كيف تنمين حب المشاركة عند طفلك
طفلي أناني لا يريد أن يشاركه أحد في أشيائه.. عبارة وشكوى
كثيراً ما تكررها الأمهات، وتثير عن البعض مصدر قلق تجاه سلوك أطفالهن ..
والأنانية عموماً صفة طبيعية عند الأطفال، وتستمر عادة حتى
الخامسة من العمر، وهي نابعة من شعور الطفل بأنه والعالم جزء واحد، وأنه مركز هذا
العالم، وأن كل شيء يريده يمكن أن يملكه، ويبدأ إدراك الطفل لخطأ هذه الحقيقة منذ
سن سنتين، ويزداد إدراكه لها، وتختفي بالتدريج عندما يشعر الطفل أنه في حاجة
للتعاون مع الآخرين من زملائه الأطفال في اللعب، وللاستفادة أيضًا بما يمتلكونه من
ميزات.
ولكن قد تكبر الأنانية في نفس الطفل وتصبح إحدى خصاله نتيجة
التربية الخطأ، فربما تعوّد الطفل منذ صغره الحصول على ما يريد حتى ولم يكن ملكه،
فعندما يقف أحد أمام تحقيق هدفه فإنه يثور ويتعدى بالضرب على من يحول بينه وبين
غرضه..
وهنا يبرز دور الأم في غرس قيمة المشاركة والتعاون في طفلها
وإبعاده قدر الإمكان عن الأنانية، إذ تؤكد الدراسات أهمية السنوات الخمس الأولى في
حياة الطفل في منحى تشكل الصفات الروحية لدى الإنسان فيما بعد.
ولكن كيف يمكن للأم تعليم ذلك لطفلها، خاصة أنه في السن الصغيرة
يتمسك بلعبته وأدواته مردداً كلمة لعبتي كلما حاول أحد أخذها منه.
يرى أطباء الصحة النفسية للأطفال أن تعليم الطفل المشاركة يجب
ألا يأتي مرة واحدة لكن تدريجياً، إذ يجب أن تسبقه مرحلة يتعلم فيها معنى الملكية
الخاصة وكيفية احترامها، لكن الذي يحدث غير ذلك، فالأم تكون عادة متعجلة في غرس
قيم التعاون والمشاركة والعطاء في نفوس أبنائها، فتبدأ في ترديد عبارات تحمل معنى
أن كل شيء متاح للجميع في حين أن الطفل قبل بلوغه سن الرابعة تقريباً لا يمكنه
تفهم معنى المشاركة بمفهومها الواسع، فيشعر بنوع من التهديد لأشيائه التي يعتز
بها، لذلك يلجأ إلى العنف ويعاني من صراع على الاستحواذ ويردد كلمة 'لي' وهي ليست
كلمة سيئة في حد ذاتها، لكنها تعكس محاولته تأكيد ذاته. لذلك فإن واجب الأم أن تعلمه
أن هناك أشياء خاصة به وحده، عليه المحافظة عليها وتحاسبه إذا أهمل في صيانتها أو
ضاعت منه..
كما أن هناك أشياء خاصة بشقيقه عليه الحفاظ عليها أيضاً
واحترامها، ثم تعلمه بعد ذلك مبدأ المشاركة بالتبادل بمعنى أن يفهم أن بإمكانه
اللعب بلعب شقيقه لفترة إذا سمح له بذلك، وإعادتها إليه بعد ذلك، لأن الطفل إذا
شعر بأن كل شيء مباح للجميع فسوف يعود يوماً من الحضانة ومعه أدوات لا تخصه وهو لا
يدرك أن هذا خطأ، لاعتقاده أن هذا متاح للجميع.
ومن المعروف جيداً أنه مع ازدياد معاشرة الطفل لأقرانه واتساع
اطلاعه وتعرفه على جوانب الحياة والعلاقات المتبادلة بين الناس تغير الكثير من
الصفات الروحية المميزة له.
ويمكن لمفاهيمه أن تتبدل، فتأخذ تصوراته الأخلاقية شكلاً
مغايراً، كما يمكن للصفات السلبية في الطبع أن تعالج وتستأصل إذا اعتبر الإنسان أن
ذلك شيء لا بد منه.
ومع نمو الطفل تظهر عوامل جديدة متنوعة، يمكن أن تؤثر على تشكل
نفسيته سلباً أو إيجابياً: فيشتد تأثره بمن يحيط به من الناس ومجموعة أترابه،
والمدرسة بمجال تأثيرها الواسع، والوسط الاجتماعي الذي يعيش ضمنه.
إلا أن الفترة التي تسبق دخول المدرسة في حياة الطفل ـ هي
القاعدة الأساسية لكل ما يمكن أن ينمو ويتطور في المستقبل.
والطفل الذي لم يتجاور الثانية من عمره لا يملك المقدرة على
التخلي عن أشيائه بتاتاً، لأنه يعتبر الشيء الذي في حوزته عضواً كأي عضو من أعضاء
جسده.
ولهذا فإن إصرارنا على إجباره مشاركة أقرانه في أشيائه في هذه
السن لن يخلف إلا الدموع والحزن في نفسه ولن يجدي إصرارنا نفعاً، لأن تلك
(الآليات) التي تمكن الطفل أن يقتسم ما لديه من ألعاب وحلوى وفاكهة مع من بجواره،
وأن يسمح لهم بمشاركته في ألعابه المختلفة ـ تكون ما زالت غير ناضجة ـ ثم يبدأ
الطفل تدريجياً بتمييز الشيء الذي يخص ذاته، وهنا يصبح من الواجب علينا أن نضع
أمامه مطالب أخلاقية.
ولكن عندما نلاحظ أن الطفل بدأت تترسخ عنده عملية انفصال الذات
عن الأشياء التي تخصه يمكن عندئذٍ تنمية حب المشاركة لديه مع الآخرين واستخدام
الألفاظ (لا تكن أنانياً أو بخيلاً).
قد يتسبب الأهل في ذلك
قد يساهم الأهل بشكل غير مقصود في تغذية الأنانية في طفلهم، إذ
يذكر المربي الروسي الشهير ب.ف كابترييف: أن الأنانية عند الطفل قد تنجم عن سعي
الأهل الدائب لوهبه كل شيء من أجل أن تكون الأمور جميعها لديه على ما يرام،
ومحاولتهم لإشباع كل رغبة يبديها طبيعية كانت أم نزوة عابرة دون تمييز، معرضين
بذلك أدنى رغبة يبديها لإظهار المبادرة الذاتية أو الاعتماد على النفس إلى الفناء.
خاصة لدى أولى الخطوات الصعبة التي يقوم بها، وأخيراً المبالغة
في الإطراء على الطفل والثناء الزائد على مناقبه.
إن هذا السعي لتحقيق جميع ما يطلبه الطفل يقود إلى تبدلات
جوهرية في نفسه يصعب فيما بعد محاربتها والتغلب عليها، حيث تنقلب إلى إظهار لنكران
الجميل وعدم الاعتراف بالفضل وشعور باللامبالاة تجاه الأهل، أو ملاحقتهم بالمطالب
التي لا تنتهي.
كما أن نقص الحب والحنان ينمي عند الطفل الأنانية والعكس صحيح
لأن الحب والحنان يشعرانه بأنه ليس هناك حاجة لأن ينتزع شيئاً من أحد، أو أن يلفت
الأنظار إليه فهو واثق أن بإمكانه الحصول عل كل ما يحتاجه
أما عندما يفتقد الطفل إلى مثل هذا العطف والحنان، يصبح مضطراً
للبحث عن السبل التي تؤدي به لبلوغ ما يرغب.. فمثل هذا الطفل الذي لم يتذوق طعم
الحنان أو حتى الشفقة لا يستطيع أن يكون مثل هذه المشاعر في نفسه تجاه الآخرين.
إن الأسباب التي تؤدي إلى تكوين النزعات الأنانية في تعامل
الإنسان مع الآخرين كثيرة، وهي تنشأ على أساس التربية الخاطئة للطفل في الأسرة
ونمط تعامل الأهل مع طفلهم.
تكوين الصداقات من الحلول الناجحة
إن اختلاط الطفل بأطفال الجيران، وزملاء المدارس، وأطفال
الأقارب يساهم في تطور الطفل إيجابياً.. حيث يقتبس العادات والمعارف من الأطفال
الآخرين فتزدادُ معارفه، وتنمو قدراته فيتعلم كيفية التعاون مع الآخرين والوصول
إلى أهداف مشتركة.
فصداقة الطفل مع الأطفال الآخرين تولّد قوة نفسية واجتماعية وحب
التعاون فيما بينهم، كما تبعث الصداقة عند الأطفال فيهم روح الاحترام المتبادل
أثناء اللعب والمشاركة الجماعية، وتجنبهم من روح الأنانية والانعزالية..
فالصداقة تشجع المبادلات الاجتماعية بين الأطفال فيما بينهم
وبين الأطفال والأهالي، فنرى بعض الأطفال يسرعون لمعاونة أهاليهم في المنازل أو
الحقول، أو في أشغال آبائهم، ونشاهد الكثير من الأطفال يساعدون إخوتهم الصغار في
التربية والخدمات الأخرى، ونشاهد التلاميذ المتفوقين يساعدون الطلاب الضعفاء.
احترام حق الآخر
على الأهل غرس قيم العطاء والمشاركة عند الطفل وتهذيب نزعة
الأنانية لديه، ومن جهة أخرى عليهم غرس قيمة أخلاقية مهمة وهي احترام حق الآخر، إذ
إن ذلك من شأنه أن يعوِّد الطفل على إمكانية تهذيب غرائزه ونزعته ويعوده على
إمكانية تأجيل تلبية حاجاته، وبذلك نقوي لدى الطفل صفتان مهمتان وهما سيطرته على
ذاته.. ورغباتها واحترامه للقوانين والقيم.. التي تضمن له احترام الآخر ورغباته..
لذا على الأهل عدم الاستجابة للطفل عندما يبدأ بالبكاء والصراخ
طالباً الحصول على اللعبة التي بحوزة الآخر.. بل المتابعة بالحوار والشرح حتى تصل
إليه الفكرة وعليه هو أن يستجيب للمنطق السليم.. إذا ضعفت الأم أمام هذا الصراخ
فهي تشجع الطفل على هذا السلوك فيبدأ بالصراخ والبكاء والغضب كلما أراد الحصول على
شيء، ولكن إذا قامت الأم بهدوء بإقناعه وبأنها لن تستجيب له إلا إذا سلك السلوك
التربوي السليم الهادئ والمؤدب.. فيقوم بطلب اللعبة من صاحبها بهدوء فإذا سمح له
بها يمكنه اللعب بها أما إذا رفض فعليه انتظار دوره وهكذا نسهم في بناء شخصية
سليمة.. قادرة على احترام حق الآخر، قادرة على المشاركة والحوار.. قادرة على
السيطرة على غرائزها ونوازعها الداخلية.. فتتمكن بذلك من التوازن والتكيف الذاتي
والاجتماعي.
أما إذا لم يتمكن الأهل من تعليم أبنائهم هذه الصفات فهم يسهمون
في تشكيل شخصية فوضوية غير متكيفة مع الذات أو مع الآخرين لأنها لا تأبه بحق
الآخر.. ولا تتقيد بقانون أو قيمة تربوية أو اجتماعية.. لهذا علينا كأهل أن نكون
على درجة من الوعي.. لكي نتمكن من فهم وتبني الأسس السليمة للتربية الصحيحة لكي
نسهم في بناء شخصية ناجحة ومتكيفة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire