انتاج كتابي حول مساعدة صديق
من النّاس من حرمهم الدّهر الصحّة مثل جدّتي
المسكينة عائشة، فقد مرضت مرضا شديدا ألزمها الفراش و فعل بها فعل النّار في الهشيم
و غيّرها كما يغيّر الخريف أوراق الشّجر.
باتت ليلتها على مثل جمر الغضا تئنّ أنينا
يتصدّع له القلب و يذوب له الصّخر، تتلوّى في فراشها ذات اليمين و ذات الشّمال و قد
تقبّض وجههـــــــا و تصبّب عرقا و أرقــــا و حمّى و ذبل جسمها و أخذت منها الآلام
كلّ مأخذ. لقد تشقّقت شفتاها و ارتفعت درجة حراتها و هزل جسدها. لا أكاد أسمع منها
سوى التّأوّه و الصّراخ تطلقهما بين الحين و الآخر. كما أنّي لاحظت شحوبا في وجهها
و احمرارا شديدا في أذنيهــــــــــا و انتفاخا كبيرا حول عينيها على غير عادتها، فقد
ذهبت منها تلك الابتسامة اللّطيفة و تحوّلت إلى شحوب و اصفرار على وجهها وكان يهتزّ
جسمها النّحيل كلّما داهمتها نوبة السّعال.
عالجتها أمّي بما في جعبتها من خبرة فسقتهــــــا
ماء زهر ممزوج بالعسل المصفّى و وضعت لها كمّدات على جبينها الّذي يقدح نارا تلظّى
و قدّم لها أبي أقراصا مهدّئة فلم تزدها إلاّ شرّا.
فهاتف والدي الطّبيب الّذي أتى على الفور مصحوبا
بمعدّاته فشرع يفحصها جسّا نبضها و سامعا دقّات
قلبها . و إذا بها دقّات ضعيفة خائرة ، دقّات قلب أصابه الوهن و الشّيخوخة و أوشكت
الحياة أن تفارقه. فحضّر لها دواء : هو مزيج من عدّة أدوية أخرى و حقنها إيّاها في
ذراعها الباردة. و وضع السّماعة على صدرها ثمّ أخذ يدعك رأسها و يضغط على صدرها في
حركات خفيفة. و أخيرا كتب لها وصفة تضمّ بعض الأدوية قصد استعمالها بانتظام.
و بعد أيّام لفّها الله برداء الشّفاء فاستعادت
صحّتها و اكتنز بدنها و ذهب شحوبها.
و صدق من قال : إنّ الصحّة تاج على رؤوس الأصحّاء،
لا يراه إلاّ المرضى.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire