أعلان الهيدر

مصطفى الرزاز


مصطفى الرزاز
مصطفى الرزاز

عندما ألقى الفن بنرده وقع الاختيار على الفنان مصطفى الرزاز ليصبح وليده الذى يرعاه طفلا, يقفز بين اتجاهاته و أساليبه فى مربعات تحتوى على سلم فقط لا مجال فيه للسقوط مع أذيال الثعابيين, فكل خطوة تتم بحساب و نسب مدروسة, تجعله يقفز بين التعبيرية و التجريدية و السريالية التى تشرب جذورها منذ أن تفتحت عيناه على الفن ووقع من وقتها فى صدمات مع أسرته و عالمه الذى ينظر الى الفن باعتباره لعبة للتسلية فى وقت الفراغ و الترفيه.
فكلما اشتد نهمه للاطلاع على الادب العالمى وجد نفسه يقلد مايكل أنجلو مثلا الذى يرسم الجثث فى المقابر , فيأخذ كلبا ميتا و يخفيه فى مكان يحج اليه ليرسمه, لكن رائحته لم تمهله وقتا للمتعة, تلك المتعة التى لم يعرف مصدرها, والتى يتعالى صوتها بداخله تنطق اسمه بصدى منغم.
فقد كان ينساق معها نحو عزلة مع الورق و الالوان التى يخفيها اسفل سريره خوفا من عقاب أبويه, و يسرق أوقاته ليختفى فى غرفة البواب حاملا قطعة حجر يريد أن ينحتها عصفورا فيقطع النصل يده بينما يعتبر كل من حوله أن هذه الحادثة مجرد شقاوة صغار.
تقدم به العمر و تعالى صوت نداهة الفن بداخله حتى أصابه الادمان فبدا كل من حوله يلاحظ موهبته ووصفه ناظر مدرسته مذكيا بأنه صاحب رسالة.
فمنذ أن تخرج مصطفى فى كلية الفنون عام 69 وهو دائم التلبية لنداء نداهته, و التى تناديه الى عوالم فنية رحبة يمنحها الكثير من جمال رصده لها و يحصل منها على خبرات تيار فنى سرعان ما ينتقل الى غيره بعد ان يتشربه جيدا و يضع بصمة خاصة تحمل اسمه على صدر اتجاه فنى متميز , و قد برز ذلك فى مرحلة التعبيرية التى خاضها مع النوبة متجولا فى مركب البوستة ما بين قرية و اخرى يرصد بكارة و صفاء هذا الوطن قبل و بعد بناء السد العالى, تلك المرحلة التى افرزت الاف اللوحات التى كانت بداية لحصوله على جوائز ذات قيمة فنية و مادية.

كما خاض مطفى الرزاز تجربة جميلة مع المخطوطات فى دار الكتب, حيث كان يعمل عمه.. ووجد فرصة الاستمتاع بهذه المخطوطات أثناء ترميمها فأخذ يرسمها و يتعلم اتجاها اخر للفن صنعه, و لذلك عرف بخياله من عالم الاساطير و الحكايات التاريخيه, و دخل عالم بناء الفراغ و تأسيس الخوطوط و المساحات و هندسة التكوين و نسبه الدقيقة, و لذلك عرف فنه بنزعة اسطورية سرعان ما اختفت مع اندلاع الثورة حيث استبدلت لوحاته بهذا الحس الوطنى المتميز و تلك الرؤى السياسية التى تشير اليها خطوطه الميتافيزيقية الميزة.

و تدخلت هذه الاتجاهات عندما جلس على خط النقاة أثناء حرب الاستنزاف يرسم الجنود و احذيتهم و خوذاتهم و مخلفات الحرب, احيانا بشاعرية تنطق باسم مصر.. و احيانا بشجن فياض و الوان تثير مشاعر الكفاح و الانتفاضة, و تخمد ثورة عارمة بداخل الجنود لتهدى من روعهم قليلا, من اجل التهيئة لحرب رابحة.

فى كل الحالات لم يتوقف الرزاز عن الرسم مطلقا , فقد كان يرسم فى البيت.. فى الشارع.. فى الموصلات لانه يؤمن بمقولة ربما الهمته بها نداهة الفن فيقول: " الفنان كأنه مخاوى بالفن لابد ان يصحبه فى كل مكان ولا يتوقف عن مجالسته و إن تركه يوما جاءه فى اليوم التالى ليساله.. من انت" .
لذلك عندما جاءته فرصة البعثة الامريكية عام 75 سافر ليزور متاحف الفن حول العالم فى السويد, النرويج, الدنمارك و هو ما تسبب له فى حالة تحول ثقافى تغير على أثره إدراكه البصرى للاشياء و رويته للعلاقات التى من شأنها أن تخلق طاقة تنبعث من أرجاء اللوحة و يشعر بها كل متلق.

هذا المفهوم انطلقت منه جماعة المحور التى انضم اليها الرزاز فى فترة الانفتاح التى سادت فيها اجواء طاردة للملكات الفكرية, تسبب فى توقف بعضهم عن الفن و هاجر البعض الاخر الى الخارج, بينما كان البعض يرسم لنفسه فقط, لذلك جاءت لوحاته طليعية تدفع الى الكفاح و تنمى احاسيس التصدى للعجز و الاستسلام, و بهدوء شديد انساق الرزاز بألوانه الهادئة الى عالم الصوفية و رصد الكائنات برؤاه الروحانية التى لا تخلو من رحابة فى الاحساس ولان هذا العالم شائك فقد طوعه الرزاز بحس مميز ليدخل سياق الاسطورة, حيث اعتمد على منطق استعارة الممالك من بعضها ملكات, فلانسان مثلا قد يستعير نبله من الحصان, فهكذا لعب بفرشاته على اربعة عناصر اساسية هى الطائر و الانسان و الحيوان و النبات فكانوا هم سفراء الفن فى كل لوحة يخطها و يخلق معها تساؤلات يسهل على المتلقى تأويلها و تفسيرها حسبما يرى, فهى تخاطب احساسه و دواخله بكل وضوح, و تصنع مع الوانه المتضاربة ما بين الساخن و البارد باحساس عال, نما بداخل فنان تمكن من جذب لجام الفن اليه و توجيهه بمزيد من الوعى و الحس الفنى.
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.