الأخلاق اليونانية: أفلاطون 428-347 ق.م
ساير أفلاطون أستاذه سقراط في موقفه من اتجاه السوفسطائية في
مجالات المعرفة والأخلاق. فقد عارض اتجاه السوفسطائيين في رد المعرفة إلي الحواس
وإنكار المبادئ المطلقة في مجال الأخلاق ، وانتهى أفلاطون إلي أن وراء إدراك عوارض
الأشياء والمعرفة الظنية بالمحسوسات تقوم الماهيات المتحققة في الأشياء ، و
الماهيات المفارقة للمادة وهي المثل التي تعتبر مبادئ المعرفة. واعتبر أفلاطون
الخير الأسمى هو مصدر الوجود والكمال. وهكذا ابطل أفلاطون نسبية الحقائق في مجال
المعرفة ، ونسبية القيم في مجال الأخلاق ، وأبطل رد الخير إلي اللذة ، فلم تعد
الفضيلة قائمة في لذة الفرد الحسية ، كما زعم السوفسطائيون ، وإلا استحال التمييز
بين الخير والشر ، لأن الفعل الواحد قد يسبب لذة لفرد وألما لآخر. وإذا كان
السوفسطائيون قد أقاموا الأخلاقية علي الوجدان ، فقد عارضهم أفلاطون بإقامتها علي
أسمى جانب مشترك بين الناس ، وهو العقل. كما رفض أفلاطون أن تهدف الخلقية إلي غاية
تقوم خارجها ، أي في نتائجها وآثارها ، بل قال إن الفعل الخلقي يتضمن جزاءه في
باطنه ، بمعنى أن الإنسان الفاضل لا يقدم علي الفعل الخير رغبة في تحقيق لذة أو
جلب منفعة ، وإنما يرغب في فعل الخير لذاته ، باعتباره غاية.
يرى أفلاطون أن الوجود عالمين : عالم المثل وعالم المحسوسات.
عالم المثل هو العالم الحقيقي، عالم العقل ، عالم الخير ، عالم الله. أما عالم
المحسوسات فهو عالم المادة ، عالم اللذات ، عالم الشر. ومن هنا ينقسم وجود الإنسان
إلي عالم الدنيا وعالم الآخرة ، عالم الروح (العقل) وعالم الجسد ولذاته. فمن اتبع
العقل ، ارتفع إلي عالم المثل ، عالم الخير. ومن اتبع أهواءه غرق في عالم الرذيلة
، عالم الشر. ولذلك فعلى الإنسان أن يحرر نفسه باستئصال شهواته وتحرير نفسه من
قيود الجسد ، وذلك باتباع عقله والسمو بنفسه في مجال المعرفة العقلية ، فالمعرفة
العقلية هي خير سبيل للوصول إلي عالم المثل ، عالم الخير الأقصى.
لكن أفلاطون مع ذلك يرى أن للذة علاقة بالخير ، ولم يعتبرها شرا
، إن هي خلت من الألم. ومع ذلك فاللذة عنده ليست هي اللذة الحسية ، بل هي الاغتباط
بالحكمة. ومن هنا يؤكد أفلاطون إن الحياة الحكيمة هي المطلب الحقيقي للنفس ، وأن
الجهل هو علة الإعراض عنها والامتناع عليها. وهكذا يريد أفلاطون أن تتخلص النفس من
سجنها وهو الجسم ، ولا يكون هذا إلا بإماتة الرغبات والأهواء والانصراف عن اللذات
، والإقبال علي حياة الزهد والحرمان (الصوفية) هكذا يصبح عالم الحس كله شر ، يجب
الابتعاد والانفصال عنه رويداً رويداً ، حتى تصبح الحياة الفاضلة هي العيش والتأمل
في عالم المثل وهو التأمل الفلسفي القائم علي النفس الناطقة ، ومن هنا تصبح
الفلسفة – وهي معرفة عالم المثل – هي المقوم الوحيد للخير الأقصى.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire