ماهو دور الإعلام في محاربة
المخدرات
من الطبيعي أن يبرز دور الإعلام عند
الحديث عن قضية المخدرات. فوسائل الإعلام تستطيع أن تلعب دورا تنويريا
رائدا في مكافحة المخدرات، كما أن بإمكانها أن تقوم بدور سلبي للغاية في هذا
المجال، سواء قصدت ذلك أم لم تقصد. والدور السلبي الذي نتحدث عنه لا يتمثل فقط في
عدم الانخراط في جهود مكافحة المخدرات بل
في خلق ثقافة مجتمعية تتسم باللامبالاة تجاه انتشار المخدرات، وحتى تمجيد آثارها
المدمرة بشكل غير مقصود.
لقد عشنا زمانا كنا ننكر فيه وجود مشكلة المخدرات أصلا، ونتحدث وكأن
هذه المشكلة موجودة عند الآخرين فقط، وكأن شبابنا لا يواجهون هذا الخطر الذي
تواجهه البشرية جمعاء.. ولا شك أن أول خطوة باتجاه حل أي مشكلة تكمن في الاعتراف
بوجودها.
إن دور وسائل الإعلام في مكافحة المخدرات يجب أن يتطور كما تطورت
أساليب مروجي هذه الآفة المدمرة، فليس معقولا أن نواصل العمل بنفس الأساليب القديمة
التي ثبت عدم جدواها وملها الناس وانصرفوا
عنها.
لقد شهدت وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة ثورة حقيقية وحققت قفزات
هائلة وغير مسبوقة في الأعوام القليلة الماضية، فقد نشأ ما يسمى بالإعلام
الجديد الذي يقوم على التفاعلية وعلى
إشراك الناس في العملية الاتصالية.
فالإعلام يقوم ـ حسب النظرية التقليدية ـ على المرسل والمستقبل
والرسالة، أما الآن فإن المستقبل أصبح مرسلا أيضا، وأما الرسالة فالطرفان شريكان
في تشكيلها وبنفس القدر.. ويكفي أن نذكر أن مواقع الإنترنت الإلكترونية تمنح
المتصفح قدرة التعليق على المادة التي يقرؤها "فهو مستقبل ومرسل في آن
معا".. كما أن بعض المواقع مثل "ويكبيديا" تمنح المستقبل الحق في
تحرير المادة وتعديلها، أي أن الرسالة لم تعد ملك طرف واحد فقط يرسلها لطرف آخر لا
يملك سوى التلقي والقبول بشكل سلبي، لقد أصبح متلقي الرسالة الإعلامية عنصرا فاعلا
بل شريكا في تشكيلها.
ومن الضروري أيضا الإشارة إلى أننا عندما نتحدث عن وسائل الإعلام في
معرض تأثيرها على الشباب، فإننا لا نتحدث فقط عن الصحافة والإذاعة والتلفزيون، على
أهميتها، ولكننا نتحدث أيضا عن الإنترنت والمواقع الإلكترونية وعن الرسائل القصيرة
عبر الهاتف المتنقل وعن اللوحات الإعلانية في الشوارع وعن المدونات، وعن البريد
الإلكتروني وغرف الحوار(البالتوك)، إذ إن رفيق السوء لم يعد فقط شخصا آخر نتعرف
إليه في المدرسة أو الشارع أو المعهد فيؤثر سلبا على حياتك.. بل هو أيضا شخص آخر
يعيش في الفضاء التخيلي بعيدا عنك، في بلد قد تفصله عن بلدك مئات الآلاف من
الكيلومترات.. ولكنه قريب منك جدا وتعرفه عن قرب، بل وتعتبره صديقك الأقرب والأكثر
إخلاصا، رغم أنك لا تعرفه شخصيا ولم تر وجهه، بل تتواصل معه فقط في غرف الدردشة أو
الرسائل الإلكترونية.. ويمكن لهذا الشخص أن يكون رفيق سوء حقيقيا، فيؤثر على الشاب
تأثيرا مدمرا و ويغير من قناعاته ويقوده إلى طريق المخدرات المهلك.
وفي الوقت الذي يحدث فيه هذا الإغواء المدمر للشاب لكي يدخل عالم
لمخدرات فإن الأهل الذين لا يشاهدون ابنهم وهو يختلط مع رفاق سوء يعيشون في وهم
كبير قد لا يستيقظون منه إلا بعد فوات الأوان.
إن الحقيقة التي يجب التوقف عندها هي أن وسائل الإعلام قد تنوعت
وتعددت وازداد أثرها في السنوات الأخيرة، وأي حديث عن أثر وسائل الإعلام في مكافحة
المخدرات لا يشمل هذه الوسائل الجديدة سيظل قاصرا ومنقوصا وعديم الجدوى.
كما أن أساليب نشر وسائل التوعية ضد المخدرات يجب أن تتطور هي
الأخرى، فلم يعد مقبولا ولا مقنعا أن تلجأ وسائل الإعلام إلى الرسائل الفجة
الساذجة والمباشرة التي تدعو لعدم تعاطي المخدرات وتنطلق من موقع الأستذة والإرشاد
لتحذر الشباب من مخاطرها.
لقد أصبحت الرسائل التي تبدأ بأسلوب "أخي المواطن..."
منفرة وعديمة الجدوى، كما غذت أيضا مضحكة ومثيرة للسخرية.
وبمعنى آخر فإن الرسالة الإعلامية يجب أن تكون مقنعة ومدروسة.. وكلما
كانت استنتاجية وغير مباشرة كان أثرها أفضل؛ فالإنسان لا يحب أن يقال له افعل كذا
ولا تفعل كذا.. أما إذا شاهد فيلما أو وسيلة إعلامية تبين كيف أن حياة شاب مثله قد
انقلبت جحيما بسبب المخدرات فإنه يستنتج العبرة بنفسه ويخلص إلى النتيجة المطلوبة
دون تدخل من أحد.. ولا شك أن الأثر يكون في هذه الحالة أقوى، فقد تعلم الدرس من
تلقاء نفسه ووصل إلى النتيجة بعد أن قام بتحليلها والتمعن فيها، وبعد أن قاده
تفكيره المستقل إلى خطر المخدرات.
الإعلام حين يروج للمخدرات:
أما أخطر ما يمكن أن تقع فيه وسائل الإعلام فيما يتعلق بجهود مكافحة
المخدرات فهو الترويح لها من غير قصد وتمجيد حياة المتعاطين وتصويرها على أنها
تقوم على السعادة واللذة والمسرات، وكلنا نذكر بعض الأفلام التي تصور المدمن على
أنه رجل ظريف ومسل ومضحك... إذ يبدو في هذه الأفلام وكأنه ازداد جاذبية وخفة دم
نتيجة تعاطي المخدرات.. فالمدمن في هذه الأفلام يتحلق الجميع حوله وهو يسخر من كل
شيء، ويطلق العبارات التي تنتقد مختلف جوانب الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي
في قالب ظريف ومحبب. والرسالة التي يتلقاها الشاب من هذه الوسيلة الإعلامية مغلوطة
ومدمرة إذ إنها تشير إلى أن المخدرات تفتح له الطريق إلى قلوب الناس وتجعله محبوبا
مع أن العكس هو الصحيح.
كما تنحو بعض الأعمال الإعلامية، دونما قصد في غالب الأحيان، إلى
تصوير المدمن على أنه الأكثر جرأة على نقد الأوضاع كما فعل رسام كاريكاتير عربي
شهير من خلال تصويره في كل رسوماته اثنين من المدمنين وهما يطلقان عبارات النقد
الصريحة والجريئة.. والرسالة هنا هي إما أن الطريقة الوحيدة لقبول الواقع تقوم على
تعاطي المخدرات، أو أن الأسلوب الوحيد لنقد هذا الواقع ينحصر في الإدمان على تلك
الآفة.. وربما لا يشك أحد أن الرسام حين رسم ذلك لم يكن يقصد الترويح للمخدرات أو
حتى السكوت على خطرها ولكنه وأمثاله أرسلوا، دونما قصد، برسالة إعلامية غير مباشرة
أسهمت في تمجيد المدمنين وتصويرهم على أنهم ظرفاء يتميزون بحس الدعابة وأنهم
يمتلكون الجرأة المطلوبة لنقد الواقع ومواجهته.
والمفارقة هي أن واقع المدمن على النقيض من ه ذلك تماما، فهو أكثر
الناس انسحابا وهروبا من الحياة وأقلهم جرأة في مواجهة الواقع، كما أن حياته هي
الجحيم بعينه، فهو لا يستطيع أن يعيش دون الاعتماد على هذه الآفة الرهيبة.. فأين
الظرافة أو الجرأة أو خفة الدم في ذلك؟!
إن الحاجة ماسة لتوعية الإعلاميين أنفسهم إلى ضرورة التحلي بالوعي
عند التعامل مع قضايا المخدرات.. بحيث لا تتحول وسائل الإعلام إلى مروج أو ممجد
لهذه الآفة دون قصد..
وسواء لعبت وسائل الإعلام دورها السلبي بقصد أو بغيره فإن النتيجة
واحدة وهي انضمام فئات جديدة من الشباب إلى صفوف ضحايا المخدرات.. وبمعنى آخر فإن
المطلوب هو صياغة رسالة إعلامية واضحة المعالم وحازمة ومحددة حتى لا ينتج عنها غير
المقصود منها.
ولا شك أن وسائل الإعلام الجديدة مثل المدونات وغرف الحوار والبريد
الإلكتروني والإنترنت تطرح تحديات جديدة، إذ إنها تقوم على الاتصال المباشر بين
الناس فإذا ما أخطأت الصحافة أو الإذاعة أو التلفزة فإنك توجه اللوم إلى القائمين
عليها، أما في الوسائل الجديدة فمن عساك تلوم؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire