أعلان الهيدر

الرئيسية تشجيع الوحي على العلم والمعرفة

تشجيع الوحي على العلم والمعرفة


تشجيع الوحي على العلم والمعرفة
تشجيع الوحي على العلم والمعرفة
مفهوم الوحي
أ- المعنى اللغوي: قال الزمخشري: وحى أوحى إليه، ووحيت إليه، إذا كلمته عمَّا تخفيه عن غيره، ووحى وحيًا: كتب.
فالوحي كلمة تدلُّ على معانٍ؛ منها: الإشارة، والإيماء، والكتابة، والسرعة، والصوت، والإلقاء في الروع إلهامًا وبسرعة وبشدَّة، ليبقى أثره في النفس، وأصله: إعلامٌ في خفاء، وله صورٌ عِدَّة، وهي كلُّها تتمُّ في خفاء، فهو الإشارة السريعة، ولتضمُّنه السُّرعة قيل: أمرٌ وحي للكلام على سبيل الرمز.
ب- المعنى الاصطلاحي: الوحي؛ معناه: أن يُعلِم الله - تعالى - مَن اصطفاه مَن عباده كلَّ ما أراد إطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سرِّيَّة خفيَّة غير معتادة للبشر، ويكون على أنواعٍ شتى، فمنه ما يكون مكالمة بين العبد وربه؛ كما كلَّم الله موسى تكليمًا، ومنه ما يكون إلهامًا يقذفه الله في قلب مُصطَفاه على وجهٍ من العلم الضروري لا يستطيع له دفعًا ولا يجد فيه شكًّا، ومنه ما يكون منامًا صادقًا يجيء في تحقُّقه ووقوعِه كما يجيء فَلَقُ الصُّبح في تبلُّجه وسطوعه، ومنه ما يكون بواسطة أمين الوحي جبريل - عليه السلام - وهو من أشهر أنواع الوحي وأكثرها، ووحي القرآن كله من هذا القبيل، وهو المصطَلح عليه بالوحي الجلي.
وبتعبير أشمل: الوحي كلام الله - تعالى - المنزَّل على نبي من أنبيائه، وهو تعريفٌ له بمعنى اسم المفعول؛ أي: الموحى.
الـقـرآن والعـلم
سورة العلق(96)
قال الله تعالى: {اقرأ باسمِ ربِّكَ الَّذي خلَق(1) خلَقَ الإنسانَ من علَق(2) اقرأ وربُّكَ الأكرم(3) الَّذي علَّمَ بالقلَم(4) علَّم الإنسانَ ما لم يعلم(5)}
ـ هذه الآيات هي أوَّل ما نزل من القرآن الكريم على رسول الله محمَّد صلى الله عليه وسلم ، والملفت للانتباه أنها تأمره أوَّل ما تأمره بالقراءة. فماذا يعني أن تضمَّ الآيات الخمس الأولى ستَّ عبارات تتعلق بالقراءة والكتابة، والعلم والتعليم؟ إن هذه الآيات تشكِّل افتتاحيَّة وحي السماء، وهذا يعني أن أهمَّ ما جاء الإسلام لتحقيقه هو نشر العلم بكلِّ فروعه.
ـ ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ كتاباً ليقرأ سطوره لأنه كان أُميّاً، بل كان المطلوب قراءة ربَّانيَّة باسم الله الخالق العظيم، الَّذي خلق الإنسان من حوين صغير، يعلق في الرحم، بعد اتِّحاده بالبويضة.
ـ هذا الخالق العظيم، جعل من القلم أساساً للعلم، وبهذا القلم تعلَّم الإنسان كثيراً من المعارف، ومازال أمامه الكثير ليتعلَّمه.
في رحاب الآيات:
أوَّل أمر إلهي للإنسان الغارق في بحار الجهل والجاهلية، حمله إليه النبيُّ الأميُّ الكريم؛ {اقرأ} بكلِّ ما في هذه الكلمة من إيحاء إلى طَرْقِ أبواب العلم والمعرفة، ثمَّ أُتبعت هذه الدعوة إلى القراءة، بدعوة إلى أختها، وهي الكتابة بالقلم {الَّذي علَّمَ بالقلم} تنبيهاً وإشارة إلى أن حضارة الإسلام لن تُبنى إلا بالعلم، وعماد العلم البشري القراءة والكتابة.
والقراءة يجب أن تبدأ باسم الله، وكذلك كلُّ أمر، وكلُّ حركة، وكلُّ خطوة، وكلُّ عمل؛ فباسم الله نبدأ، وباسم الله نسير، وإلى الله نتَّجه وإليه تصير الأمور. فالقراءة عن الله وبالله هي العلم الحقيقي، وهي مفتاح ازدهار الحضارة الإيمانية، الحضارة الَّتي أثَّرت في الحضارات كلِّها، وأمدَّتها بجوهر العلوم ومفاتيح السعادة.
والله هو الَّذي خلق، وهو الَّذي علَّم، فمنه البدء والنشأة، ومنه التعليم والمعرفة. ونبدأ من صفات الله بالصفة الَّتي بها الخلق والبدء، فهو خالق الإنسان من تلك النطفة العالقة بالرحم، من ذلك المنشأ الصغير المهين التكوين، فتدلُّ على كرم الخالق فوق ما تدلُّ على قدرته، فمن كرمه رفع هذا العلق، إلى درجة الإنسان، الَّذي يُعلَّم فيتعلَّم. وهنا تبرز حقيقة التعليم، تعليم الربِّ للإنسان بالقلم، لأن القلم كان ومايزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثراً في حياة الإنسان، ولم تكن هذه الحقيقة إذ ذاك بهذا الوضوح الَّذي نلمسه الآن، ونعرفه في حياتنا المعاصرة، ولكنَّ الله سبحانه يعلم أهميَّة القلم، فيتَّخذ منه رمزاً في أوَّل سورة من سور القرآن الكريم نزولاً، هذا مع أن الرسول الَّذي حمل هذه الرسالة، لم يكن كاتباً بالقلم، وما كان محمَّد صلى الله عليه وسلم ليبرز هذه الحقيقة منذ اللحظة الأولى، لوكان هو الَّذي يبتدع هذا القرآن، إلا أن الأمر كان وحياً جاءه برسالة سماوية صادرة من عند الله، فمنه يستمدُّ الإنسان كلَّ ما علم، وكلَّ ما يعلم من أسرار هذا الوجود، وأسرار نفسه، فالوحي من هناك، من ذلك المصدر العلوي المقدَّس الفريد.
فتبارك الله الأكرم، الَّذي علَّم الإنسان ما لم يعلم، فشرَّفه بالعلم على كثير ممَّن خلق، ورفعه به مقاماً عليّاً حين قال: {..يرفعِ الله الَّذين آمنوا منكم والَّذين أوتوا العِلمَ درجاتٍ..} (58 المجادلة آية 11). ومن الجدير بالذكر هنا أنه ليس المقصود بالعلم مجرَّدَ تحصيل العلوم الشرعية، وما يتصل بها، كما يفهم بعض الناس خطأً، بل هو مطلق العلم النافع في الدنيا والآخرة، والَّذي يهدي أهله لمعرفة قوانين الله تعالى فيما خلق وأوجد في هذا الكون، وتسخير ذلك لخدمة الإنسان ورفاهيَّته، ومن ثمَّ لتحضير المجتمع والسعي لرقيِّه وتمدُّنه. وهنالك أدلَّة كثيرة في كتاب الله تؤيِّد هذه الحقيقة وتدعمها، منها قوله تعالى: {إنَّ في خلْقِ السَّمواتِ والأرضِ واختلافِ اللَّيلِ والنَّهارِ لآياتٍ لأولي الألباب * الَّذين يَذْكُرونَ الله قياماً وقعوداً وعلى جُنوبهم ويتفَكَّرونَ في خلْقِ السَّـمواتِ والأرضِ ربَّـنـا مـا خـلَقْت هذا باطلاً سـبحانَك فَقِنَا عذابَ النَّار} (3 آل عمران آية 190ـ191)، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله بعد أن تلا هذه الآية: «ويلٌ لمن لاكها بين لَحْيَيْهِ فلم يتفكَّر فيها» (أخرجه عبد بن حميد وابن حاتم وابن حبان في صحيحه عن عطاء رضي الله عنه ).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.