أعلان الهيدر

الرئيسية النمو العضوي والعقلي في مرحلة الرضاعة

النمو العضوي والعقلي في مرحلة الرضاعة


 
النمو العضوي والعقلي في مرحلة الرضاعة
النمو العضوي والعقلي في مرحلة الرضاعة
عن كتاب "مشكلات الطفولة والمراهقة"
يمكن عدّ النمو البشري سلسلة متلاحقة الحلقات من مراحل نمائية ترتبط بالعمر وتتميز الواحدة منها بعدد من الخصائص العضوية والعقلية والطباعية والاجتماعية المترابطة. ويشكل النمو العضوي حجر الأساس لكل أنواع النمو، إذ تحكم المبادئ التي يخضع لها ضروب النمو الأخرى.
مبادئ النمو العضوي
تمتد مرحلة الرضاعة بين الولادة ونهاية السنة الأولى تقريباً، وتتميز بكونها فترة نمو مرن يشمل كل جوانب الفرد. تساعد سرعة نمو الرضيع على إيضاح المبادئ التي تتحكم بالنمو في مختلف المراحل وتتمثل بالمبادئ التالية:
1) معدل النمو
2) وجهة النمو
3) التميز والتكامل
4) التلاحق
معدل النمو:
يتسم النمو العضوي لدى الرضيع بالإنتظام الذاتي، فيزداد وزن أغلب الأولاد وطولهم باضطراد عادي متناسق. ولا يخرج النمو عن معدله المألوف إلا لدى فئة من الأولاد، وفي حدود يمكن توقعها في إطار الشذوذ عن القاعدة. ولا يزيد أثر الشروط الشاذة على الإعاقة المؤقتة لمعدل النمو، إذ سرعان ما يعود النمو الى معدلاته الطبيعية بزوال الشروط الشاذة المتمثلة بالمرق أو بالحرمان الغذائي. وتتجلى أصالة مبدأ الإنتظام الذاتي في مبكري الولادة من الأطفال الذين لا يتخطى متوسط وزنهم عند الولادة 2750كغ، إذ سرعان ما يتساوى وزن هؤلاء الأطفال مع وزن نظرائهم من عاديي الولادة خلال السنة الأولى من الحياة. أما مبكرو الولادة الذين يقل وزنهم عن 2.25 كغ فيعانون من نقص يشمل الوزن والطول والذكاء. فظاهرة الانتظام الذاتي تعمل إذن على تلافي ضروب الاضطرات الثانوية، لكنها تعجز عن مجابهة الاضطرابات النمائية الشديدة. ويخضع النمو الحركي هو الآخر لمعدل نمو خاص بالنوع البشري. فعلى الرغم من أن نمو الفرد يسير وفق وتيراته الفردية المميزة له في الجلوس، والمشي، وتناسق الأصابع، بحيث يسبق المعيار المميز لسنة أو يقصر عنه، إلا إن نمو الفرد سرعان ما يعود يتماشى والمعيار العام. ولا يضطرب المعيار السني إلا في الحالات الخطيرة لاضطراب الشروط المحيطية. إذ لا يؤثر نقص الخبرة والتضييق المتشدد للفعالية في المعيار النمائي فيتعلم أطفال القبائل الهندية الأمريكية، الذي يشدون طوال يومهم بخشبة المهد المشي والجلوس والزحف كغيرهم من الأطفال العاديين. ولا يختلف أمر الإثارة المفرطة والتدريب الخاص عن أثر الإعاقة ونقص التدريب، إذ يعجز هو الآخر عن التأثير الدائم بمعدلات النمو الفردية. فقد يغدو الأطفال، الذين يعطون تدريباً خاصاً على التسلق، مهرة في تلك الفعالية، لكنهم سرعان ما يتوازون مع أطفال لم يعطوا أي تدريب خاص. ويبدو أن الشروط المحيطية الخطيرة جداً، هي وحدها التي تستطيع إيقاف معدل النضج الموروث لدى الطفل أو تصعيده.
وجهة النمو:
يتخذ النمو وجهات معينة تميز نوعاً حيوانياً عن آخر. فالمألوف أن يمتد النمو من الرأس منحدراً للمركز فالأطراف. وينمو الدماغ بصورة أسرع من أي عضو آخر. هذا في الحيوانات، وكذلك الأمر في الإنسان وصغار الأطفال. إن لكل واحد من مجالات النمو فيما يبدو وجهة خاصة، فيتعلم الصغار إقامة التنسيق لحركة أذرعهم وسيقانهم الأقرب الى الجذع قبل تعلمهم إقامة التنسيق الحركي بين أصابع اليدين أو الرجلين. ويستطيع الأطفال النهوض وإدارة الرأس قبل أن يستطيعوا الالتفات كلياً، ويحركون أذرعهم وسيقانهم قبل أن يتمكنوا من مقابلة سبابتهم بإبهامهم.
التميز والتكامل:
يتقدم أنواع النمو العضوي لدى الوليد خلال العامين الأولين من الحياة عشوائية قط، بل أنها تخضع لتلاحق عام لدى كل الأفراد البشريين. فللقابليات الحركية اللازمة لتعلم المشي تلاحق لدى أطفال غابات أفريقيا مشابه للتلاحق في النمو الحركي لدى أبناء دمشق. فعلى الأطفال أن يتعلموا، أولاً، أن يجلسوا دون دعم، ثم يزحفوا وهم يمسكون شيئاً ما، ثم أن يرفعوا أنفسهم بدعم، ثم أن يمشوا مدعومين، ثم أن يقفوا بأنفسهم، وأخيراً أن يمشوا بأنفسهم. وطبيعي أن يبلغ طفل المرحلة النهائية من تلك الفعالية بعمر مختلف عن الاخر. وعلى الأهل ألا يقلقوا من انحرافات ضئيلة عن المعيار السني للنمو العضوي خلال العامين الأولين من الحياة.
الرضاعة: السنة الأولى
على الرغم من أن الدراسات المعاصرة تشير الى امتلاك الوليد عدداً ضخماً من الكمالات العضوية، إلا أن علينا ألا ننسى أنالوليد الجديد ما يزال بعيداً عن العضوية الكاملة في أكثر من مجال. إن للوليد الجديد كل الأعضاء الضرورية. لكن القلب والرئتين والقناة الهضمية لا يزال يلزمها الكثير من النمو قبل أن تتمكن من العمل في ظل الشروط الصعبة المتباينة. فلا تستطيع معدة الطفل الصغيرة هضم أطعمة الراشد المعقدة التركيب إلا بعد بلوغه سن المدرسة، كما أن عظام الوليد تغاير نظيرتها للطفل والراشد في كل من الشكل والصلابة. وتشير النقطة الرخوة في جمجمة الرضيع الى نقص في تماسك الجمجمة، وهو نقص يستمر حتى نهاية الشهر التاسع تقريباً. وقد نجد في الحالات النادرة وليداً له بعض الأسنان، إلا أن أغلب الأطفال يولدون بلثة تبدأ تتسنن في نهاية سنتهم الأولى. أما الجهاز العصبي للصغار، فيختلف عن نظيره لدى الأطفال الكبار والراشدين. ففي الحين الذي يماثل فيه دماغ الرضيع نظيره للراشدين في كل من بنيته وعصبوناته، فإن عصبونات الول تخلو من الغمد الشحمي العازل. ولا يكتمل تغليف العصبونات إلا في الشهر الرابع، وقد يستمر الى بدايات الطفولة المبكرة. والمعروف أن لتغليف العصبونات فائدته المؤكدة في إقامة أقنية اتصال بين العضلات والدماغ. بالإضافة الى ذلك يتميز نمو الرضيع في السنة الأولى بسرعته، إذ يزن الوليد الجديد قرابة ثلاثة كيلوغرامات ويبلغ طوله حوالي الخمسين سنتمتراً، وفي نهاية الشهر الثاني عشر يزداد وزن الطفل بمقدار ثلاثة أضعاف وزنه عند الولادة، كما يزداد طوله بمقدار ثلث طوله عند الولادة. وتتباطأ نسبة النمو تدريجياً بعد نهاية السنة الأولى ويبلغ الطفل في نهاية سنته الثانية ربع وزن الراشد، ونصف طوله تقريباً.
يمتلك الوليد الجديد عدداً من الأفعال الارتكاسية المتميزة السلسة. كارتكاس مورو، الذي ينشط بتعريض الطفل لضجيج مفاجئ أو لسحب الدعم عنه، أو عن رأسه بصورة مفاجئة، فعندما يحس الطفل فقدان دعمه، تمتد ذراعاه، وتنقبض يداه في حركة تدل على أنه يحاول الامساك بشيء لاستعادة الدعم. هناك أيضاً ارتكاس القبض، ويحدث عندما يكور الطفل قبضته حول شيء، خاصة عندما يمسك بإبهام الراشد مسلماً نفسه لوضع الجلوس.
يتسارع النمو العضلي خلال الأشهر الأولى من الحياة كثيراً. ويطول استيقاظ رضع الشهر الثاني، وتشتد فعاليتهم، ويبدأ العديد منهم في تلك السن برفع رؤوسهم وصدورهم ، كما يمص الكثيرون منهم إبهامهم. ويطلق ابن الشهر الثاني أولى ابتساماته الاجتماعية. ويغدو الفعل الحركي التلقائي خلال الشهرين الثالث والرابع أكثر وضوحاً. تشرح الفترة المذكورة مبدأ وجهة النمو من الرأس الى أسفل الجذع. فيستطيع ابن الشهر الرابع إدارة رأسه والوصول الى الأشياء، إلا أنه يعجز عن الزحف والمشي، لأن الفعاليتين المذكورتين تتطلبان نمواً عصبياً حركياً أعمق مما تتطلبه إدارة الرأس. بالإضافة الى ذلك يجعل النمو العصبي العضلي للسان والحلق في تلك المرحلة الطفل أقدر على تناول الطعام وهضمه.
يزداد اهتمام ابن الشهر الرابع بأصابع يديه ورجليه فيبدأ يلعب بها. ويحاول الاطفال في هذه السن الالتفات، ويتمكنون منه في الشهر الخامس، كما يستطيع ابن الشهر الرابع الجلوس إن أمسك بشيء ما والمحافظة على رأسه مرفوعاً، بحيث يتطلع الى ما يجري حوله. يبدأ الأطفال في الشهر الخامس حركة الزحف، وبعد فعل الإمساك والقبض والهز، من الحركة العامة إضافة الى فعل العض على اللثة الذي يظهر مع ظهور الأسنان في الشهر السادس (بايلي، 1969). ينمي الأطفال في النصف الثاني من السنة الأولى الكثير من الأفعال المستقلة والاستجابات لعالمهم المادي والاجتماعي. وتبلغ السيطرة الحركية قدراً كبيراً من التكامل المتميز بحيث أن الأشياء التي ترى يقترب منها، وتمسك أو تضرب أو تهز. وتسمح عضلات الظهر والبطن التي تتقوى في الشهر السابع، للوليد بالجلوس دون عون أو حتى بالزحف. وما أن يبلغ الوليد شهره الثامن حتى يكون قد امتلك رصيداً ضخماً من الحركة الدقيقة فيتمكن من شبك إبهامه على سبابته والتقاط الأشياء الصغيرة. فعلى الأهل أن ينتبهوا في هذه السن الى أبعاد الأشياء الصغيرة عن الطفل كيلا يبتلعها.
يحاول ابن الشهر التاسع شحذ قدرته على الانتقال، إذ يصرف الكثير من وقته في سريره يتمرن على تلك الفعالية. ويندهش العديد من الأهل، الذين تركوا وليدهم جالساً أو نائماً، عندما يرون الطفل واقفاً في سريره، ممسكاً بحوافيه، متبسماً بكثير من الرضى. وبالرغم من أن أطفال هذه السن لا يستطعيون المشي، إلا أنهم يزحفون بسرعة مذهلة، الأمر الذي يفرض الكثير من التشدد في مراقبتهم.
يستطيع أبناء الشهر العاشر أن يحبوا ويجلسوا أو ينتصبوا ويستطيع أغلب أطفال هذه السن أن يشربوا من الكأس، وأن يبتلعوا الطعام الصلب، وأن غالبيتهم ترغب في أن تأكل بنفسها.
وفي نهاية السنة الأولى يكون الوليد قد حقق شوطاً كبيراً من التقدم نحو الحركة الاستقلالية فهو يتحرك بإرادته، ويقبض الأشياء، ويمسكها ويعضها ويبتلعها ويطلق أنواعاً مختلفة من الأصوات تقارب أصوات لغة المجتمع. ولا بد من الإشارة الى أن النمو الحسي يتوقف على النمو الحركي، ويماشيه، وسنشير الى النمو الحسي لاحقاً.
الرضاعة: السنة الثانية
ينتقل الأولاد بعد تعلم المشي الى مرحلة جديدة تشمل مختزناً جديداً كاملاً من الفعاليات الحركية ولذلك يطلق عليها اسم المرحلة الحركية. فخلال سنوات معدودة يبدأ الصغار بالقفز والركض واللعب بما يتوفر لهم من أشياء كالكرات والأقراص الحديدية وغيرها. وتظهر في تلك الفترة تفضيلات اليد والأذن والعين وتتأكد وتتقوى.
تكون قدما الطفل عند بداية محاولة المشي متباعدتين، وتكون حركتهما شاذة أو خرقاء، ولكن حركة الطفل تتحسن بازدياد التدرب على المشي فتتقارب القدمان ويستقيم المشي، بحيث أن الطفل يضع كعب القدم الأولى أمام الأخرى مباشرة. ويحتاج أبناء الثانية الى مراقبة قدميهم بأعينهم، كي يتمكنوا من تجنب العوائق، غير ان هذه الحاجة تختفي في نهاية السنة الثالثة.
ما أن يثق الأطفال بمشيهم حتى يبدأوا المشي الجانبي والخلفي. وأغلب أولاد هذه السن يبدأون المشي على أصابعهم. ويلاحظ في حوالي منتصف السنة الثانية أن بعض الأولاد يبدأون المشي المستعجل الذي يبدو كالركض، لكن هذا في الواقع ليس ركضاً، لأن الفرد في المرحلة الحركية لا يمتلك القوة في ساقيه والقدرة على التوازن بكلتا قدميه في الوقت نفسه. والطفل لا يستطيع الركض قبل السنة الخامسة. وتوازي جهود الأطفال للقفز نظيرتها للركض من حيث أنها تتطلب ارتفاع القدمين معاً عن الأرض. ويبدأ القفز بتجاوز الأشياء الصغيرة، إلا أن المحاولات الأولى تنتهي بتحطيم الشيء الذي يحاول الطفل تجاوزه بالقفز، الأمر الذي يجعل الصغار يحجمون عن تكرار المحاولة. وفي نهاية السنة الثانية يبدأ الأولاد القفز بكلتا القدمين أما المهارات الحركية الأخرى مثل التسلق والإمساك وقذف الكرات فتتطلب تناسقاً بصرياً حركياً يعجز عنه ابن الثانية. ويحاول ابن الثانية القذف والإمساك إلا أنه يطلق ذراعه بعد أن يسند مرفقه الى جسمه. الأمر الذي يؤخر نمو هذه الفعالية الى ما بعد الثانية.
يبدأ الأطفال خلال السنة الثانية بإظهار ضروب من تفضيلات العين واليد التي هي مظهر للنمو الحركي. فيحاول الطفل في هذه المرحلة حمل الأشياء بواحدة من اليدين، كما أنه يعاين الشيء بواحدة دون أخرى من عينيه. وليس من الواضح ما يدفع الى هذا التفضيل الحركي الحسين فقد ذهبت المحاولات العلمية بهذا الصدد عبثاً، وما زلنا نجهل الأسباب العضوية المسؤولة عن العسر أو علاقة العسر ببعض اضطرابات النطق كالتأتأة.
النمو العقلي
يمكن معاينة النمو العقلي للرضيع من وجهتي نظر على الأقل هما:
1) الروز العقلي الكمي، الذي يحدد كمية ما يمتلكه الرضيع من القدرة العقلية، بالنسبة لأقرانه الرضع 2) نوعية النمو العقلي النفسي الذي يحدد نوع القدرات والمفاهيم التي يبديها الطفل، وكيف تنمو تلك القدرات والمفاهيم خلال السنتين الأوليتين من الحياة.
الجوانب الكمية للنمو العقلي
تشمل أدوات قياس الذكاء البشري، في العادة، عدداً من الروائز الفرعية يهدف كل منها الى قياس نوع محدد من القدرة العقلية. ويشمل كل رائز عدداً من البنود المتزايدة الصعوبة. تتحدد صعوبة البند بإجابة عينة كبيرة من المبحوثين تسمى الفئة المعيارية للبند. أفرض مثلاً، أن بنداً لقياس ذكاء الرضيع يتطلب رفع الرأس، وأن تسعين بالمائة من عينة كبيرة من أطفال الشهر الثالث استطاعت رفع رأسها. وجب في هذه الحالة عدّ بند رفع الرأس سهلاً لأبناء الشهر الثالث. أفرض، من طرف آخر أن عشرة بالمئة فقط من أبناء الشهر الثالث استطاعت إطلاق الشيء بعد إمساكه. يجب، تبعاً لذلك، عدّ بند إطلاق الشيء صعباً بالنسبة لأبناء الشهر الثالث. تضم أغلب روائز الرضع البنود التي يستطيع أداءها بنجاح 50% من أبناء السن الذي يصمم الرائز لقياس ذكائهم. وتخفف السنبة من 50% الى 45% وذلك للحصول على عدد كبير من البنود يفيد في سبر مختلف أبعاد القدرة العقلية ذات الطبائع المتباينة.
يمكن تنقيط أغلب الروائز العقلية لحساب العمر العقلي بإحصاء الأشهر التي يحصل عليها المفحوص في إجاباته على بنود الرائز، فالطفل الذي ينجز بصواب عدداً من البنود مماثلاً للعدد الذي ينجزه أبناء السنة الأولى يمتلك عمراً عقلياً من سنة واحدة، بصرف النظرعن عمره الزمني، ويعطي تقسيم العمر العقلي للطفل على عمره الزمني وضربه بمائة معامل ذكاء ذلك الطفل، فمعامل الذكاء مؤشر للذكاء النسبي للفرد ضمن مجموعة من أقرانه.
من الواضح ، إذن، أن طفلاً بعمر عقلي يتخطى عمره الزمني إنما هو أذكى من المتوسط، وأن معامل ذكائه يتخطى المائة بالتأكيد، في حين أن طفلاً ينخفض عمره العقلي عن عمره الزمني ينخفض معامل ذكائه عن المائة مشيراً الى عجزه عن أن يكون متوسط الذكاء.
تختلف آراء علماء نفس الطفل في تقدير قيمة روائز الذكاء وفائدتها واستخدامها. ويشير العديد من الأبحاث الى أن روائز ذكاء الأطفال تعجز عن أن تكون قياسات دقيقة للذكاء، وعن أن تتنبأ بذكاء الطفل في المستقبل وذلك بالنسبة لعدد كبير من مستويات الذكاء (بايلي، 1969). يمكن لروائز الذكاء، برغم ذلك، أن هي استخدمت الى جانب مؤشرات أخرى مثل المستوى الاقتصادي والاجتماعي للوالدين، أن تمتلك قدرة تنبؤية رفيعة، ويمكن لروائز الذكاء أن هي استخدمت مع الملاحظة السريرية أن تشخص بمنتهى الدقة ضروب الشذوذ العقلي وخاصة منها ما يرتبط برضوض الدماغ.
لا بد من الإشارة الى أن روائز ذكاء الرضع مختلفة تماماً عن الروائز التي تستخدم لقياس ذكاء الناشئة الكبار والراشدين. فروائز ذكاء الرضع تقيس فعالياتهم المختلفة مثل الوصول الى الأشياء والقبض، والتتبع البصري لها، كما تقيس القدرة على التقليد وعلى ترتيب المكعبات المختلفة الأشكال كلا في ثقبه، والتعرف على الصور. ويترك غياب اللغة من روائز ذكاء الرضع فراغاً يسيء الى قدرتها التشخيصية التفريقية التنبؤية، ذلك لأن اللغة تلعب دوراً أساسياً في تفكير الأطفال الكبار والراشدين وفي حلهم للمشكلات. لأن المهارة اللغوية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرة العقلية. وعلى كبار الأطفال والراشدين اتباع التعليمات اللفظية للفاحص والاستجابة لها بصورة لفظية أيضاً. لهذا يعتقد الباحثون أن عجز روائز ذكاء الأطفال الصغار عن التنبؤ بقدرتهم العقلية اللاحقة يرجع الى عجز أولئك الصغار عن الاستجابة للروائز اللغوية، أي الى انعدام اللغة في روائز الصغار. والسبب الآخر الذي يجعل روائز ذكاء الرضع ضعيفة القدرة على التنبؤ إنما هو الرضع أنفسهم، إذ تتطلب عملية الروز التعاون بين الفاحصين والمفحوصين، والرضع في العادة لا يرتاحون للغرباء ولذلك فقد لا يتعاونون مع الفاحصين. ثم إن انفعالية الرضيع وتشتت انتباهه يجعلان من الصعب تحديد ما إذا كان العجز عن أداء الفعل يرجع الى نقص في القدرة العقلية الملائمة، أم الى عجز الرضيع عن تركيز الانتباه، وبالإضافة الى صعوبة التقرير عما إذا كان الأداء يعكس القدرة العقلية بدقة في عمر ما، فإن ثمة مشكلة أخرى تقوم في العجز عن تفسير استجابات الرضيع على روائز الذكاء.
أخيراً إن كون الذكاء قدرة كمية غير ثابتة تتأثر باستمرار بالعوامل الخارجية المحيطية، هو السبب الثالث الذي يجعل من روائز الرضع أدوات عقلية ضعيفة التنبؤ. وصحيح أن ثمة حدوداً تقف عندها آثار المحيط في القدرة العقلية إلا أننا ما زلنا نجهل تلك الحدود. هذا بالإضافة الى أن الكثيرين من الأطفال ينشؤون في أوساط فقيرة أو عقيمة تحول دون تفتح قدراتهم العقلية في الوقت الملائم، فإذا ما اغتنى وسط الطفل أو افتقر انعكس ذلك في أدائه في الروائز العقلية وشوش عمليات التنبؤ عن الأداء في المراحل اللاحقة من العمر.
نوعية النمو العقلي
تتحدد نوعية النمو العقلي بنمو الظواهر العقلية وتراكم المضامين العقلية. تشكل الظواهر العقلية وظائف الإدراك والتعلم وحل المشكلات والتفكير واللغة، أما مضامين العمليات العقلية فتتجلى في نتائج الظواهر العقلية أو محصلاتها أو ما يسمى بالمعرفة. وهذا ما يمكن أن يوصف بمحتويات عقل الطفل. وسنصف كلا من الظواهر العقلية ومحتوياتها خلال السنتين الأوليين من الحياة.
الإدراك
يتمثل الإدراك بالفعالية التي نتعرف بها على العالم الخارجي عن طريق حواسنا. يتطلب نمو القدرة الإدراكية تزايداً تدريجياً متصاعداً في حساسية أعضاء الحس لدى الطفل للمعلومات التي يقدمها الوسط الى جانب القدرة المتزايدة لتسجيل تلك المعلومات. ربما حقق الإدراك، من بين سائر الظواهر العقلية الأخرى، أشد ضروب التقدم خلال السنتين الأوليتين من سني الحياة.
البصر
درس بصر الرضع أكثر وأعمق من دراسة سائر الحواس، الأمر الذي شحذ معرفتنا عن نمو القدرة الإدراكية، لا يكتمل نمو العين عند الولادة وتستمر التغيرات الخلوية في الشبكية حتى الشهر الرابع، وهذا ما يؤثر في الحدة البصرية للرضيع. ثم أن الرضيع يميل الى بعد النظر لقصر المسافة بين العدسية والشبكية عما ستكون عليه لاحقاً. وهناك جوانب أخرى من الجهاز البصري يكتمل نموها مع الزمن وذلك مثل تغلف العصب البصري بالغمد الشحمي مما يؤثر في القدرة البصرية للطفل.
تنمو الحدة البصرية التي تشمل القدرة على التمييز بين خطوط مختلفة العرض خلال السنة الأولى. وقد وضع فانتس باستخدامه إجراء تفضيلياً يقيس الوقت الذي يصرفه الرضيع للالتفات الى مثيرات مختلفة الشدة، أداة لقياس القدرة البصرية على التمييز. وجد الباحث أن بإمكان أبناء الأسبوعين أن يميزوا بين شرائط يبلغ عرضها سنتمتراً واحداً تقريباً من مسافة 15 سم، كما أن بإمكانهم تمييز شريط بعرض 1/64 من السنتمتر عندما يبلغون الشهر السادس. وقد ظهر تقدم مماثل لتطور التمييز البصري في التتبع البصري. ففي حين يستطيع الوليد الجديد النظر باتجاه جسم متحرك بكلتا عينيه، فإنه لا يستطيع تتبع ذات الشيء المتحرك إلا في الشهر الثالث أو الرابع.
لاحظ عدد من العاملين في الدراسات النفسية أن بإمكان مختلف الأنواع الحيوانية أن تتدرب بحيث تستجيب انتقائياً لمختلف أنماط الإثارة الحسية. ولقد بذلتجهود مكثفة لتحديد نوع المثيرات الحسية التي يستجيب لها صغار البشر أو يفضلونها . إنه من الصعب معرفة ما إذا كان الأطفال يرون الألوان فعلاً، إلا أن البنية البصرية الملائمة قائمة لديهم منذ الولادة. وقد وجد أن أبناء الشهر الرابع ينتبهون لموجات الأزرق والأحمر لفترة أطول من انتباههم للموجات الأخرى.
أجري عدد من الدراسات لفحص انتباه الأطفال للوجوه ولتحديد السن التي يبدأون فيها ذلك الانتباه. يبدو أن الرضع يبدأون التطلع الى الوجوه وخاصة منطقة العين، في حوالي الأسبوع الثالث أو الرابع. ويفضل أبناء الشهر الرابع الوجوه التي تمتلك ملامح عادية على تلك التي يبدو فيها التعقيد أو التشويه.
وثمة أدلة علمية على ميل الأطفال لتفضيل المثيرات المعقدة كلما تدرجوا في العمر. تحدد تفضيلات الأطفال بعرض شكلين في حقل إدراكي محدد فوق رأس الوليد. ويلاحظ تثبيت الطفل لعينيه في الشكلين عبر ثقب في الجدار . ومن الممكن مراقبة انعكاس الشكل في شبكية الطفل، والتعرف من خلالها على الشكل الذي كان الطفل يتطلع اليه. كما أن من الممكن بضبط الزمن الذي صرفه الرضيع في التحديق بالأشكال تحديد تفضيلاته لها. وجد فانتس ومساعدوه، باستخدامهم أنواعاً مختلفة من الأشكال والأشياء، ميل الأطفال منذ عمر مبكر جداً، الى تفضيل المثيرات التي تشكل نمطاً محدداً على المثيرات التي لا تخضع للتصنيف والتنميط. وتأكد باحثون ثانون من أن أبناء الشهر الثاني أبدوا تفضيلات واضحة في هذا المجال. كما وجد باحثون آخرون أن أبناء الأسبوع الثالث عشر يفضلون الخطوط المنحنية على المستقيمة والممركزة على المشتتة. إلا أن الجدل ما يزال قائماً بصدد تعقد الإدراك البصري للطفل، فعلى الرغم من الاتفاق العام حول تفضيل صغار الأطفال للمثيرات البسيطة المنمطة، فإن مسار النمو بعد ذلك يبقى غير واضح.
للنمو البصري جانب آخر يتمثل بإدراك العمق. وضع جبسون وواك في دراسة تقليدية لهما، عدداً من الرضع على حافة جرف. شمل الجرف صفيحة زجاجية سميكة يقوم جزء منها على طاولة مغطاة رسمت عليه رقعة شطرنجية، ويمتد جزؤها الآخر عبر مساحة مكشوفة، مسند بساقين، وتحت المساحة المكشوفة المغطاة بالزجاج يوجد مزيد من الرقعة الشطرنجية التي يستطيع الطفل رؤيتها.
ولما كانت المربعات على الأرض أكثر بعداً من نظيرتها التي تشكل غطاء الطاولة، فإنها تزود الطفل بالدلائل التي تظهر العمق، هذا إذا ما استطاع الطفل استخدامها. ولقد تبين أن الرضع الذين وصلوا الى عمر يستطيعون فيه الزحف (4 – 6 أشهر) والذين وضعوا على طرف الطاولة المغطى بالرقعة الشطرنجية، تجنبوا الزحف عبر الجانب العميق من الصفيحة الزجاجية. يستنتج من ذلك أن لأغلب الأطفال القدرة على إدراك العمق في هذا العمر.
ليس واضحاً الزمن الذي يدرك فيه الأطفال استمرارية الحجم والشكل والتي هي إجراء تضحيحي يقوم به الدماغ ليساعد الفرد المدرك على رؤية الأشياء البعيدة بالحجم نفسه الذي ترى فيه عن كثب. فلقد ادعى باور أن بعض مظاهر الشكل والحجم توفرت للرضع في الأشهر القليلة الأولى من العمر إلا أن باحثين آخرين يعتقدون أن تلك القدرات تتأخر حتى نهاية السنة الأولى. ويبدو أن الخلاف يرجع الى استخدام الباحثين قياسات مختلفة لتحديد الحجم والمسافة.
السمع
يعمل الجهاز السمعي للوليد منذ البدء لكن بصورة محدودة. إذ أن السائل الرحمي يبقى لوقت ما في القناة السمعية ويعيق جزئياً ذبذبة عظام الأذن الوسطى. وتعاق ذبذبة تلك العظام أيضاً بسبب النسج الرابطة، إذ أن انحلال تلك النسج يزيد من استجابة الأذن لعدد واسع من الأصوات.
يستطيع الوليد أن يسمع بالرغم من تلك التحديدات، خاصة عندما تعتدل شدة الصوت. يرى ابلتون ورفاقه أن الأطفال يستجيبون للأصوات بعدد من السبل، منها، ارتياحهم أو يقظتهم لها، أو نفورهم منها، ويبدو أن للمثيرات المستمرة الضعيفة الشدة أثراً مهدئاً على الرضع بالنسبة للضوء والصوت على السواء. فللضوء الخافت في غرفة الرضيع أثر مهدئ، تماماً كما هو الأمر بالنسبة للأصوات الناعمة.
يبدو أن رضع البشر يستجيبون للصوت البشري بشكل جيد، إذ يستطيعون خلال أشهرهم الثلاثة الأولى إدراك المقاطع الصوتية مثل: با، غا، لا، نا.. ويستجيب الرضع للنغم في كلام الراشد، فقد حرك الرضع من عمر 12 – 14 يوماً أجسامهم لنغم كلام الراشد سواء كان مباشراً أم بواسطة أداة تسجيل. واستخدم الباحثون مقاطع انكليزية وصينية للتأكد من أن الحركة قد حدثت بسبب النغم وليس بسبب آخر، فتبين أنها حدثت بالنغم.
يظهر أن بعض المثيرات السمعية مثل الأصوات التي لا تزيد على كونها مجرد ألحان يزيد تواترها على أربعة آلاف دورة في الثانية تضايف الرضع. وتبعث أصوات الضجيج المفاجئة في الرضع ردوداً إجفالية وتزيد من تسارع القلب. قد تكون الفجائية هي التي تضايف الرضيع إذ نظيرة تلك الأصوات التي تقدم تدريجياً لا تحدث ردود الفعل المشار إليها.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.