الإعجاز في القرآن
الرسالات السماوية.. والمعجزات
في الرسالات السماوية التي سبقت رسالة
محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، جاءت المعجزات مناسبة لتطور البشرية ودرجة نضجها
ابان تلك الرسالات. ففي مراحل الطفولة تكون الدهشة اكثر مناسبة من العقلانية والتفلسف
والتجريد.. ولذلك كانت المعجزات المادية، التي تدهش العقل، هي معجزات تلك الرسالات.
فلما بلغت الانسانية سن الرشد، وشاء
الله ختم رسالات السماء الى الانسان، جاءت المعجزة ـ القرآن الكريم ـ معجزة عقلية،
تستنفر طاقات العقل وملكاته للتعقل، بدلاً من ادهاشه وشل حركته عن التفكير! كما تميزت
هذه المعجزة بخلود الاعجاز، لتكون حجة على الانسان عبر الزمان والمكان، بدلاً من تلك
المعجزات المادية التي قامت حجة على من رآها واندهش بها في زمن حدوثها. وتميزت كذلك
معجزة القرآن الكريم بكونها هي ذاتها موضوع الرسالة ـ عقيدة وشريعة وقيماً ـ بينما
كانت المعجزات المادية السابقة مجرد حجة على صدق الرسول، وليست مصدراً لذات رسالة الرسول!
وعن ارتباط «الاعجاز» في القرآن الكريم «بالعقل والعقلانية» يقول الإمام محمد عبده:
«ان القرآن الكريم ـ وهو المعجز الخارق ـ دعا الناس الى النظر فيه بعقولهم.. فهو معجزة
عُرضت على العقل، واطلقت له حق النظر في انحائها، ونشر ما انطوى في أثنائها. فالاسلام
لا يعتمد على شيء سوى الدليل العقلي، والفكر الانساني الذي يجري على نظامه الفطري،
فلا يدهشك بخارق للعادة، ولا يغشى بصرك بأطوار غير معتادة، ولا يخرس لسانك بقارعة سماوية،
ولا يقطع حركة فكرك بصيحة إلهية.. فتآخى العقل والدين لأول مرة في كتاب مقدس، على لسان
نبي مرسل، بتصريح لا يقبل التأويل، وتقرر بين المسلمين كافة إلا من لا ثقة بعقله ولا
بدينه.. ان من قضايا الدين ما لا يمكن الاعتقاد به إلا من طريق العقل، كالعلم بوجود
الله، وبقدرته على ارسال الرسل وعلمه بما يوحى اليهم، وإرادته لاختصاصهم برسالته، وما
يتبع ذلك مما يتوقف عليه فهم الرسالة، وكالتصديق بالرسالة نفسها، كما أجمعوا على ان
الدين ان جاء بشيء قد يعلو على الفهم، فلا يمكن ان يأتي بما يستحيل عند العقل.. والله
يخاطب في كتابه الفكر والعقل والعلم، بدون قيد ولا حد.. أما الوقوف عند حد فهم العبارة
فهو مضر بنا، ومناف لما كتبه أسلافنا من جواهر المعقولات، التي تركنا كتبها فراشاً
للأتربة، وأكلة للسوس، بينما انتفعت بها أمم أخرى أصبحت الآن تُنعت باسم النور!».
علاقة الاعجاز بالواقع الانساني
إن دراسة الإعجاز القرآني وعلامات
التحدي في القضايا الاجتماعية ليس أمراً مستحدثاً وإن بدا كذلك، فهي ليست بدعاً في
النوع والمضمون من أشكال الإعجاز الأخرى، وقد ذكر علماؤنا الأقدمون أن من وجوه الإعجاز
تحقيق الأحكام للمصالح وصدق الأخبار القرآنية وإثبات صحتها عند انطباقها على الواقع،
وذلك يشمل كافة الحقائق المتعلقة بالعلوم طبيعية كانت أو إنسانية أو اجتماعية، وليس
ذلك فحسب بل إن أقدم نظريات الإعجاز القرآني على الإطلاق قد نصت على الإخبار عن حقائق
مستقبلية في بعض الشرائح الاجتماعية، وذلك يعني فيما يعني أن هذا النوع قد كان سابقاً
لكل أشكال الإعجاز الأخرى وإن لم يتبلور في صورة منهجية متكاملة.
وقد تناولت هذه الورقة بعض القضايا
المحورية في علم الاجتماع التي تمت معالجتها في القرآن بوسائل معينة وتمت معالجتها
في الغرب بوسائل أخرى - فتكشف الفرق البعيد والبون الشاسع بين المعالجتين وظهر الإعجاز
في هذا الجانب الذي لا يمكن أن يعالجه بشر كما عالجه القرآن مهما بلغ من العلم والدراية
والحنكة والفطنة.
كما تناولت هذه الورقة القضايا المنهجية
اللازمة لدراسة هذا النوع من الإعجاز، فبيّنت أنواع الإعجاز بشكل منهجي عام ومنهجية
دراسة الإعجاز المتعلق بالحقائق في إطارها المعرفي العام ونظام السنن والقوانين الاجتماعية
في القرآن.
تعريف إعجاز القرآن الكريم :
القرآن في اللغة : من قرأ مرادف
للقراءة ، ومنه قوله تعالى : ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) (القيامة:18).
القرآن في الاصطلاح: هو كلام الله
المنزل على محمد المنقول إلينا بالتواتر المتعبد بتلاوته المتحدى بأقصر صورة منه.
* قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)
(النساء:82) فهو إذن كلام الله.
* وقال تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(المزمل: من الآية4)
وقال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)
(محمد:24) فكانت تلاوته والتدبر فيه عبادة لله.
* وقال: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23)فقد تحداهم بالإتيان بسورة من مثله.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire