مفهوم الشعر الحر :
تقول نازك الملائكة حول تعريف الشعر الحر ( هو شعر ذو شطر واحد ليس له
طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر ويكون هذا التغيير وفق قانون
عروضي يتحكم فيه ) .
ثم تتابع نازك قائلة ” فأساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة
والمعنى البسيط الواضح لهذا الحكم أن الحرية في تنويع عدد التفعيلات أو أطوال الأشطر
تشترط بدءا أن تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه ، فينظم الشاعر من البحر
ذي التفعيلة الواحدة المكررة أشطراً تجري على هذا النسق :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن
ومما سبق تتضح لنا طبيعة الشعر الحر ، فهو شعر يجري وفق القواعد العروضية
للقصيدة العربية ، ويلتزم بها ، ولا يخرج عنها إلا من حيث الشكل ، والتحرر من القافية
الواحدة في أغلب الأحيان . فالوزن العروضي موجود والتفعيلة ثابتة مع اختلاف في الشكل
الخارجي ليس غير ، فإذا أراد الشاعر أن ينسج قصيدة ما على بحر معين وليكن ” الرمل
” مثلا استوجب عليه أن يلتزم في قصيدته بهذا البحر وتفعيلاته من مطلعها إلى منتهاها
وليس له من الحرية سوى عدم التقيد بنظام البيت التقليدي والقافية الموحدة . وإن كان
الأمر لا يمنع من ظهور القافية واختفائها من حين لآخر حسب ما تقتضيه النغمة الموسيقية
وانتهاء الدفقة الشعورية .
وإنما الشطر هو الأساس الذي تبنى عليه القصيدة ـ وقد رأى بعض النقاد أن
نستغني عن تسمية الشطر الشعري بالسطر الشعري ـ وله حرية اختيار عدد التفعيلات في الشطر
الواحد وذلك حسب الدفق الشعوري عنده أيضا
ماذا يتناول الشعر الحر :
التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية للواقع التي تعيشه الإنسانية المعذبة .
فالقصيدة الشعرية إنما هي تجربة إنسانية مستقلة في حد ذاتها ، ولم يكن
الشعر مجرد مجموعة من العواطف ، والمشاعر ، والأخيلة ، والتراكيب اللغوية فحسب ، هو
إلى جانب ذلك طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة
ـ كما أن موضوعاته هي موضوعات الحياة عامة ، تلك الموضوعات التي تعبر عن لقطات عادية
تتطور بالحتمية الطبيعية لتصبح كائنا عضويا يقوم بوظيفة حيوية في المجتمع . ومن أهم
تلك الموضوعات ما يكشف عما في الواقع من الزيف والضلال ، ومواطن التخلف والجوع والمرض
، ودفع الناس على فعل التغيير إلى الأفضل.
ومميزاته :
لقد أكدت الأبحاث الأدبية والنقدية التي دارت حول مفهوم الشعر وجوهره
أن هذا اللون من الشعر لم ينشأ من فراغ ، وتلك قاعدة ثابتة في كل الأشياء التي ينطبق
عليها قانون الوجود والعدم تقريبا . فما من عملية خلق أو إيجاد إلا ولها مكونات ودوافع
تمهد لوجودها وتبشر بولادتها كما أنه لا بد من وجود المناخ الملائم والبيئة الصحية
التي ينمو فيها هذا الكائن أو تلك .
وكذلك الشعر فهو كالكائن الحي الذي يولد صغيراً ثم يشتد ويقوى على عنفوان
الصبا والشباب وأخيراً لا يلبث أن يشيخ ويهرم بمرور الزمن وتقادم العهد وإن كان في
النهاية لا يموت كغيره من الكائنات الحية وإنما يبقى خالداً ما بقى الدهر إلا ما كان
منه لا يستحق البقاء فيتآكل كما تتآكل الأشياء ويبلى ثم ينقرض دون أن يترك أثراً أو
يخلف بصمة تدل عليه .
ومن هذا المنظور كان الشعر الحر وليد دوافع وأسباب تضافرت معاً وهيأت
لولادته كغيره من الأنماط الفنية الأخرى التي تولد على أنقاض سابقتها بعد أن شاخت وهرمت
وأمست أثراً من آثار الماضي وربما تلازمها وتسير إلى جانبها ما دام لكل منها ملامحه
الخاصة وأنصاره ومؤيدوه .
وقد رأى كثير من الباحثين والنقاد أن من أهم العوامل التي ساعدت على نشأة
الشعر الحر وهيأت له إنما تعود في جوهرها إلى دوافع اجتماعية وأخرى نفسية بالدرجة الأولى
إلى جانب بعض العوامل الأخرى المنبثقة عن سابقتها .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire