أبو القاسم الشابي شاعر تونس الأول شاعر الحريّة و الرّومنطيقيّة
شاعر الكآبة و الألم ، جسد ضامِرٌ هدّه المرض و حياة مغمورة بالحرمان و الشّقاء و زمن
طافحٌ بالفقر و الجهل و الاستبداد. لسنا نعرف شاعرا في مثل بيئة الشابي و أجوائه تجمّعت
عليه مثل هذه الضروب من العذاب ففجّرت فؤادَه بالأغاني و ألهَبَت قلبه بالحبّ و قادته
إلى تَـقَـفِّي خطَى الكون بحثا عن الماوراء السَّرْمَد .
هو الشّاعر الفنّان و في هذه الصّفة ما يميّزه عن غيره من الشعراء الذين
كانوا يعيشون بحاسّة واحدة أمّا هو فقد كان يشحذ جميع حواسّه المرهفة ، فقد كان يستخدم
في شعره مَرْقَـمَ الموسيقى و ريشة الرسّام و تعبير الشاعر الفحل و يرمق دنياه من أعلى
القمم فيُبدع في تلوينها بعبقريّة تستقبل الحياة بأكثر من حاسّة .
و هو إلى جانب كلّ ذلك شاعر الثورة و مُلهِبُ العواطف و مُستنهِضُ الهِمم
و الثّائر على العجز و الخمول . و هو مشدود إلى فراش المرض يقول شعرا في إرادة الحياة
حتّى ليُخَيَّلُ إليك أنّه سيُقيمُ الدّنيا و لن يُقعِدَها
و قالتْ لِيَ الأرضُ لمّا سألتْ / أيَا أمُّ هل تكرَهينَ البَشرْ
أبارِكُ في النّاس أهلَ الطّموح / و مَن يَسْتلذُّ ركوبَ الخطرْ
و ألعَنُ مَن لا يُماشي الزّمانَ / و يقنَـعُ بالعيش عيشَ الحَجَرْ
هُوَ الكونُ حَيٌّ يُحبُّ الحياةَ / و يَحتقرُ المَيْتَ مهما كَبُـرْ
فلا الأفقُ يَحْضِنُ مَيْتَ الطّيور/ و لا النّحلُ يَلثمُ مَيْتَ الزَّهَرْ
و مَن لا يُحبُّ صُعودَ الجبالِ / يَعِشْ أبَدَ الدّهر بينَ الحُفَرْ
هكذا عاش نسرًا رغم الدّاء و الأعداء لا يرمق الظلّ الكئيب و لا يرى ما
في قرار الهوَّة السّوداء و هكذا ظلّ شعره بيننا قَبَـسًا من نور الإله ، هذه لمسة
وفاء من مدوّنة " عبّر إنّها تونس " يا من سبحت في لُجّ هَوَى تونس و اسْتُـبِيحَتْ
دِمَاءُ العُشّاق منك .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire