الدروس المستفادة من الإسراء والمعراج
يقول الدكتور أحمد شلبي :
من الدروس المهمة المتصلة بالإسراء والمعراج : أن الله – سبحانه
وتعالي – أتاح للرسول – عليه الصلاة والسلام – بها فرصة أن يري العوالم الكبرى ،
فصغرت بذلك مكة في نفسه ، وما بها من عتاد ورجال ، وماذا تكون مكة ومن بها بالقياس
إلى هذا العالم الفسيح ؟ وإلى صاحب القوة الجبارة التي صنعت معجزة الإسراء
والمعراج ؟
ومن الدروس كذلك : وضع المسلمين قبل الهجرة في بوتقة اختبار
لتنقيتهم من المترددين قبل أن يبدأ الشوط التالي ، الذي سيكون حافلا بالجهاد
والتضحية بالمال والأهل والوطن بعد الهجرة إلى المدينة .
ويقول الأستاذ ناصر محمد عطية :
هذه الرحلة كانت درسا تربويا نفسيا لا بد منه لمحمد حتى يواجه أعباء الرسالة ، ويتحمل مسؤلياتها ويرفع رايتها ، ويقف كالجبل
الأشم لا يتزعزع ، ولا يتزلزل أمام هذه العواصف والمؤامرات
ويقول الشيخ على فريج حسنين :
وأنت تقرأ فواتح سورة الإسراء فلا تفرغ من الآية الأولي بمفردها
حتى تقع في قصة موسى والتوراة وبني اسرائيل ، وكانت النفس تميل إلى تفصيل ما شاهده
الرسول – عليه السلام – في رحلة العجائب التي مثلت له من هيئات الصالحين وأحوالهم
، ومن أحوال العاصين وما أعد لهم ، كما روته الأخبار الصحيحة ، ولكن القرآن أجمل
تلك الآيات على عظمتها إجمالا ، وخلص سريعا إلى بيان الأهم .
هذا الأهم هو : رسم الطريق وتوضيح الخطة ، والتحذير من المخالفة
، وبيان العاقبة ، وتحديد العقوبة ، فإن الشأن في الحقيقة أعظم من هذا القصص ،
لأنه الدين كله ، وملك الإسلام أبد الدهر ، من محمد
إلى يوم القيامة ، وهذا كله
ينطوي تحت الآيات التالية للآية السابقة ، ونستمع إلى ما يقول القرآن ( وءاتينا
موسى الكتب )
وإنه وإن كانت القصة تحكي حال بني إسرائيل ، ولكنها في الحقيقة
تستهدفها وتعنينا ، وهي تقصد إلى أن تقول لنا – نحن المسلمين – إنكم خلفتم بني
إسرائيل في الدين والملك ، وقد كان القوم على دين فضلهم الله به على العالمين ،
وكانوا على ملك بلغ من شأنه في عهد سليمان بن داود – عليهما السلام – ( أنه لا
ينبغي لأحد من بعده ) وقد شدد الله ملكهم ، وبقي محافظا على عهده معهم ورعايته
إياهم ما حفظوا هم عهده ، ووفوا بميثاقه ، واستقاموا على طريقته .
فلما بدا لهم أن يضلوا السبيل ، ويخالفوا أمره ، ويخونوا أمانته
بإهمال شريعته ، ونبذ الدين واتباع الشهوات ، والإفساد في الأرض ، رفع الله عنهم
حمايته ، وسلبهم عنايته ، ووكلهم إلى أنفسهم الطاغية الباغية ، فداستهم الأمم ،
وقهرتهم الدول ، وبعث الله عليهم المرة بعد المرة عبادا له أولي بأس شديد من
البابليين والمصريين والفرس والروم ، فلم يزالوا بهم حتى أتوا على بنيانهم من
القواعد ، فقوضوا دولتهم ، ونكسوا أعلامهم ، ومزقوهم شر ممزق ، وشردوهم في الأرض
لا وطن لهم مدى الحياة .
فحاذروا أيها المسلمين أن تكونوا مثلهم ، فتستنوا في الأمر
سنتهم ، وتسيروا سيرتهم ، فإنكم إن فعلتم ذلك جرت عليكم سنة الله بما جرت عليهم ،
وإنها سنة ماضية بحقها ، قاهرة بعدلها ، لا تحابى خليلا ، ولا تظلم فتيلا ، ولا
يجد لها أحد من دون الله تحويلا ولا تبديلا ، وبهذا تلوح لنا الحكمة من الإسراء ،
حيث جمع الله لرسوله العظيم في ليلة العيد – عيد التشريفة الكبري – جميع الأنبياء
والمرسلين في حفل استقبال عام ، حيث أسلموا له الزمام ، وقام فيهم مقام الإمام في
المسجد الأقصى المبارك ، وتحقق ميثاق الله المأخوذ على النبيين من أول الخليقة ،
بالإيمان بالرسالة ورسولها الخاتم ، وهو ما جاء من سورة آل عمران في قوله تعالي :
( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ... )
وتم الاحتفال بختم النبوة والرسالة في الأرض ، وتولية خاتم
الرسل والأنبياء محمد إمامة الدين وسلطانه تحت رعاية القرآن
، وجمع التراث الدين كله إلى هذه الحوزة وتحت هذه الراية إلى يوم القيامة ، وإعلان
ذلك في الأرض والسماء ، على ملأ من الملائكة والرسل والأنبياء ، وإيذان بنقل الأمر
من بيت إسرائيل إلى بيت إسماعيل ، ولولا أن القصد هو هذه المبايعة التي ضمت تراث
إلى حوزته وجمعت كلمتهم تحت رايته ، لما تجلت لنا في هذا الوضوح حكمة الإسراء إلى
المسجد الأقصى ، ولكان عروجه من المسجد الحرام بمكة أقرب وأولى .
ويقول الأستاذ أحمد زين :
لو لم يكن غاية الإسراء والمعراج غير فرض الصلاة لكان في ذلك ما
يكفي رضاء من الله على المسلمين ورسولهم ، ولكن الرحلة كانت لها غايات أخرى أثبتها
السميع البصير في آية الإسراء ( لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير )
فأري الله تبارك وتعالي رسوله المصطفي في كربته ما يزيل الكرب ،
ويشحذ العزم ، ويؤهله لمراحل الدعوة القادمة .
أراه مكانته العليا التي أعدها له
وأراه آيات من ملكوته العظيم ، وكشفت
الرحلة لرسول الله معاني كثيرة عن فضائل عديدة لها أثرها في الإسلام والدعوة إليه
، واستهدفت الرحلة غاية عظيمة وهي وحدة الأماكن المقدسة ، واتحاد النبيين
والمرسلين على الإسلام ورب الإسلام .
وبعد أن رأى مولانا رسول الله
الآيات طمأنه إلى نصر الله
وقدرته وأنه على الحق المبين
فعاد إلى قومه بأقوى عزم ، وتهيأ لرحلة الهجرة وللدعوة والجهاد
والفتح ، فكانت السنوات التالية للإسراء ، سنوات مجد الإسلام وتمام نزول أحكامه ،
ونشره على العالمين .
ويقول الشيخ الشعراوي عن حكمة الإسراء والمعراج فأجملها بقوله :
هي معجزة خرق الله فيها لرسوله قوانين الأرض وقوانين السماء
ليريه من آياته الكبرى ويثبته ويفرض عليه أقدس العبادات وأقربها إلى الله – سبحانه
وتعالي – وهي الصلاة .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire