بحث عن فتح مكة
فتح مكة 8 هـ
كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف محمد - صلى
الله عليه وسلم - وعهده دخل فيه ، ومن أراد الدخول في حلف قريش وعهدهم دخل فيه ،
فدخلت "خزاعة " في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ودخلت بنو بكر
في عهد قريش ، وكانت بين القبيلتين حروب وثارات ، فأراد " بنو بكر " أن
يصيبوا من خزاعة ثأراً قديماً ، فأغاروا عليهم ليلاً وقتلوا جماعة منهم ، وأعانت
قريش " بني بكر " بالسلاح والرجال ، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى
المدينة ، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغدر قريش وحلفائها .
وعندما شعرت قريش بخطورة الأمر سارعت إلى إرسال أبي سفيان إلى
المدينة لتفادي المشكلة وتجديد الصلح مع المسلمين ، ولكن دون جدوى ، فقد أمر رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بالتهيؤ والاستعداد ، وأعلمهم أنه سائر إلى
مكة ، كما أمر بِكَتْم الأمر عن قريش حتى يباغتها في عقر دارها .
وفي يوم الأربعاء العاشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثامنة
للهجرة غادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة في عشرة آلاف من أصحابة بعد
أن استخلف عليها أبا ذر الغفاري رضي الله عنه .
ولما كان بـ " الجحفة " لقيه عمه العباس بن عبد
المطلب رضي الله عنه ، وكان قد خرج بأهله وعياله مهاجراً .
ثم واصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السير وهو صائم
والناس صيام ، حتى بلغ "الكُدَيْد"ـ وهو ماء بين عُسْفَان وقُدَيْد ـ
فأفطر وأفطر الناس معه ، ثم سار حتى نزل بـ " مَرِّ الظهران ، وهناك ركب
العباس بغلته البيضاء يبحث عن أحد يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قبل أن يدخل مكة .
وكان أبو سفيان قد خرج يتجسس الأخبار فلقيه العباس فنصحه بأن
يأتي معه ليطلب له الأمان من رسول الله ، ولما دخلا على رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - قال له : " ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا
الله؟ ....ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله " ، و العباس يقول له : "
ويحك أسلم " ، فأسْلَم وشهد شهادة الحق ، فقال العباس : " يا رسول
الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً ، قال : نعم ، من دخل دار أبي
سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن " .
ثم غادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مرّ الظهران
" متوجها إلى مكة ، وقبل أن يتحرك أمر العباسَ بأن يحبس أبا سفيان بمضيق
الوادي ، حتى تمر به جنود الله فيراها ، فمرّت القبائل على أبي سفيان والعباس
يخبره بها ، حتى مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبته الخضراء ومعه
المهاجرون والأنصار ، فقال أبو سفيان : سبحان الله ؟ ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة
، ثم أسرع إلى قومه صارخاً بأعلى صوته : " يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم
بما لا قبل لكم به " ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقالوا: قاتلك الله
وما تغني عنا دارك ؟ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو
آمن ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ، وتجمع سفهاء قريش وأوباشها مع عكرمة بن
أبي جهل ، و صفوان بن أمية ، و سهيل بن عمرو لمقاتلة المسلمين .
وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار حتى انتهى إلى ذي طوى ،
وهناك وزع الجيش ، فأمَر خالد بن الوليد ومن معه أن يدخل مكة من أسفلها ، وأمر
الزبير بن العوام - وكان معه راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل مكة
من أعلاها - من كداء - وأن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه .
وأمر أبا عبيدة أن يأخذ بطن الوادي حتى ينصب لمكة بين يدي رسول
الله - صلى الله عليه وسلم- .
فلقي خالد وأصحابه سفهاءَ قريش الذين عزموا على القتال ،
فناوشوهم قليلاً ثم لم يلبثوا أن انهزموا ، وقُتِل منهم اثنا عشر رجلاً ، وأقبل
خالد يجوس مكة حتى وافى رسول الله على الصفا ، وأما الزبير فتقدم حتى نصب راية
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجون عند مسجد الفتح ، وضرب قبة هناك فلم
يبرح حتى جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة من أعلاها من "
كداء " ، وهو مطأطئ رأسه تواضعاً وخضوعا لله ، حين رأي ما أكرمه الله به من
الفتح ، حتى إن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل .
ثم نهض رسول الله والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله حتى
دخل المسجد ، فأقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه ، ثم طاف بالبيت وفي يده قوس ، وحول
البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل يطعنها بالقوس ويقول : { جَاءَ الْحَقُّ
وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } ( الاسراء 81 ) ، { جَاءَ
الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } ( سـبأ 49) ، والأصنام تتساقط
على وجوهها ، ثم طاف بالبيت ، وكان طوافه على راحلته ولم يكن محرما يومئذ ، فاقتصر
على الطواف ، فلما أكمل طوافه ، دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة فأمر بها
ففتحت ، فلما دخلها رأى فيها الصور ورأى صورة إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام
يستقسمان بالأزلام ، فقال : " قاتلهم الله ، والله ما استقسما بها قط
" ثم أمر بالصور فمحيت ، وصلى داخل الكعبة ، ودار في نواحي البيت وكبر الله
ووحده .
ثم خرج - صلى الله عليه وسلم وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع بهم
، فقال : يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ،
قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه : { لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ
} ( يوسف 92) ، اذهبوا فأنتم الطلقاء ، ثم أعاد مفتاح البيت إلى عثمان بن طلحة ،
وأمر بلالاً أن يصعد فيؤذن .
وفي اليوم الثاني خطب - صلى الله عليه وسلم - خطبته المشهورة
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( يا أيها الناس : إن الله حرم مكة يوم خلق
السماوات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخَّص لقتال رسول الله
، فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما حلَّت لي ساعة من نهار ، وقد
عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب ) رواه البخاري ، وخشي
الأنصار بعد الفتح أن يفضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإقامة بمكة فجمعهم
وقال لهم : ( معاذ الله ، المحيا محياكم ، والممات مماتكم ) رواه مسلم .
ثم بايع الرجال والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة ، وأقام
بها تسعة عشر يوماً يجدد معالم الإسلام ، ويرشد الناس إلى الهدى ، ويكسر الأصنام ،
ثم قفل راجعاً إلى المدينة.
فكان يوم الفتح يوماً عظيماً أعز الله الإسلام وأهله ، ودحر
الكفر وحزبه ، واستنقذ البيت العتيق والحرم الآمن من أيدي الكفار والمشركين ،
وبعده دخل الناس في دين الله أفواجاً وأشرقت الأرض بنور التوحيد والهداية .
بعد صلح الحديبية بعام اقدمت قريش على مساعدة بكر على خزاعة
حلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، فاستنجدت خزاعة بالرسول صلى الله عليه وسلم لما
بينها و بينه من عهد ، فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم الفرصة مواتية لدخول مكة ،
خاصة وانقريشا هي التي نقضت العهد ، ففرح الممسلمون لدى سماعهم مكة ، فلطالما انتظر
المسلمون العودة الى مكة ، وتدافع المسلمون بجيش عظيم لمكة جعل الرسول صلى الله
عليه وسلم على جناحه الايمن خالدا وجنوده ، وكان رجال من قريش شهروا عليه السلاح
فرد عليهم بالمثل فقتل منهم قرابة الثلاثين ، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم
غضب وقال : الم انهه عن القتال ؟ . فقالوا : انه قوتل فقاتل . فقال الرسول صلى
الله عليه وسلم قضاء الله خير … لا تغزى قريش بعد هذا يوم الى يوم القيامة .
دخل خالد مكة ، وبينما هو يطوفها تذكر ذلك اليوم في الجاهلية
حينما تداعت الكعبة وتهدمت جدرانها والناس خائفين يريدون ترميمها ولا يجرؤون
فتناول خالد معولا وانسل من بين الجموع و ضرب الضربة الاولى وهو يقول : اللهم لا
نريد الا الخير . فاذا كانهذا الامر جريئا فانه لما توجه الرسول صلى الله عليه
وسلم لهدم العزى كان موقفه اجرئ ، لان مهمة هدم معبود لا يستطيع عملها شخص عادي ،
لذلك اختير لهذا العمل خالد ، ولما انتهى خالد الى العزى هدمها … فخرجت من تحتها
امراة سوداء عريانة ، فضربها بسيفه وشقها نصفين ، ففرح الرسول صلى الله عليه وسلم
بهذا كثيرا .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire