التصميم الجرافيكي
التصميم
الجرافيكي قديم قدم الحضارة، ونستطيع إدراك ذلك من خلال الرسوم والمنحوتات التي
وصلتنا، والتي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ حيث كانت بدايتها الفنية لا تقوم إلا
بنازع عفوي، وأكثر الأحيان يكون دافعها لما يراود تفكير الإنسان في تلك الفترة من
غموض تجاه ظواهر الطبيعة، فتكون كما لو إنها طقوس دينية وإشارات سحرية وتماثيل
بشكل رموز أو آلهة لتقديسها وعبادتها تصغيراً لها لتقريب رموزها من اجل اكتساب
رضاها، ولكي تحميهم من الشرور التي تحيط بهم من ظواهر طبيعية وحيوانات مفترسة.
إن
هذه الرسوم والأشكال التي كان يستخدمها الإنسان القديم في تمييز الأشياء وتعريفها
قد تطورت مع الزمن، وأصبحت السبب الأول في ظهور الكتابة؛ هذا الاكتشاف العظيم الذي
أدركه الإنسان من خلال التعايش مع الطبيعة، والصراع الذي كان يعيشه مع الظواهر
الطبيعية واختلاف أحوالها، والتغيير الذي تمارسه عبر فصول السنة.
لقد
اشتهر السومريين بمهارتهم بالفنون والنحت على وجه الخصوص، وكان أقدم منحاتيهم
تجريديين وانطباعيين. لقد كانوا من أمهر المصممين، فهم أول من جمع بين الكتابة
والصور في أعمالهم الفنية حيث كان لكل صورة رمز ما، فكان الإطار العام للتصميم
معبراً وبقوة عن مكنونات الإنسان السومري.
ما
نعرفه عن التصميم الجرافيكي في الوقت الحاضر له جذور تاريخية مهمة من خلال
اختراعين عظيمين؛ الأول هو اختراع آلة الطباعة في القرن الخامس عشر علي يد (جوهان
جوتنبرغ)، والثاني كان الثورة الصناعية في القرنين الثامن والتاسع عشر.
لقد
كان لاختراع آلة الطباعة الأثر الكبير في تطور التصميم الجرافيكي، فقط كان لابد من
الاهتمام بنوع الخط الذي سيظهر في الإعلان، مكان الكلام في الصفحة، متى يفضل
استخدام الخط الغامق (Bold)، وهل من الأفضل أن يرافق ذلك الإعلان بعض من
الصور…الخ. من هنا بدأت ثورة جديدة في عالم الإعلان فقد زادت جمالية ودقة
الإعلانات، كما زادت كميات النسخ الموزعة.
الثورة
الصناعية من جهتها عملت على زيادة الحركة التجارية وبالتالي زيادة الاهتمام
بالإعلان عن الكثير من المنتجات الجديدة التي أصبحت تصنع وتوزع بشكل كبير، كان
لابد عندها من زيادة إنتاج الإعلانات للاتصال بأكبر عدد من الناس، وخصوصاً في ظل
ازدياد المنافسة الشديدة بين الشركات الكبيرة، بالإضافة إلى ما ذكر فإن الثورة
الصناعية أتاحت المجال لاختراع أنواع جديدة من الآلات الطابعة وآلات التصوير
الفوتوغرافي، وابتكار تقنيات آلية جديدة زادت من سرعة الإنتاج.
إن
من أهم التطورات التي حصلت في تاريخ التصميم الجرافيكي اهتمام المصممون بنوعية
خطوط الطباعة تايبوغرافي (Typography)، وخصوصاً في أيام الثورة الصناعية، ومن أهم
المصممين الذين كان لهم الفضل في تطور هذا المجال المصمم (John Baskerville) الذي اختار أن يكسر القوانين السائدة أنذاك فيما يخص بالخطوط
التقليدية المستخدمة في طباعة الكتب والصحف، حيث ابتكر أنواعاً جديدة لم تكن شائعة
الاستخدام في المطابع، ولقد طور نوعاً جديداً من الأحبار تكون من زيت الكتان
المغلي وبعض من الراتنج (صمغ) وكان يحفظ لشهور قبل الاستعمال، وبذلك فقد أضافت
مادة الراتنج لمعانا للحبر الأسود الكثيف الذي كان شائع الاستعمال أنذاك.
في
عام 1475 تم إنتاج أول كتاب باللغة الإنجليزية على يد (William Caxton)، وفي عام 1501 صمم (Francesco Griffo) أول خط من نوع الخط المائل (Italic)، كما قام الانجليزي (William Caslon) بتطوير 60 نوع من الخطوط الإنجليزية في عام 1720 سميت بخطوط كاسلون
(Caslon Fonts) والتي بقي
استعمالها رائجاً للستين سنة التالية، وفي عام 1816 أنتج كاسلون أول خط من مجموعة
(Sans Serif).
فيما
بعد تتابعت التطورات على فن التايبوغرافي، وتم تطوير أنواع ونماذج جديدة من الخطوط
منها العريض (Bold) والأكثر
سماكة (Black)، واليوم وبفضل الكمبيوتر أصبح بالإمكان
الاختيار بين أنواع كثيرة من خطوط الطباعة والتي سنتعرض لذكر مميزات كل نوع في فصل
الإخراج الفني.
الثورة
الأهم في مجال التصميم الجرافيكي كانت عندما دخل الكمبيوتر في هذا المجال على يد
شركة (MIT) عام
1960 بالتعاون مع المعاهد الأخرى المتخصصة بالكمبيوتر، وفي عام 1980 ومن خلال
العمل المتواصل والمنافسة الكبيرة بين شركات التكنولوجيا تم إنتاج أول جهاز
كمبيوتر من إنتاج شركة (Apple Macintosh) ، والذي تميز بسعره الأقل من الأجهزة الأخرى
وسهولة استخدامه، فأصبح كثير من الناس يستخدمونه في البيوت لإنتاج المواد المطبعية
البسيطة.
في
عقد الثمانينات وفضل تطور أجهزة الكمبيوتر تطور مفهوم النشر المكتبي
(Desktop-Publishing) الذي
بدوره غير جميع المفاهيم الخاصة بالتصميم الجرافيكي والطباعة في العلم كله.
يرجع
الفضل الكبير لتطور مفاهيم النشر المكتبي إلى أول برنامج خاص بالنشر المكتبي وهو
(Aldus/Adobe™’s Pagemaker®) ولشركة
(Apple Macintosh™) بفضل نظام عرض
الصور في أجهزتها والذي سمي حينها (WYSIWYG) اختصاراً للعبارة (what you see is what you get) بمعنى أن ما تراه هو ما تحصل عليه بعد الطباعة، وبهذا تكون
التكنولوجيا الرقمية قد أعادت صياغة التصميم الجرافيكي بمفاهيم عصرية جديدة وإلى
الأبد.
لم
تقف التطورات في مجال التصميم الجرافيكي عند هذا الحد، فقد كان لظهور شبكة
الانترنت على يد البحرية الأمريكية في عقد الستينات وتطورها في عقد السبعينات
الصدى الواسع والتأثير الكبير لدى العديد من المصممين. لقد أصبح من السهولة تناقل
الصور والتصاميم عبر الشبكة، وأضحت شبكة الانترنت أكبر مكتبة للمعلومات في العالم،
ووسيلة مهمة للتجارة الالكترونية؛ مما جعل الشركات الكبرى تتجه نحو المصممين
لينتجوا لهم ما يسمى بمواقع الانترنت لتكون بمثابة سوق يعرضون فيها منتجاتهم
وخدماتهم، وهنا ظهر فرع جديد في التصميم الجرافيكي وهو (تصميم صفحات الانترنت)
تطور
التصميم الجرافيكي بحق كان من أهم أحداث القرن العشرين، واليوم نجد الكثير من
المفاهيم الجديدة الخاصة بالتصميم الجرافيكي، وأصبح هذا المجال علماً قائماً بحد
ذاته يدرس في الكثير من الجامعات العالمية، وأصبح المصمم الجرافيكي من أكثر الناس
الذي يحظون بالاحترام في الكثير من بلدان العالم نظراً لأهميتهم في نقل صورة معينة
للناس وإقناعهم بها عن طريق مهارتهم في إنشاء علاقات بصرية جذابة من خلال التعامل
مع الخط واللون والصورة، إن المصمم الجرافيكي الناجح هو ذلك الشخص الذي يعي تماماً
بأن مهمته هي إرضاء أكبر عدد من الأذواق، وهي مهمة ليست سهلة، فهو يعرف بأن عليه
التعامل مع شرائح كثيرة من الناس وأفكار تختلف من مكان لآخر ومن شخص لآخر، من جهة
أخرى فالمصمم الجرافيكي ماهر في علم النفس إذ أنه على علم بتأثير الأشكال والألوان
على المشاهدين، وهو ماهر في وضع الحلول.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire