أعلان الهيدر

الموشحات الأندلسية


الموشحات الأندلسية
الموشحات الأندلسية
الموشح
الموشح فن شعري مستحدث، يختلف عن ضروب الشعر الغنائي العربي في أمور عدة، وذلك بالتزامه بقواعد معينة في التقنية، وباستعماله اللغة الدارجة أو الأعجمية في خرجته، ثم باتصاله القوي بالغناء. ومن الملفت أن المصادر التي تناولت تاريخ الأدب العربي لم تقدم تعريفا شاملا للموشح، واكتفت بالإشارة إليه إشارة عابرة، حتى أن البعض منها تحاشى تناوله معتذرا عن ذلك لأسباب مختلفة. فإبن بسام الشنتريني، لا يذكر عن هذا الفن إلا عبارات متناثرة، أوردها في كتابه "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة"، وأشار إلى أنه لن يتعرض للموشحات لأن أوزانها خارجة عن غرض الديوان، لا أكثر على غير أعاريض أشعار العرب. أما ابن سناء الملك فيقول: "الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص".
أصل الموشحات :
يعتقد أن كلمة "الموشحة" تعود إلى اللفظة السريانية "موشحتا"   أي بمعنى "إيقاع" أو "ترتيلة من المزامير". كما يعتقد أن الموشحات ظهرت في المشرق العربي وتأثرت بشدة بالموسيقى الكنسية السريانية حتى أن الردات في أقدم الموشحاة كانت تحوي ألفاظا سريانية.  بينما يقول رأي آخر أن مخترع الموشحات في الأندلس كان شاعرا من شعراء فترة الأمير عبد الله اسمه مقدم بن معافى القبرى. وقد جاء في بعض نسخ كتاب الذخيرة لابن بسام أن مخترع الموشحات اسمه محمد بن محمود. والمرجح أن مخترع هذا النوع الشعري هو مقدم بن معافر، وعلى ذلك أكثر الباحثين. على أن بسام لم يجزم حين ذكر هذا الأخير، وإنما قال: "و أول من صنع هذه الموشحات بأفقنا واخترع طريقتها - فيما يلقى- محمد بن محمود القبرى الضرير". ولعل كون الشاعرين من قبرة جعل ابن بسام يضع اسما محل اسم، فكأنه قد بلغه أن الشاعر القبرى فلانا قد اخترع الموشحات، فذكر محمد بن محمود ونسى اسم مقدم. وقد وردت هذه الموشحة منسوبة إلى هذا الأندلسي في كثير من المصادر الموثوق بها مثل جيش التوشيح لابن الخطيب.
الموشحات الأندلسية :
نشأت الموشحات في الأندلس، أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) في الفترة التي حكم فيها الأمير عبد الله بن محمد، وفي هذه السنين ازدهرت الموسيقى وشاع الغناء من جانب، وقوى احتكاك العنصر العربي بالعنصر الإسباني من جانب آخر. فكانت نشأت الموشحات استجابة لحاجة فنية أولاً، ونتيجة لظاهرة اجتماعية ثانيا. أما كونها استجابة لحاجة فنية، فبيانه أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى وكلفوا بالغناء، منذ أن قدم عليهم زرياب، وأشاع فيهم فنه. والموسيقى والغناء إذا ازدهرا كان لازدهارهما تأثير في الشعر أي تأثير. وقد اتخذ هذا التأثير صورة خاصة في الحجاز والعراق حين ازدهر فيهما الغناء والموسيقى في العصر الأموي ثم العباسي. وكذلك اتخذ هذا التأثير صورة مغايرة في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء والموسيقى في الفترة التي نسوق عنها الحديث. فيظهر أن الأندلسيين أحسوا بتخلف القصيدة الموحدة، إزاء الألحان المنوعة، وشعروا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم، أمام النغم في حاضره التجديدي المرن. وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر الجديد، يواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها. ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تتنوع فيه الأوزان وتتعدد القوافي، والذي تعتبر الموسيقى أساسا من أسسه، فهو ينظم ابتداء للتلحين والغناء.
وأما كون نشأة الموشحات قد جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعية، فبيانه أن العرب امتزجوا بالإسبان، وألفوا شعبا جديدا فيه عروبة وفيه إسبانية، وكان من مظاهر هذا الإمتزاج، أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية "رومانثي" كما عرف العامية العربية؛ أي أنه كان هناك ازدواج لغوي نتيجة للازدواج العنصري.
وكان لا بد أن ينشأ أدب يمثل تلك الثنائية اللغوية، فكانت الموشحات. فمن المقرر أن الموشحات كانت منذ نشأتها إلى ما بعد ذلك بقرون تنظم بالعربية الفصحى، إلا الفقرة الأخيرة منها وهي الخرجة، فقد كانت تعتمد على عامية الأندلس. ومعروف أن تلك العامية كانت هي عامية العربية المستخدمة لألفاظ من عامية اللاتينية. وفي ذلك يقول ابن بسام، في حديثه عن مخترع الموشحات (مقدم بن معافي القبري) إنه "كان يأخذ اللفظ العامي والعجمي ويسميه المركز، ويصنع عليه الموشحة". فكأن الموشحات إذن لها جانبان: جانب موسيقي يتمثل في تنويع الوزن والقافية، وهذا قد جاء استجابة لحاجة الأندلس الفنية حين شاعت الموسيقى والغناء، وجانب لغوي، يتمثل في أن تكون الموشحة فصيحة في فقراتها العامية وفي خرجتها، وهذا الجانب قد جاء نتيجة للثنائية اللغوية المسببة عن الثنائية العنصرية.
وتتألف الموشحة غالبا من خمس فقرات، تسمى كل فقرة بيتا. والبيت في الموشحة ليس كالبيت في القصيدة، لأن بيت الموشحة فقرة أو جزء من الموشحة يتألف من مجموعة أشطار، لا من شطرين فقط كبيت القصيدة. وكل فقرة من فقرات الموشحة الخمس ينقسم إلى جزأين: الجزء الأول مجموعة أشطار تنتهي بقافية متحدة فيما بينها ومغايرة في الوقت نفسه للمجموعة التي تقابلها في فقرة أخرى من فقرات الموشحة. أما الجزء الثاني من جزئي بيت الموشحة، فهو شطران ـ أو أكثر ـ تتحد فيها القافية في كل الموشحة. والجزء الأول الذي تختلف فيه القافية من بيت إلى بيت يسمى غصنا، والجزء الآخر الذي تتحد قافيته في كل الموشحة، يسمى قفلا.
وكلمة موشح أو الموشحة مشتقة من الوشاح ، وهي حلية ذات خيطين يسلك في أحدهما اللؤلؤ، وفي الآخر الجوهر، أو هو جلد عريض مرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحها. والثوب الموشح هو الثوب المزين، فالفكرة إذن هي فكرة التجميل المنوع المعتمد على التقابل، وهكذا الموشح أو الموشحة، تزدان بالقوافي المنوعة والأوزان المتعددة، ولكن مع التقابل في أجزائها المتماثلة.
وهذا نموذج لموشحة، نسوقه لكي تتضح تلك الأجزاء التي تؤلف هذا البناء الشعري، وهي لابن سهيل الإشبيلي، أحد  شعراء القرن السابع الهجري:
 
هـل درى ظبي الحـمى أن قد حمى                قلــب صــب حلــه عــن مكــنس
فـــهو فـي حـــر وخـــفــق مـثلمـــا                لــعبت ريــح الصبـــا بــالقبـــس
***
يـــا بـــدورا أطلعـت يـــوم الـنوى                 غــرورا تسـلك فـي نــهج الغـرر
مــا لعـينــي وحـدها دنب الهـــوى                 منكــم الحسن ومن عينــي النظـر
أجتنـــي بالـذات مــكـروه الجــوى                 والتـذاذي مــن حـبيبــي بــالفكـــر
وإذا أشــكـــوه وجــدى بــســمــــا                  كـالربــى والعــارض المنبجـــس
وإذ يقـيــم القطــر فيـهـــا مــأتمــا                  وهــي مـن بهجتهــــا فـــي عرس

مــن إذا أمـلـــى عـليـــه حرقـــى                   طـــارحتنــــي مــقلتـــاه الدنفــــا
تـركـــت ألحـــاظه مــن رمـقـــي                   أثــر النــمل علــى صم الصفـــا
وأنــــا أشـــكـــره فيمــــا بقـــــى                   لســــت ألحـــاه علـــى مــا أتلفـا
وهـــو عــندي عــادل إن ظـلمــا                   ونصـيحـــي نطقـه كـــالحــرس
لـــيس لي فـي الأمر حكم بعد مـا                   حـــل مـن نفســـي محـل النفـــس

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.