أعلان الهيدر

نظرية بقاء النوع


نظرية بقاء النوع

نظرية بقاء النوع
بقاء النوع :
لقد خلق الله الكائنات وزودها بالآلات المناسبة التي تستطيع بها أن تدفع المضرة وتجلب المنفعة، ومن ثم يستمر النوع. ولقد تحدث العلماء المسلمون في هذه السنة التي فطر الله تعالى بها الكائنات وأقروا بحكمة الخالق في ذلك.
ويشرح إخوان الصفا في رسائلهم سبب وجود هذه السنة فيقولون: "واعلم أنك إذا أمعنت النظر وجودت البحث عن مبادئ الكائنات وعلة الموجودات علمت وتيقنت أن هاتين الحالتين أعني شهوة البقاء وكراهية الفناء أصل وقانون لجميع شهوات النفس المركزة في جبلتها، وأن تلك الشهوات المركزة في جبلتها أصول وقوانين لجميع أفعالها وصنائعها ومعارفها في متصرفاتها، وإنما صارت هاتان الحالتان مركوزتين في جبلة كل الموجودات وجميع الكائنات من أجل أن الباري -جل ثناؤه- لما كان هو علة الموجودات، وسبب الكائنات ومبدعها ومخترعها، وموجدها ومبقيها ومكملها، ومبلغها إلى أقصى مدى غاياتها وأفض حالاتها وكان -جل ثناؤه- دائم البقاء، لا يعرض له شيء من الفناء، صار من أجل هذا في جبلة الموجودات محبة البقاء وشهوته، وكراهية الفناء وبغضته، لأن في جبلة المعلول يوجد بعض صفات العلة، دلالة دائمة عليها، وإنما لا يعرض للباري -جل ثناؤه- شيء من النقص والفناء، من أجل أنه علة الوجود لذاته، وبقاؤه من نفسه وأما سائر الموجودات وجميع الكائنات فلوجودها أسباب وعلل، ومتى عدم منها شيء أو نقص عرض لها الفناء والنقص والقصور والبلوغ إلى الحال الأفضل".
ويربط مسكويه بين أخلاق المخلوق وما أعطاه الله من آلة للدفاع عن نفسه فيقول في كتابه تهذيب الأخلاق : إن كل حيوان قد أعطي آلة يتناول بها حاجاته وهذه الحاجات تتزايد في الحيوان من أول أفقه، وتتفاضل فيه، فيشرف فيه بعضها على بعض، فلا يزال يقبل فضيلة بعد فضيلة حتى تظهر فيه قوة الشعور باللذة والأذى، فيلتذ بوصوله إلى منافعه، ويتألم بوصول مضاره إليه، "ثم يقبل إلهام الله -عز وجل- إياه، فيهتدي إلى مصالحه فيطلبها، وإلى أضداده فيهرب منها. وما كان من الحيوان في أول أفق النبات فإنه لا يتزاوج ولا يختلف المثل، بل يتولد كالديدان والذباب وأصناف الحشرات الخسيسة، ثم يتزايد فيه قبول الفضيلة، كما كان في النبات سواء، ثم تحدث فيه قوة الغضب التي ينهض بها إلى دفع ما يؤذيه فيعطي من السلاح بحسب قوته وما يطيق استعماله، فإن كانت قوته الغضبى شديدة كان سلاحه تاما قويا، وإن كانت ناقصة كان ناقصا، وإن كانت ضعيفة جدا لم يعط سلاحا البتة، بل أعطي آلة الهرب كشدة العدو والقدرة على الحيل التي تنجيه من مخاوفه، وأنت ترى ذلك عيانا من الحيوان الذي أعطي القرون التي تجري له مجرى الرماح، والذي أعطي الأنياب والمخالب التي تجري له مجرى السكاكين والخناجر، والذي أعطي آلة الرمي التي تجري له مجرى النبل والنشاب، والذي أعطي الحوافر التي تجري مجرى الدبوس والطبرزين. فأما ما لم يعط سلاحا لضعفه عن استعماله ولقلة شجاعته، ونقصان قوته الغضبى، ولأنه لو أعطيه لصار كلا عليه، فقد أعطي آلة الهرب والحيل بجودة العدو والخفة والدوران والمراوغة كالأرانب وأشباهها. وإذا تصفحت أحوال الموجودات من السباع والوحوش والطير رأيت هذه الحكمة مستمرة فيها، فتبارك الله أحسن الخالقين. فأما الإنسان فقد عوض عن هذه الآلات كلها بأن هدي إلى استعمالها كلها، وسخرت هذه كلها له".
ويتحدث ابن خلدون عن علاقة الأعضاء بطبيعة الخلقة فيقول في كتابه العبر : " ولما كان العدوان طبيعيا في الحيوان، جعل الله سبحانه وتعالى لكل واحد منها عضوا يختص بمدافعة ما يصل إليه من عادية غيره. وجعل للإنسان عوضا من ذلك كله الفكر واليد، فاليد مهيأة للصنائع بخدمة الفكر، والصنائع تحصل له الآلات التي تنوب له عن الجوارح المعدة في سائر الحيوانات للدفاع، مثل الرماح التي تنوب عن القرون الناطحة، والسيوف النائبة عن المخالب الجارحة".
ويلخص القزويني نظرية بقاء النوع فيقول في كتابه عجائب المخلوقات : "ولما كانت الحيوانات بعضها لبعض عدوا اقتضت الحكمة الإلهية لكل حيوان آلة يحفظ بها نفسه من عدوه، فمنها ما يدفع العدو بالقوة والمقاومة كالفيل والأسد والجاموس، ومنها ما يسلم من عدوه بالفرار، فأعطي آلة الفرار كالظباء والأرانب والطيور، ومنها ما يحفظ نفسه بحصن كالفأر والحية والهوام، ومقتضى الحكمة الإلهية أن الله تعالى خلق لكل حيوان من الأعضاء ما يتوقف عليه بقاء ذاته ونوعه لا زائدا ولا ناقصا، ولذلك اختلفت أشكالها وأعضاؤها، وتنوعت أنواعها بأنواع كثيرة".
إن مفهوم الحكمة الإلهية في وظائف الأعضاء ومدى ملاءمتها للبيئة، استبدل في الغرب بمصطلح "الانتخاب الطبيعي"، وأول من استخدم هذا المصطلح كان تشارلز دارون عام 1275هـ / 1859م. وقد وصف به دارون العملية التي تشمل التغيرات التفاضلية في تكرار الجينات لدى فصيلة معينة نتيجة للقدرة التفاضلية لدى الكائنات على البقاء والتوالد في بيئة معينة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Fourni par Blogger.