أبو سعيد المدائني و ظاهرة تثمين الفضلات والمياه
المستعملة في عصره
كتاب البخلاء للجاحظ من كتب التراث التي تتميز بروح الفكاهة
والدعابة، فيه جمع ليس البخلاء فقط ولكن البخلاء الظرفاء من خلطائه وممن سمع عنهم
أو رويت له أخبارهم، وهو أشبه بمأدبة أدبية قدم الجاحظ عليها ألوان الحكايات
والطرف،وبالرغم من أنه ألفه وهو شيخ طاعن في السن مصابا بالشلل إلا أن ذلك لم
يفقده روح الشباب والدعابة.
بعض النقاد ذهب لأن الجاحظ نفسه كان بخيلا وكتابه شاهد إثبات؛ ومن حجج
النقاد على بخله تلك التي جاءت على لسان أبي بكر بن محمد بن مسعود، أنه وصاحب له
لما ذهبا إلى خراسان قررا زيارة الجاحظ، الذي قدم لهما طبقا من الرطب، فتناول
أحدهما ثلاث رطبات، فطلب منه الآخر أن يتوقف ويكتفي بما أكل، لكن الجاحظ قال
للثاني: دعه يأكل، فبالأمس زارني فلان وامتنع عن الأكل وأقسمت عليه فبر قسمي
بثلثمائة رطبة!!
ومن هذه الحكاية يمكن للقارئ استنباط شيئين..
أولهما: بخل الجاحظ، بدليل دعوة الرجل صاحبه أن يمسك عن أكل الرطب.
ثانيهما: أن الجاحظ
أحصى نوى الرطب الذي أكله ضيفه
السابق.
ولنعبر جسور شخصية الجاحظ
لنبحر معه برهافة حسه وقدرته على التقاط الخبر والمعلومة، ونقبل دعوته
الملحة لمأدبته العامرة والتي أغرانا فيها بأننا سنجد عليها ما نريد من صنوف البشر
حكام ومحكومين، عظماء وتافهين، أرباب المهن وأطباء، زهاد ونساك وفاسقين، كرماء إلى
حد البذخ، وبخلاء لدرجة الشح، وحكايا البخلاء التي يوردها مضيفنا تأتي إما طويلة
لحد الإسهاب والإطناب حتى الملل، فتشبع محب الثرثرة ، وإما قصيرة بليغة حد الإيجاز
لترضي محب الاقتضاب!
وحكايا البخلاء كثيرة ومتنوعة، أسلوبها بليغ وقد بلغت من الرقي الفني
ما يجعل قارئها معلقا بدفتي الكتاب حتى يأتي عليه كأشهى ما يكون الطعام!
ولعل قول النبي صلىوسلمر
في حديثه الشريف لقيس بن عاصم: "إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، وما
لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت، وما سوى ذلك فللوارث" (البخاري 2231 ومسلم
3227)
والبخيل كما يقول أبو العاص بن عبد الوهاب الثقفي؛ هو الوكيل في
ماله،الأجير لوارثه؛ ويقول الشاعر:
تبلى محاسن وجهه في قبره
والمال بين عدوه مقسوم
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire