رعاية الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة
تأصيل شرعي
يأتي اهتمام الإسلام بهؤلاء من خلال الآتي :
أولاً : باعتبار بشريَّتهم : فالله سبحانه قد كرّم البشر : قال
تعالى ( ولقد كرّمنا بني آدم ) الآية .
ورحمته تعالى وسِعت الجميع : ( ورحمتي وسِعت كُلَّ شئ ) .
كما أنه سبحانه أرسل رسوله الخاتم محمداً (صلى الله عليه وسلم )
رحمةًً لجميع الناس : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
وهذا التكريم ، وتلك الرحمة لكل الناس على اختلاف أجناسهم
وأعراقهم ومللهم وطوائفهم كما تشير النصوص ، ومنها الحديث : { الراحمون يرحمهم
الرحمن ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم مَن في السماء } .
ثانياً : باعتبار الأُخوّة الإنسانية :
فالناس كلهم إخوة لأبٍ واحد هو آدم (عليه السلام) ، وأمٍ واحدة
هي حواء (عليها السلام) .
( يأيها الناسُ إنَّا خلقناكم
من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ، إنّ
الله عليم خبير ) .
ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : { كُلّكم لآدم ، وآدم من
تراب } .
والأخوّة تستدعي ترتبطاً ومؤازرة ومعاونة .
ثالثاً : باعتبار الأخوّة الإيمانية وما يترتب عليها :
يقول الله (تعالى) : ( إنّما المؤمنون إخوة ) ، والإخاء
الإيماني يقتضي الولاء والمناصرة والمعاونة : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء
بعض ).
وينفي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمّن أهمل تلك الآصرة
وموجباتها فيقول : { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } .
وفي الحديث : { مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم
كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } .
وأولئك المعوقون هم إخوة مؤمنون يمثلون عضواً من الجسد المسلم
وقد أُصيب ذاك العضو واشتكى فكن لا بُد من تجاوب بقية الجسد معه .
رابعاً : من باب الإحسان والبر :
قال سبحانه : ( إنّ الله يأمر بالعدلِ والإحسان وإيتاء ذي
القربى ) .
وقال سبحانه : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) .
وفي الحديث : { إنّ الله كتب الإحسان في كل شئ } .
فإن كان البر والإحسان مطلوبين مع جميع الناس ، فإنَّهما يكونان
أكثر طلباً مع من يحتاج إليهما مثل ذوي الاحتياجات الخاصة . ومن ثم يكون الثواب
المترتب على الإحسان، والبر معهم أكثر منه مع غيرهم .
خامساً : اعتبارهم ذوي حاجات والإسلام قد رغّب في قضاء الحوائج :
وقد وردت في هذا المعنى نصوصٌ عديدة ، نورد منها :
قوله (صلى الله عليه وسم) : { خُلُقان يحبهما الله ؛ وخُلُقان
يبغضهما الله ، فأمّا اللّذان يحبهما الله فالسخاء والسماحة ، وأما اللذّان
يبغضهما الله فسوء الخُلقُ والبخل ، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله على قضاء
حوائج الناس } .
وقوله (عليه الصلاة والسلام) : { ما مِن عبدٍ أنعم الله عليه
نعمة فأسبغها عليه إلاّ جعل إليه شيئاً من حوائج الناس ، فإنْ تبرَّم بهم فقد
عرَّض تلك النعمة للزوال } .
ويقول : { الخَلْق كلهم عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم
لعياله } .
ومن هنا أوجب الإسلام على المسلم القادر الإنفاق على قريبه
المحتاج ، سواء كانت حاجته بسبب فقر أصلي أم طارئ .
كما رتَّب وعيداً شديداً على أهل كل حي أو قرية أو مدينة قصّروا
تجاه المحتاجين ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده حديثاً يقول فيه (صلى الله عليه
وسلم) : { أيُّما أهل عرصةٍ أصبح فيهم امرؤٌ جائعٌ فقد برئت منهم ذِمّة الله تعالى
} .
سادساً : استثناء ذوي الاحتياجات الخاصة من بعض الأحكام الشرعية
فيه إيماء إلى وضعهم الخاص الذي يستدعي استثناءهم في تعاملات العباد مع بعضهم ،
وفي علاقتهم معهم . فقد ورد ذلك في عدة مواطن ، ومنها القتال حيث ورد مثل ذلك في
قولـه تعالى : ( ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ،
ومن يُطعِ الله ورسولهُ يُدخِله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ، ومَن يتولَّ
يعذَّبْه عذاباً أليماً ) .
وقوله : ( ولا جُناح عليكم إن كان بكم أذىً من مطرٍ أو كنتم
مَرْضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم .. ) الآية .
وفي قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعِدةُ من
أيامٍ أُخَر ) وورد قريبٌ منها في موضع آخر في نفس السورة .
وذلك في الاستثناء من أحكام الصيام اعتباراً لهذا الوضع الطارئ
، وجاز قصر الصلاة في السفر ، والتيمم بدلاً عن الوضوء ، والجمع بين الصلاتين ،
وأكل الميتة للمضطر الذي أوشك على الهلاك . كل ذلك من الأحكام الاستثنائية لحالاتٍ
خاصة لعموم الناس ، فكيف بمن هو مُبتلى بشئٍ في أعضائه أو حواسه ، فحكمه حكم
المريض الذي يجوز له أن يصلي قاعداً أو على جنب إن لم يستطع ، أو يسقط عنه الواجب
كما لو كان فاقداً للعقل ، أو مرفوعاً عنه الإثم في حالة غياب عقله .
كل ذلك يؤكد المنهج العام في الإسلام مع هذه الأوضاع : إن كان
في العبادات أو المعاملات أو الجزاءات .
ولذا نجد أنّ من قواعد الشريعة : ' الضرورات تبيح المحظورات ' ،
' المشقة تجلب التيسير ' ، ' إذا ضاق الأمر اتَّسع ' ، أي كلما وجدت حالة اضطرار
أو ضرورة أو مشقة أو ضيق وُجِد العفو واليسر والتوسعة ، رحمةً من الله بعباده .
ومن عظمة الإسلام أنه استثنى حتى في حالة الحرب مع غير المسلمين
، فلم يجز قتل العجزة والزَّمنى والجرحى والمرضى ، ومن في حكمهم . ورد في الحديث :
{ لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة } .
روي أنّ أبابكر الصديق (رضي الله عنه) قال ليزيد بن أبي سفيان
وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة (رضي الله عنهم) لمّا بعثهم إلى الشـام : ' لا
تقتلوا الوِلدان ولا النساء ولا الشيوخ .. ' وذلك لأنهم ' لا نكاية لهم في
المسلمين فلا يجوز قتلهم بالكفر الأصلي..) والإسلام لا يجيز قتل أحدٍ بلا حق .
فإن كان الاستثناء لهؤلاء حتى في حالة الحرب ، فمن باب أولى أن
يشمل الاستثناء أمثالهم في ما هو في حالة السِّلم ، فالسبب الذي أوجب لهم
الاستثناء من القتل حمايةً لهم يوجب لهم رعاية حقوقهم ومصالحهم ودفع الضرر عنهم
حمايةً لهم .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire