة في صراعات القوى الدولية .
فعلى الرغم من ان هذه المنطقة لم تدخل حتى الان في معمعة الصراعات الدولية السافرة ، فهي قد دخلت بالفعل في هذه المعمعة بطريقة غير مباشرة ، وذلك من خلال الشركات النفطية الدولية والتنافسات على مد انابيب النفط والغاز من تلك الدول النفطية المحصورة جغرافياً وجيويوليتيكيا.
تتشكل المنافسة الدولية الراهنة على نفط بحر قزوين من اربعة لاعبين رئيسيين هم : الولايات المتحدة ، اوروبا ، روسيا والصين ، يليهما لاعبان يشكلان قوتين على المستوى الاقليمي هما ايران وتركيا ، ثم تأتي الدول النفطية ذاتها والدول المحيطة بها كمعابر في الدرجة الثالثة . ويجري التنافس الحالي بين كل هؤلاء اللاعبين من خلال الشركات وخرائط الانابيب ، وهي خرائط ستؤدي غلبة أي منها ، الى تحديد القوة الغالبة في هذا المجال ، والتي ستؤدي الى تحديد طبيعة النظام الدولي بعد نحو عقدين او ثلاثة عقود من الزمان :
أ- الفيدرالية الروسية :
في اواخر عام 1991 ، فقدت روسيا ، ولاول مرة في تاريخها ، ذلك المجال الحيوي الذي احاطت به نفسها ، والذي امتد من حدود الصين شرقا الى شرق اوروبا غرباً . ومن بحر البلطيق شمالاً الى حدود تركيا وايران جنوباً . فلقد ورث الاتحاد السوفياتي لدى قيامه في عام 1921 كل اراضي الامبراطورية الروسية باستثناء فنلندة ، كما اضاف اليها منطقة نفوذ حاجزة تشكلت من دول شرق اوروبا .
ولاجل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية ، عمدت روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي الى تشكيل ما عرف برابطة دول الكومونويلث التي ضمت 12 دولة هي : روسيا ، اوكرانيا، بيلاروسيا ، ارمينيا ، جورجيا ، اذربيجان ، كازاخستان، اوزبكستان ، تركمانستان ، قرغيزيا ، طاجكستان ، مولدافيا .

على الرغم من ذلك ، فان علاقات روسيا ما لبثت ان تدهورت مع معظم هذه الدول، حيث ان روسيا لم تستطع تأمين المبالغ الطائلة التي يتطلبها انشاء وتطوير الكومونويلث ، واتجهت معظم تلك الدول بحثا عن المساعدات الغربية ، وبخاصة انها قد خرجت من نطاق الاتحاد السوفياتي خالية الوفاض ، لا تملك حتى انابيب لثروتها النفطية المكتشفة حديثاً . بل ان هناك آراء تقول بان روسيا نفسها غير متحمسة لفكرة الكومونويلث ، وذلك تخوفا من ان يأتي اليوم الذي تتحالف فيه هذه الدول ضدها .
وتشير السياسة الروسية المتبعة حتى الان في تلك المنطقة الى تعزيز هذا الرأي ، حيث تدعي بعض هذه الدول بان روسيا انما تسعى الى تجزئة تلك الدول المستقلة حديثاً ، وبانها قد دعمت مؤخراً استقلال اقليم ابخازيا عن جورجيا ، واقليم تراندينستا عن مولدافيا ووقفت الى جانب ارمينيا ضد اذربيجان في صراعهما على اقليم ناغورني كاراباخ . بل ان كازاخستان التي تعتبر الاقرب سياسيا الى روسيا ، قد عمدت الى نقل عاصمتها من جنوب البلاد الى شمالها تخوفاً من تطلعات روسية لسلخ شمال البلاد، حيث يشكل الروس غالبية السكان وحيث تتركز الثروات ، وضمه اليها . والمعروف ان التركيبة الديمغرافية لدول وسط آسيا والقوقاز بشكل خاص ، تشكل تربة خصبة للنزاعات الاثنية، بسبب كثرة الجماعات المتباينة، وعدم تبلور هوية وطنية في أي من تلك الدول .
من حيث النفط ، تملك روسيا مخزوناً كبيراً في حقول سيبيريا . حتى عام 1985 كانت تشكل اكبر منتج للنفط في العالم ، حيث بلغ انتاجها اليومي نحو 12.5 مليون برميل . ان انهيار اسعار النفط في عام 1986 قد وجه ضربة قاصمة للصناعة النفطية الروسية التي لم تعد قادرة على صيانة وترميم منشآتها ، فأنخفض الانتاج عام 1989 الى نحو 7 ملايين برميل في اليوم . وهناك تقديرات بانه ما لم توفر روسيا ما لا يقل عن 100 مليون دولار لترميم تلك الصناعة وتطوير التكنولوجيا المستخدمة فيها ، فان الانتاج الروسي سينخفض في حدود عام 2000 الى ما لا يزيد عن اربعة ملايين برميل يومياً . هذا مع العلم ان الاتحاد السوفياتي كان يشكل في الثمانينات ثاني اكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة، حيث قدر الاستهلاك السوفياتي في ذلك الحين بنحو 6-7 ملايين برميل يومياً .
اما بالنسبة لدول بحر قزوين ، فقد كان الاتحاد السوفياتي قد انشأ شبكة من الانابيب تمر عبر الاراضي الروسية ، وبالاضافة الى ان تلك الخطوط هي خطوط قديمة ولم تعدصالحة للنقل، فان معظم هذه الدول لا تريد الان ان يمر نفطها عبر الاراضي الروسية . فالقوة الجاذبة للشركات الغربية ، بما تمتلكه من اموال وتكنولوجيا ، اقوى من اية ارتباطات تاريخية ومن خطوط لا تملك روسيا بحد ذاتها ما يتطلبه ترميمها وتطويرها ، فضلا عن ان هذه الشركات لا تريد مرور نفط قزوين من الاراضي الروسية لاسباب استراتيجية .
واذا جاز لنا تقويم الوضع الروسي في دول بحر قزوين وما تمتلكه من ثروات ، فانه يمكن القول بان الاتحاد السوفياتي لم يخلف وراءه اية بنية تحتية قوية تربطه بهذه المنطقة . ولذلك ، فان احتمالات قدرة الفيدرالية الروسية على استرداد نفوذها الضائع في تلك الدول هي احتمالات ضئيلة جداً على المدى المنظور على الرغم من ان قوات عسكرية روسية ما زالت متمركزة في معظم هذه الدول . وبخاصة ان معظم تلك الدول قد وقعت خلال السنوات الثلاث الاخيرة اتفاقات شراكة مع حلف الاطلنطي .
ب - الصين :
تشهد الصين ثورة تنموية هائلة . فبين عامي 1990 و 1994 بلغ النمو الاقتصادي فيها نحو 12.9% وذلك مقارنة مع الهند التي بلغ نموها الاقتصادي نحو 3.8% فقط . كما ارتفع دخل الفرد فيها حتى عام 1997 الى نحو 600 دولاراً في العام مقارنة مع دخل الفرد الهندي الذي لم يتجاوز 320 دولاراً . وعلى الرغم من الضوابط الصارمة التي فرضتها السلطات الصينية على النمو السكاني في دولة بلغ تعداد سكانها في عام 1995 نحو مليار و200 الف نسمة، فان عدد السكان يزداد سنوياً بنحو 14 مليون نسمة . ومنذ ان دشن دينع سياو بينغ الاصلاحات فيها في اواخر السبعينات ، فان الصين تتقدم وتتطلع باتجاه فرض نفسها كقوة دولية في اطار نظام دولي تعددي القوى في المستقبل .
غير انه على الرغم من ذلك ، فان الصين ما زالت تعاني من مشكلات كثيرة ، احدها عدم توفر النفط في اراضيها الا بكميات قليلة نسبياً . فهي ما زالت تعتمد على الفحم الحجري في كثير من مجالاتها . والمنطقة التي يتوفر فيها النفط في الاراضي الصينية هي منطقة مضطربة تشكل نحو 16 مساحة الصين وسكانها مسلمون يتمتعون بالحكم الذاتي واخذوا مؤخرا يطالبون بالاستقلال. انها منطقة كسينياغ او تركستان الشرقية . لقد كانت هذه المنطقة مستقلة في الاربعينات ، وتم احتلالها وضمها للصين بعد الثورة في عام 1948 . ان مستقبل هذه المنطقة غير مضمون بالنسبة للصين ، ولذلك فانها سوف تسعى الى ايجاد مصادر مضمونة في ضوء نهضتها التنموية الهائلة .
تشترك الصين بحدود طويلة جداً مع احدى اهم الدول القزوينية بالنسبة للنفط هي كزاخستان، وقد وقعت في ايلول 1997 مذكرة تفاهم مع الحكومة الكازاخستانية لبناء خط نفطي . ان هناك تخوفاً روسياً وامريكياً من تمدد النفوذ الصيني في دول بحر قزوين ومعروف ان العداء الصيني - الروسي التاريخي اشد حدة من العداء الصيني - الامريكي . غير ان الصين لا تملك حالياً الاموال ولا التكنولوجيا اللازمة لاستغلال الثروة النفطية في بحر قزوين ، ومصير الاتفاق مع كازاخستان ما زال معلقاً .
ج- اوروبا :
لا توجد للاوروبيين سياسة خاصة بهم خارج نطاق السياسة الامريكية واستراتيجياتها في بحر قزوين . فالشركات الدولية الغربية في معظمها شركات امريكية - بريطانية ، والمانيا متخصصة في مجال اوروبا الشرقية ، بينما تبذل بعض الشركات الفرنسية محاولات للحصول على موطيء قدم .
د- الولايات المتحدة :
ان الميزة الجيوبوليتيكة التي تتميز بها الولايات المتحدة عن بقية معظم مناطق العالم ، هو بعدها الجغرافي عن الكتلة الارضية التي تضم اكثر من 90%من سكان العالم واكثر من 90% من دول العالم . ان ذلك البعد الجغرافي قد فرض على تلك الدولة القارية بمساحتها وثرواتها، العمل على مد القوة على نحو تتمكن فيه من الوصول الى اية بقعة في العالم دون ان يتمكن احد من الوصول اليها . ولذلك كان لا بد ، وفقاً للمنظور الامريكي ، من القضاء على الاتحاد السوفياتي الذي سخر كل امكانياته لهدف التسلح على نحو يتمكن فيه من الوصول الى الولايات المتحدة . وقد اتاح انهيار الاتحاد السوفياتي للولايات المتحدة فرصة التعرف على الامكانيات التسليحية التقليدية وغير التقليدية للاتحاد السوفياتي حيث عملت منذ عام 1991 على تحييد تلك الاسلحة ، كما عملت على تجريد روسيا من امكانية استعادة مجالها الحيوي التقليدي خارج الاراضي الروسية . لذلك فان منطقة وسط اسيا تكتسب اهمية مزدوجة بالنسبة للولايات المتحدة ، اولها ضمان عدم عودة الدول المستقلة الى مجال النفوذ الروسي وثانيها عدم ارتهان ثروات هذه المنطقة للهيمنة الروسية .
ولا تقتصر اهمية المنطقة الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة على الخطر الروسي ، بل تمتد لتشمل استراتيجية الحيلولة دون مد النفوذ الصيني من الشرق والنفوذ الايراني من الجنوب الى المنطقة .
اما من حيث النفط ، فيذكر ان الولايات المتحدة قد خفضت معدلات انتاج النفط من اراضيها منذ عام 1986 بنحو 25 %.وتعزو المصادرالمختلفة هذا التخفيض الى شحةالمصادر النفطية لديها وقرب نفاذها ، والى ارتفاع كلفة الاستخراج في اراضيها ، ويلاحظ بان التخفيض في معدلات الانتاج قد ترافق مع الانخفاض الدراماتيكي في اسعار النفط في عام 1986 .
وفي ضوء التقديرات العامة لعمر النفط في مختلف بلدان العالم ، يبدو مشروعاً افتراض ان الولايات المتحدة انما تحتفظ بمخزون نفطي استراتيجي بعيد المدى ، ويتجاوز مدة المئة عام المقدرة لعمر نفط الخليج .
لذلك يمكن تلخيص الاهداف الامريكية ازاء منطقة بحر قزوين بالنقاط التالية :
1. الحيلولة دون هيمنة روسية على النفط توفر لروسيا اموالاً طائلة تمكنها من تطوير صناعتها النفطية الخاصة .
2. الحيلولة دون تحول روسيا الى مزود رئيسي مباشر للنفط الى اوروبا .
3. ضمان تدفق نفط بحر قزوين الى العالم من خلال يد امريكية .
4. تخفيض اسعار النفط الى حد لا يضر بمصالح الشركات الدولية .
5. ايجاد التوازن بين منطقة بحر قزوين ومنطقة الخليج العربي - الفارسي بحيث لا تعود منطقة الخليج تتمتع بالمزايا الاستراتيجية الراهنة .
وقد جرى الحديث كثيرا في الاوساط الامريكية في الاونة الاخيرة عن اهداف تهميش منطقة الخليج لمدة عقدين او ثلاثة ، بحيث يصبح استخراج النفط في الخليج مكلفا الى حد لا تستطيع الدول المعنية تكلف اعبائه .
وبشكل عام ، فان المواقف الامريكية من منطقة بحر قزوين ما زالت قيد التكوين ، فمنذ ان اعلن الرئيس كلينتون في عام 1994 ان منطقة بحر قزوين ذات اهمية استراتيجية لواشنطن '، تراقب واشنطن التطورات عبر تحركات الشركات الدولية والاطراف الاقليمية ، ولم تصدر حتى الان اية مباديء على غرار مبدأ نيكسون او مبدأ كارتر بشان المنطقة .
هـ – ايران :
تتميز ايران جيوبوليتيكياً في ان حدودها الشمالية تصل الى بحر قزوين ، وتشكل افضل معبر للنفط الى الخليج العربي – الفارسي جنوباً . ففي عهد الاتحاد السوفياتي ، كانت طهران وموسكو تتقاسمان السيطرة على بحر قزوين وذلك من خلال معاهدتين وقعتا في عامي 1931 و 1941 تنصان على ان البحر مشترك بين الدولتين . ومع تفكك الاتحاد السوفياتي و ظهور ثلاث دول اسيوية تشاطيء بحر قزوين وتطالب بمياهها الاقليمية فيه ، وهي اذربيجان وكازاخستان وتركمانستان ، فان مصير هاتين المعاهدتين ما زال مجهولاً غير انهما تضمنان على اقل تقدير حصة لكل من ايران وروسيا من ثروات بحر قزوين .
وفي ضوء عدم استغلال نفط بحر قزوين خلال عهد الاتحاد السوفياتي ، فقد اقتصرت المنافع الايرانية من البحر المذكور على الصيد وثروة الكافيار التي درت على ايران ارباحاً كبيرة. غير ان الاوضاع قد تغيرت الان حيث انه بالاضافة الى الثروة النفطية التي خرجت الى العيان ، فان تصاعد الاهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة التي كانت تشكل فناء هامشياً للاتحاد السوفياتي ، قد حرك التطلعات الايرانية للقيام بدور رئيس فيها ، وبخاصة ان لدى ايران مرافق نفطية متقدمة نسبياً . فالتطلعات الاستراتيجية الايرانية الحالية تتركز في ان تصبح هي الناقل الرئيسي لنفط بحر قزوين ، عبر اراضيها ، الى الخليج العربي - الفارسي . ان تحقق هذا الهدف من شأنه ان يمنح ايران اهمية استراتيجية هائلة وسيطرة شبه كاملة على الخليج العربي الفارسي . ليس هذا فقط ، فان تحسن العلاقات الايرانية - الامريكيةمن شأنه التأثير على الموقف الامريكي من الحصة الايرانية في نفط بحر قزوين .
وفي ضوء المقاطعة الامريكية لايران والتي تحول دون تمكن الاخيرة من القيام بدور هام كناقل للنفط القزويني الى الخليج العربي - الفارسي او الى تركيا ، فان ايران قد اصبحت الان امام احتمالين ، الانزواء او التفاهم مع الولايات المتحدة . ويبدو ان الامور تتسارع منذ وصول محمد خاتمي الى منصب رئاسة الجمورية في اتجاه الاحتمال الثاني ، وبخاصة ان دعوات كثيرة قد برزت في الولايات المتحدة مؤخرا تطالب الادارة باعادة النظر في سياستها الايرانية ، كما قفزت السياسة الايرانية خطوات مذهلة منذ مجيء خاتمي نحو التصالح مع الولايات المتحدة . بل ان اسرائيل قد دخلت مؤخرا على الخط حيث اخذت تدعم التصالح الايراني - الامريكي ، الى جانب ان بعض دول شرق آسيا تفضل نقل نفط بحر قزوين عبر الممر الايراني .
و - دول بحر قزوين :
هناك ثلاث دول جديدة ذات اهمية نفطية من بين الدول الاسيوية الجديدة ، هي اذربيجان وكزاخستان وتركمانستان ، وجميعها تشاطيء بحر قزوين وتليهما في الاهمية اوزبكستان .
فهذه الدول الثلاث غنية بالنفط والغاز على الرغم من ان مخزونها المؤكد والمحتمل ما زال يخضع للطريقة التي سيتم فيها حل الوضع القانوني لبحر قزوين بالاضافة الى عمليات المسح والاستكشاف التي ما زالت في بداياتها .
يقدر المخزون النفطي المؤكد لاذربيجان بنحور 17 مليار برميل ، والمحتمل شبه المؤكد بين 20-30 مليار بالاضافة الى احتمالات قوية بوجود كميات اخرى لم يتم تقديرها بعد . لقد تبلورت في اذربيجان صناعة نفطية منذ زمن غير قليل ، وكانت تصدر النفط عبر جورجيا الى حين ايقافه في عام 1932 ، وكان قد سمح لها في اطار الاتحاد السوفياتي بالاسهام بجزء ضئيل من الانتاج النفطي السوفياتي لم يتجاوز 4% من ذلك الانتاج ، ولذلك فهي تعود الان بقوة الى الساحة النفطية العالمية وتغامر بقوة في مجال الاستثمار حيث عقدت حتى الان عقوداً بنحو 10 مليارات دولار مع عدد من الشركات الغربية . كما انها تتمتع بميزة عدم وجود عقبات طوبوغرافية كبيرة تعيق حركة اقامة الانابيب والنقل ، وذلك على العكس من الدول الجديدة الاخرى . ولعل المشكلة الوحيدة بالنسبة لها هي مشكلة سياسية تتمثل في نزاعها مع جورجيا على اقليم ناغورني كاراباخ . ان حصول جورجيا غير النفطية على مكاسب كدولة ترانزيت لنفط اذربيجان ، وربما نفط كازاخستان وغاز تركمانستان قد تؤدي الى حل المشاكل السياسية . فعلى الرغم من ان اذربيجان هي الدولة الشيعية الوحيدة بين الدول القزوينية ، فانها تنتمي من الناحية الاثنية للعرق التركي ، ولكنها لا تقيم وزناً لانتمائها المذهبي او الاثني في علاقاتها مع ايران وتركيا ، كما انها تقف موقفاً سلبياً من روسيا ، ويبدو انها تنظر الى مصالحها الذاتية بالدرجة الاولى . لقد زار الرئيس الاذري علييف الولايات المتحدة في آب 1997 وكان موضع ترحيب كبير ، ووقع سلسلة من العقود الاستثمارية معها .
اما كازاخستان ، فهي الدولة الجديدة النفطية الثانية بعد اذربيجان ، اذ يبلغ المخزون المؤكد فيها نحو 10 مليارات برميل اضافة الى نحو 2 ترليون قدم3من الغاز ، بينما يقدر المحتمل من النفط بنحو 30 مليار . وقد تؤدي الاستكشافات الى تغلبها على اذربيجان من حيث الكمية النفطية . كازاخستان بلاد شاسعة ، وذلك على العكس من اذربيجان، وعدد سكانها نحو 18 مليون نسمة مقارنة بأذربيجان التي لا يزيد عدد سكانها عن ثمانية ملايين نسمة . ولكن مشكلتها تكمن في ان مرافقها النفطية تكاد تكون مهترئة ، ان لم تكن معدومة . وتكمن ثروتها النفطية في غرب البلاد، أي على شواطيء بحر قزوين ، الامر الذي يشجع على مرور نفطها نحو الغرب .
لقد بدأت كزاخستان مرحلة استقلالها بالتقارب مع روسيا ، وكذلك مع الصين اللتين تربطها معهما حدود طويلة . وعلى الرغم من توقيعها اتفاقاً مع الصين على مد انبوب نفطي، فان الزيارة الاخيرة للرئيس كلينتون الى كزاخستان في اوائل عام 1997 قد تمخضت عن عقد مجموعة من الاتفاقات مع اربع شركات امريكية عملاقة حيث وقع الرئيس كلينتون تلك الاتفاقات نيابة عن الشركات . ولا تقتصر ثروة كزاخستان على النفط والغاز ، بل ان لديها مصادر طبيعية كثيرة في مقدمتها الذهب ، حيث اصبحت تعتبر ثاني اكبر منتج للذهب الخام بعد جنوب افريقيا وسادس دولة من حيث احتياطي الذهب في اراضيها .
اما تركمانستان ، فتتميز في انها تمتلك مخزوناً من الغاز يفوق مخزونها من النفط . وهي الدولة الوحيدة التي تتاخم ايران . وما زالت ثرواتها المؤكدة قيد الاستكشاف ، حيث لم تسلط الاضواء عليها كثيراً حتى الان .
وبشكل عام ، فان هذه الدول النفطية الجديدة يقدر لها ان تنتج ستة ملايين برميل في اليوم اذا ما تم استغلال اقصى طاقتها الانتاجية ، أي سبعة اضعاف معدل انتاجها الاولي الحالي ، وقد تكون هذه التقديرات متواضعة اذا ما تمت كل الاستكشافات .
1. الوضع القانوني لبحر قزوين :
لعل المشكلة الرئيسة التي تواجهها هذه الدول الثلاث الناشئة ، هي مسألة الوضع القانوني لبحر قزوين الذي تتواجد في مياهه ثروة نفطية كبيرة فهناك خمس دول تطل على بحر قزوين هي روسيا وايران واذربيجان وكزاخستان وتركمانستان .
وفي ضوء الاتفاقات الايرانية - السوفياتية القديمة ، كان البحر مشتركاً بين الطرفين . ومع بروز الدول الثلاث الى الوجود ، بدأ الصراع بين الدول الخمس المشاطئة لبحر قزوين على كيفية تقاسم البحر وثرواته . فروسيا وايران تطالبان بان تكون لكل دولة من الدول الخمس مياه اقليمية حتى عشرين ميلاً من شاطئها ، وان تظل منطقة وسط البحر التي تبعد اربعين ميلاً عن الشواطيء ملكاً لجميع هذه الدول وتديره بشكل مشترك . اما اذربيجان وكزاخستان اللتان لديهما حقولاً نفطية كبيرة في المياه ، فتطالبان بتقسيم البحر الى خمسة اقسام بين الدول الخمس . فالاقتراح الاول يتيح لروسيا وايران الحصول على كميات نفطية اكبر من الكميات المحاذية لشواطئهما ، والاقتراح الثاني يتيح لاذربيجان وكزاخستان الحصول عى قدر اكبر من النفط المتوافر في المنطقتين المحاذية لشواطئهما . وقد ايدت تركمانستان الاقتراح الروسي - الايراني اولاً ثم تراجعت ، وذلك في ضوء ان ثروة تركمانستان النفطية في المياه قليلة وهي تملك كميات كبيرة من الغاز المتوافر تحت رمالها .
يبدو واضحا انه ما لم يحسم الوضع القانوني لبحر قزوين فان مصير الثروات النفطية في هذه المنطقة سيظل معلقاً ، كما يبدو ان المواقف السياسية للقوى الدولية ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة ، ستؤثر على النتائج التي سيتمخض عنها الوضع القانوني . فتقسيم البحر الى خمس ماطق سيكون في مصلحة الدول الناشئة ، وتقسيمه على النحو الذي تقترحه روسيا وايران سيكون في مصلحتهما .
2. معركة على خطوط الانابيب
منذ استقلال الدول النفطية في وسط آسيا وانفتاح المعلومات عن الثروة النفطية فيها على العالم ، بدأت معركة حامية الوطيس بين الشركات الغربية والقوى الدولية والاقليمية على ذلك الكنز المكتشف .
ويبدو واضحا ان هناك مستويين من التنافسات :احدهما مواقف الشركات العالمية غير المعنية كثيرا في المدلولات السياسية لمد الخطوط في اتجاه او آخر ، والاخر هو المواقف السياسية والاستراتيجية للقوى الدولية ، التي تؤثر بدورها على مواقف الشركات . هذا اضافة الى مواقف الدول الاقليمية التي تتخوف من ارتهان نفطها لهذه القوة او تلك بدرجة او بأخرى .
ان كميات النفط والغاز التي بوشر بتصديرها من اذربيجان وكزاخستان وتركمانستان ما زالت كميات قليلة . فبالنسبة لاذربيجان ، تم في عام 1997 الاتفاق مع روسيا على ترميم جزء من خط قديم ينقل النفط من باكو الى ميناء نوفوروسيك على البحر الاسود عبر اراضي الشيشان . ولكنه خط مؤقت ، ولا تحبذ اذربيجان ولا روسيا استمراره وتقويته لعدة اسباب ، في مقدمتها ان عدم الاستقرار السياسي في الشيشان قد يشكل تهديداً للخط بالنسبة لاذربيجان ، بينما لا تحبذ روسيا مرور الخط عبر الشيشان بسبب مطالب الاخيرة بالاستقلال ، وتقترح خطاً اخر يلتف على الاراضي الشيشانية الى ميناء نوفوروسيك على البحر الاسود . كما يجري ترميم خط من باكو الى ميناء سويسا الجورجي على البحر الاسود . اما كزاخستان ، فقد باشرت بنقل كميات من النفط بالقطارات والشاحنات ، وذلك باتجاهين : اتجاه نحو الصين، واتجاه اخر نحو دول البلطيق بعد نقل النفط في المراكب عبر بحر قزوين . وهذه حلول مؤقتة ريثما يتم الاتفاق على خطوط الانابيب الارضية الدائمة . كذلك تم مد خط صغير لنقل الغاز من تركمانستان الى شمال ايران وذلك للاستهلاك الداخلي .
اما بالنسبة للخطوط الدائمة ، ففي الوقت الذي تطرح فيه بعض الشركات اقامة خطوط في مختلف الاتجاهات ، فان التنافس ما زال حاميا حول اربعة اتجاهات :
1- خطوط شمالية : تربط نفط دول بحر قزوين بشبكة الخطوط الروسية القديمة وتتجه اما براً الى اوروبا او نحو ميناء نوفوروسيك على البحر الاسود ، وهي الخطوط التي تريدها روسيا .
2- خطوط غربية : تنقل نفط اذربيجان ، ونفط كزاخستان بعد مد انابيب تحت البحر الى باكو ثم الى البحر الاسود عبر ميناء سويسا الجورجي . وهي خطوط تؤيدها اذربيجان وجورجيا . ولكن المشكلة في هذه الخطوط تتمثل في الموقف التركي الرافض لمرور النفط عبر البوسفور والداعي الى مد خطوط من ميناء باكو الاذربيجاني الى ميناء سيحان (الاسكندرون ) التركي على الشاطيء الشرقي للبحر المتوسط ، عبر الاراضي التركية اليابسة في الشمال الشرقي .
وينبع الاعتراض التركي على مرور النفط عبر اليوسفور من ادعائها بان البوسفور لم يعد يتحمل ما يتعرض له من تلوث بيئي بسبب مرور النفط فيه . غير ان سبباً اخر يكمن وراء المعارضة التركية ، ويتمثل في حقيقة ان البوسفور يعتبر ممراً مائياً دولياً وفقاً لمعاهدة مونترو الموقعة في عام 1936 ، ولا يتيح ذلك لتركيا التحكم فيه او جباية رسوم مرور او اية مكوس اخرى ، وذلك على العكس من مرور الانابيب عبر اليابسة التركية . مقابل ذلك ، ثمة اعتراضات كبيرة على مثل هذه الخطوط من قبل ارمينيا ، التي تعتبر المناطق الشمالية الشرقية من تركيا اراضٍ ارمنية مغتصبة ، وترى ان مرور الانابيب منها يعني اعترافاً دولياً بالاغتصاب التركي. الى جانب ذلك ، فمن شأن هذه الانابيب ان تمر من اراض اخرى يعتبرها الاكراد اراضيهم ، وثمة خشية من ان يهدد الاكراد هذه الخطوط .
3- خطوط شرقية : كزاخستان تتطلع الى تصدير نفطها بأي اتجاه طالما ان ذلك سيدر عليها اموالا طائلة. وتكافح الصين بقوة من اجل مد خطوط باتجاه الشرق ، حيث وقعت مؤخراً اتفاقياً اولياً مع كزاخستان على بناء خط تقدرتكاليفه بنحو 3.5 مليار دولار ، وتعرض كذلك شراءها عدداً من الحقول النفطية الكازاخية .

وهناك حديث عن خط للغاز من تركمانستان عبر افغانستان الى باكستان والهند . غير ان عدم الاستقرار في افغانستان يعطل البحث فيه .
4- الخطوط الجنوبية : يكثر الحديث حالياً عن افضلية الخطوط النفطية الجنوبية ، أي نحو ايران وعبر اراضيها الى الخليج العربي - الفارسي . وهناك عملية دعاية واسعة لهذا الخيار، الذي يقول انصاره بانه اقصر الخطوط وارخصها تكلفة ، وبخاصة بالنسبة لغاز تركمانستان المحاذية لايران . غير ان الاعتراضات على هذا الاتجاه ، وفي مقدمتها اعترضات امريكية ، تنقسم الى شقين ، اولهما اعتراض امريكي تكتيكي يسعى الى الضغط باتجاه اجراء تحولات جذرية في السياسة الايرانية ، والثاني اعتراض امريكي استراتيجي ينبع من التردد الكبير في حصر كل ثروة المستطيل النفطي في الخليج العربي - الفارسي، حيث ان هذا الخيار يفترض عودة ايران الى الحضن الامريكي والى استعادة دورها كشرطي الخليج ، او ان يلزم الولايات المتحدة بالتواجد العسكري الدائم في الخليج ، وبمعنى اخر ، احتلاله . وامام هذه الاحتمالات الكثيرة ، يبدو ان الاتجاه الحالي المدعوم امريكيا يميل الى تدعيم فكرة الخطوط الغربية ، وبخاصة في شقها الجورجي حيث تروج الولايات المتحدة لفكرة نقل غاز تركمانستان بانابيب من تحت مياه بحر الخزر عبر اذربيجان الى تركيا .
غير ان التركيز على هذا الاتجاه يتطلب حل معضلات فنية وسياسية هائلة ، في مقدمتها حل مشكلة البوسفور فنياً ، وحل المعضلة الكردية في تركيا واجراء مصالحه ارمينية - تركية سياسياً . وهذا يعني منح تركيا اهمية سياسية واستراتيجية اكبر مما تمتع به الان .
خلاصة واستنتاجات
لقد اكد رد الفعل الامريكي على الاحتلال العراقي للكويت في عام 1990 ، ان الولايات المتحدة لن تسمح في الوقت الراهن او على المدى القريب المنظور بأية محاولة من قبل اية جهة محلية او دولية للهيمنة على المخزون النفطي في الخليج العربي - الفارسي . فلقد تحول الخليج منذ عام 1980 الى ما وصفته الاوساط الامريكية منذ ذلك الحين ، بأنه ' مصلحة قومية ' للولايات المتحدة . وشكل مبدأ كارتر التنفيذ العملي لتلك السياسة التي حولت الخليج الى بحيرة عسكرية امريكية تزج بقواتها فيها متى تشاء وفقاً لاتفاقات متعددة عقدتها مع الدول الخليجية العربية .
كذلك فان انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 ، الذي لعبت عملية تخفيض اسعار النفط تخفيضا دراماتيكياً منذ عام 1986 ، دوراً في عملية تدهوره المالي والاقتصادي ، قد أدى الى انسلاخ شرق اوروبا والجنوب الاسيوي عن روسيا وتمدد حلف الاطلنطي في شرق اوروبا والدول الاسيوية المستقلة حديثاً اما عبر العضوية الكاملة لبعض الدول ، او عبر اتفاقات الشراكة التي عقدتها الدول الاسيوية مع الحلف ، حيث اكد ذلك على وجود استراتيجية امريكية بدرجة رئيسة واوروبية بشكل عام تهدف الى عدم السماح لروسيا باستعادة نفوذها في أي من تلك الدول .
فبالاضافة الى دول شرق اوروبا التي تشكل حاجزا امام احتمال أي توسع روسي مستقبلي، فان دول وسط اسيا ، او دول القوقاز وبحر قزوين ، تتميز الى جانب اهميتها كحاجز ، بثروة نفطية من شأنها توفير عنصر القوة الاقتصادية لمن يهيمن عليها . وهي قوة لم يقم الاتحاد السوفياتي السابق باستغلالها او لم يكن قادرا على ذلك .
كذلك ، فان هذه الدول الاسيوية الجديدة هي دول زراعية رعوية متخلفة اقتصاديا واجتماعياً وسياسياً حيث يتم تصنيفها ضمن ما يعرف بالعالم الثالث ' في هذا المجال، وذلك مقارنة مع دول شرق اوروبا التي يتم تصنيفها ضمن دول ' العالم الثاني ' ولذلك فقد اصبحت تنتمي جيوبوليتيكيا الى مستطيل يمتد من جنوب روسيا وينتهي في جنوب الخليج العربي - الفارسي . وهو مستطيل من دول غنية بالنفط والغاز ، لا تملك الاموال ولا التكنولوجيا ولا القدرة السياسية والاقتصادية للسيطرة على ثرواتها ومقدراتها .
لذلك ، فان تنافس القوى الدولية المتمثلة اولا في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا ، ثم روسيا والصين ، على هذا المستطيل سوف تتصاعد على المدى القريب المنظور. ان استمرار نظام القوة الواحدة السائد حالياً ، يعني ان تكون الولايات المتحدة هي المهيمن الوحيد على هذا المستطيل . بينما يؤدي تحول النظام الدولي الى نظام تعددي القوة ، الى تقسيم هذا المستطيل الى مناطق نفوذ لكل من تلك القوى . ان السعي الحثيث للولايات المتحدة للحفاظ على نظام القوة الواحدة الذي تتصدره والحيلولة دون تحول هذا النظام الى نظام تعددي القوة ، انما يعني ان الولايات المتحدة ستظل تعمل على استكمال فرض هيمنتها على هذا المستطيل النفطي الذي تهيمن حالياُ على جزئه الجنوبي ، كما يفترض بها ان تحل عدداً كبيراً من المشاكل والقضايا العالقة سواء في منطقة الخليج او منطقة بحر قزوين ، وفي المناطق المحيطة بهما .
ففي الخليج ، هناك تحديات الوضع العراقي ، والحالة الايرانية ، ومعضلة تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي . وفي بحر قزوين ، هنالك تحديات الطبيعة الجغرافية لتلك المنطقة ، والتي تتطلب نقل النفط عبر انابيب وليس عبر ناقلات . وهذه تتطلب اشاعة الاستقرار السياسي وحل المعضلات بين كل من اذربيجان وجورجيا ، وارمينيا وتركيا ، وابعاد الصين عن كزاخستان ، وترتيب علاقة ايران بتركمانستان ، وحل معضلة افغانستان ، وابعاد روسيا عن الجميع ، اضافة الى تقليم اظافر فرنسا التي تحاول لعب دور مستقل .
ان اصرار الولايات المتحدة على مد انابيب النفط عبر الطريق الغربي ، أي عبر البوسفور او اليابسة التركية ، يفترض حل كل مشاكل القوقاز وتركيا . وسيؤدي مثل ذلك الى تصاعد اهمية البحر المتوسط على نحو لم يسبق له مثيل في العصر الحديث ، حيث سيصبح المتوسط بحيرة نفطية تتطلب استقراراً سياسياً تاماً . ويعني هذا اولوية تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي نظرا الى ان معظم هذا الصراع انما يدور على شواطيء المتوسط ، فلسطينيا - اسرائيليا سوريا ولبنانيا ، وبدرجة تالية : مصرياً وليبياً .
كما سيعني هذا مد حلف الاطلنطي الى البحر المتوسط ، والذي تبدو ملامحه الان في المداولات الجارية لضم قبرص بشقيها اليوناني والتركي الى عضوية الحلف . وقد يؤدي هذا الخيار الى ترفيع مكانة تركيا وتعزيز موقعها اقليمياً . كما ان ايجاد حل للمشكلة الكردية في اراضيها قد يؤدي الى ضمها الى عضوية حلف الاطلنطي .
من جهة ثانية ، فان المعضلات الطوبوغرافية بالنسبة للدول النفطية القزوينية الشرقية ، تفترض ان افضل واسهل الطرق لنقل النفط هي مد الانابيب عبر ايران . ان التطلع الايراني لهذا الخيار قد ادى مؤخرا الى حدوث تغيرات هامة في السياسة الايرانية ، حيث ان عودة ايران للقيام بدورها التقليدي كشرطي للخليج لصالح الولايات المتحدة مقابل منحها مكانة الدولة الناقلة للنفط والغاز القزويني ، وحل مسألة الوضع القانوني لبحر قزوين لصالحها ، لم يعد امراً مستبعداً . وسيعني هذا تبلور هيمنة سياسية ايرانية ساحقة على الخليج ، الامر الذي سوف يسيء كثيراً الى الدول الخليجية العربية بما في ذلك العراق ويغير ميزان القوة الاقليمية تغييراً حاسماً لصالح ايران، بكل ما يعنيه ذلك من ان الانصياع الايراني لمتطلبات الاستراتيجية الامريكية المتوافقة مع التطلعات الايرانية . يعني دخول اسرائيل كعنصر ثالث في هذه المعادلة الايرانية - الامريكية . بل ان هذا الخيار هو الذي تدعمه اسرائيل بقوة .
وهناك احتمال ثالث ، يتمثل في توزيع خطوط النفط القزوينية الى طريقين ، حيث يتم عبور نفط اذربيجان عبر جورجيا وتركيا الى البحر المتوسط ، وعبور نفط وغاز كزاخستان وتركمانستان الى الخليج العربي - الفارسي عبر ايران .
ان من شأن هذا الخيار افادة الولايات المتحدة وذلك من خلال عدم حصر جميع الممرات النفطية في ممر واحد هو الخليج العربي - الفارسي . غير ان هذا الخيار يفترض امتثال ايران للهيمنة الامريكية ، ولا يقلل من احتمالات الهيمنة الايرانية - الاسرائيلية على الخليج.
اما الاحتمال الرابع فهو عدم تمكن الولايات المتحدة من تقرير مصير خارطة الانابيب القزوينية بسبب تمكن روسيا مثلا من استعادة ولاء الدول القزوينية لها ، وهو احتمال ضعيف ، او عرقلة محاولات فرض الاستقرار في منطقة القوقاز وبحر قزوين وهو امر محتمل . ان من شأن ذلك ان يدفع الولايات المتحدة الى تشديد قبضتها على الخليج العربي - الفارسي ، والتصدي لاية محاولات روسية للتسلل الى منطقة الشرق الاوسط عبر ايران او العراق ، بالاضافة الى تعزيز مكانة اسرائيل وربط عملية التسوية للصراع العربي - الاسرائيلي بمدى ابتعاد الدول العربية تحديدا عن روسيا . ويشكل هذا الاحتمال صورة مخففة من صور الحرب الباردة السابقة.
وهناك احتمال خامس يندرج في اطار احتمال عدم تمكن الولايات المتحدة من تقرير مصير خارطة الانابيب القزوينية ، ويتمثل في تمكن الصين من مد نفوذها الى داخل دول اسيا الوسطى ونفط بحر قزوين ، وتعريض المنطقة للتنافس الروسي - الصيني من جهة ، والتنافس الامريكي - الروسي والامريكي - الصيني . غير انه احتمال ضعيف وذلك في ضوء طبيعة السياسات الصينية الحاضرة التي تعتمد التمهل والتؤدة ، ولا تزج بنفسها في مغامرات كبيرة . ان هذا الاحتمال ايضا سينعكس سلبا على منطقة الشرق الاوسط وعلى مسار التسوية العربية - الاسرائيلية الشاملة .
يتضح مما سبق ان التسوية العربية - الاسرائيلية بشكل عام ، والقضية الفلسطينية في مقدمتها ، انما ترتبط ارتباطا وثيقا بالتطورات الاستراتيجية التي ستؤثر في منطقة الشرق الاوسط والتي يشكل نفط بحر قزوين متغيرا جديدا هاما في المعادلة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.